بوارق الأمل شغوفًا أقبلت مثل كثير من المغاربة على المباراة النهائية لبطولة العرب لكرة القدم مواليد 1993 فما فوق التي تأهل لها بمطلق الجدارة منتخبا المغرب والسعودية الشقيقان، وكان مصدر الشغف الذي يزيد قليلا عن الحماس أننا كمغاربة ثُقنا منذ زمن بعيد إلى ما يعيد إلى الواجهة هذه الفئة العمرية التي هي الوجه القوي في عملة الحلم بغد كروي قوي، فمنذ أن صعد منتخب الشبان إلى كأس العالم بهولندا سنة 2005 وحقق مرتبة رابعة في سلم العالمية وجيل الأمل في المستقبل تتقاذفه الإقصاءات والخيبات والعثرات، وأبدا ما رأينا في ذلك إقرارًا بهشاشة التكوين وضعف التأطير وفداحة الإنصراف كليا عن قاعدة الهرم، ونحن من تقول أرقام الإحصائيات وتقول أجهزة رصد المواهب أننا بلد شاب وشغوف بكرة القدم.. والحقيقة أنني وكل الذين حرصوا على مشاهدة نهائي بطولة العرب للشباب ما ضعينا الوقت في ملاحقة هذا النزال الكروي، فقد كان السيناريو مثيرًا والمضمون التكتيكي رائعا والخلاصات الفنية جيدة.. شاهدت منتخب الشبان الوطني يفتتح البطولة بملاقاة أشبال جذيان السودان ويحقق فوزًا تقول نتيجته أنه كان فوزًا قيصريا، ولكن ما كان في العمق أشر على أن بطولة العرب ستشهد ميلاد جيل تصدق عليه كثيرا صفة الأمل، ثم تابعت بعد ذلك مباراة السعودية والكويت وتنبأت من دون حاجة لمشاهدة المباريات الأخرى بإمكانية بلوغ أشبال الأخضر السعودي المباراة النهائية، وقد وجدت في محتوى الأداء وفي النص التكتيكي ما يقول بوجود مطابقة كاملة للاعبين وهم بأعمار صغيرة مع نهج تكتيكي بسيط وغير معقد.. ووقفت على الأهمية الكبيرة لبطولات مثل هاته وهي تعطي للمنتخبات كلها فرصة لمراكمة المحكات التجريبية.. فقد وجدت وأنا أشاهد المنتخبين المغربي والسعودي في المباراة النهائية أن هامش التطور كان كبيرًا، إن على مستوى الأداء الفردي في إنضباطه وجرأته وإلتزامه أو على المستوى الجماعي، حيث بلغ الإنسجام درجات متقدمة، إذ وصل اللاعبون رغم حداثة عمرهم الكروي مستويات عالية في إستيعاب قواعد اللعب وأساسات إحتلال الأروقة وهما يمكنان في الغالب من أفضل تواجد ممكن على رقعة الملعب.. غير هذا، جاءت المباراة النهائية نسخة متفردة في الإثارة وفي الأحجام والمقاسات التكتيكية، فبينما كان أشبال الأطلس يوجهون المباراة بحسب ما يريدون معتمدين في ذلك على آلية الإيقاع، إذا بالمنتخب السعودي الذي يجيد اللذغ في الأوقات الحرجة يوقع هدفا من قدم عسيري وهو لاعب أمتعني كثيرًا بحمولاته الفنية والإبداعية، عنصر ذكرني بالفنان والدولي السعودي الحالي محمد الشلهوب. هدف لم يربك في واقع الأمر أشبال الأطلس، برغم أنه الأول الذي يدخل مرماهم منذ بداية البطولة، إذ تعبأوا للرد بأفضل صورة، وقد كان لهم ذلك بعد جملة تكتيكية جميلة صاغها النجم الآخر للبطولة أدم النفاتي الذي إخترق بجسارة من الرواق الأيسر ورفع كرته صوب زميله السعيدي الذي سجل هدف التعادل. ولأن المباراة كانت تخفي وجها دراميا سيصعد بموجة الإثارة، فإن مرتدا آخر للسعودية سينتهي بضربة جزاء وبطرد قاس للحارس العصيمي والذي سيفرض على أشبال الأطلس الجري وراء هدف التعادل بعشرة لاعبين لأزيد من 60 دقيقة.. وكان رائعًا أن يتحايل الأولاد على النقص العددي حتى أوهموننا ذات وقت أنهم يلعبون بصفوف مكتملة، فقد عدل المدرب حسن بنعبيشة بالدهاء الموروث الصيغة التكتيكية، وكما تطلع من عباءة الساحر لمسة ساحرة، فقد طلع الظهير الأيمن الشيبي كالبدر في الليلة الظلماء ليبدد غمامات الشك، مرة عندما توصل بمجهود خارق إلى معادلة النتيجة وقد مد جسورًا عبر بها كل الجدارات الدفاعية السعودية، ومرة عندما تقدم لكرة ثابثة على مشارف منطقة العمليات، فأرسل الكرة كزغرودة في ليلة العيد ليعيد المباراة ثالثة إلى نقطة التكافؤ بعد أن كان السعوديون قد تقدموا بهدف ثالث.. طبعا ما كان للإثارة أن تبلغ الذروة إلا بالإحتكام للضربات الترجيحية والتي منحت التفوق لشجاعة أشبال الأطلس فكافأتهم على جسارتهم وجرأتهم بلقب غالٍ.. كأس العرب للأشبال. وإذا كانت من ضرورة تحتم تسمية هذا الذي حققه منتخب الشباب كإنجاز ببارقة الأمل، فإن ما يترتب عن هذه الضرورة هو إعتبار هذا الإنجاز مكافأة عينية لعمل أنجز في العمق بإحترام شبه كامل للأساسات الإحترافية، وإذا كان بنعبيشة وهو المسؤول التقني والتربوي والرياضي على هذه البوارق يستحق أن يهنأ على قدرته على طبع منتخب الشباب بالطابع الفني والروحي الذي كان عليه، فإن النجاح الذي تحقق في بطولة العرب يدفع بالتأكيد إلى مواصلة العمل بذات الإحترافية وبذات الإمكانيات، لأن الرهان المستقبلي هو أن نرى هذا المنتخب يشتد عوده ويحضر بقوة في التصفيات الإفريقية مراهنا على التأهل للأدوار النهائية ومنها لكأس العالم للشباب، مع أن الرهان الأكبر هو أن ينجح بنعبيشة في الدفع بكثير من العناصر لتبلغ المنتخب الأول..