«سنأخذ بثأرنا..» نعرف عن لاعبي الجزائر بقدر ما يعرفونه عن لاعبينا اللاعبون عاقدون العزم على كسب النقاط الثلاث
لأنه مقل في الكلام، ينتقي بعناية شديدة كلماته ويختار بدقة متناهية مواعيد لخرجاته الصحفية، فقد كان لزاما أن نتحلى بكثير من الصبر لنحصل من المدرب والناخب الوطني إيريك غيرتس على موعد لإنجاز حوار صحفي يكون لسان حال المرحلة، يدقق في كثير من خصوصيات عمله كناخب وطني ويستشرف الأفق القريب المتمثل في مباراة 4 يونيو بمراكش.. تحفظ غيرتس أول الأمر، ليس لأنه حذر ومتوجس من الصحفيين ولكن لأنه حريص على أن يتحدث في اللحظة المناسبة، وعندما قبل بالدعوة لإجراء الحوار الصحفي، إشترط أن يكون ذلك بعد عودته من جولة قادته إلى ألمانيا، فرنساوبلجيكا، حيث دخل الخط المستقيم المفضي إلى الموعد الكروي الذي ينتظره المغاربة، المباراة الحاسمة أمام منتخب الجزائر.. مباراة بطعم الثأر، بمذاق الإنتقام وأيضا بهاجس الإنفراد بصدارة المجموعة الرابعة دون أن نغفل أنها مباراة يطمح من خلالها غيرتس إلى تقديم الفريق الوطني بالصورة التي ترضى عنها الجماهير المغربية.. ماذا بقي عالقا في ذاكرة الرجل من مباراة عنابة؟ ماذا يستحضر اليوم من تداعيات هزيمة تعود إلى أكثر من شهرين؟ بأية صورة يهيء غيرتس نفسه وأسود الأطلس للأخذ بثأرهم الرياضي؟ كيف يقيم محاربي الصحراء وفي أي ميزان يضعهم؟ بأي عين ينظر إلى المباراة وقد تحولت من مركب محمد الخامس بالدارالبيضاء إلى ملعب مراكش؟ هل يعيش مرتاحا في جلباب الناخب الوطني؟ وهل يعتقد أن المقام سيطول به في المغرب؟ كل الأسئلة التي يمكن أن تخطر على بالكم وضعناها أمام غيرتس فأجاب عن بعضها وهو ضاحك وأجاب عن بعضها الآخر وهو مقطب الحاجبين دليل على الصرامة والجدية. - المنتخب: لنعد قليلا إلى الوراء، إلى مباراة عنابة أمام الجزائر، وقد كانت هي الأولى لكم مع الفريق الوطني بطابع رسمي، بعد محكين تجريبيين أمام إيرلندا الشمالية ببلفاست وأمام النيجر بمراكش، مباراة خرج منها أسود الأطلس بهزيمة لا أقول أنها بددت الحظوظ في التأهل لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2012، ولكنها فرضت فرض عين أن يفوز الفريق الوطني هنا بالمغرب على الحزائر.. مباراة عنابة كيف تقيمونها اليوم؟ هل تحسترتم بعدها على شيء ما؟ غيرتس: الحسرة بمعناها الواسع لا.. لست متحسرا على النتيجة ذاتها أو على الأداء، بقدر ما أنا متحسر على أننا لم نعط كامل حقوقنا، في كل الصراعات الثنائية التي دخلناها مع لاعبي الفريق المنافس كنا نحن من تحتسب ضده الأخطاء، وعندما لا تستطيع أن تحارب بنفس الأسلحة، فإن قدراتك على المواجهة تضعف بشكل كبير، لقد كنا أمام عملة بوجهين أراد حكم المباراة أن يكونا متناقضين، فريق مغربي يجد نفسه في كل مرة مواجها بقرارات تفرمله وفريق جزائري ينطلق في بناءاته من دون أي محاولة للفرملة، هذا هو وجه الإختلاف الذي أزعجني، لذلك لا يمكن أن أكون غاضبا من اللاعبين، لقد حاولوا بقدر ما استطاعوا، سعوا من البداية إلى النهاية للقفز على كل الحواجز، أعترف أننا لم نكن جيدين في الشوط الأول ولكن لا ننسى أن ظروفا إستثنائية وغير عادية حدثت هي ما جعل اللاعبين لا يكونون بالمستوى الذي هو من صميم قدراتهم وإمكاناتهم الفردية والجماعية، ظروف أجزم أنني على طول الأربعين سنة التي قضيتها في الملاعب لم أشهد مثلها.. اليوم أشعر بإحساس قوي للأخذ بالثأر الرياضي، سنلعب إن شاء الله مباراة جيدة لنفوز بنقاطها الثلاث، ولنكون في الوضعية التي يتمناها الجميع، أي البقاء في صدارة المجموعة. نحن نلعب بأرضنا وأمام جمهورنا لذلك يبدو الفوز خيارا طبيعيا، لكنه يبدو أيضا خيارا ضروريا عندما يتعلق الأمر بالمنافسة على بطاقة التأهل إلى الأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم 2012. - المنتخب : كنتم متفائلين قبل مباراة عنابة، بل قلتم أنكم ستواجهون منتخب الجزائر بنفس أسلحته؟ غيرتس: كنت وما زلت متفائلا ومن طبعي أن أكون دائما متفائلا، هذا شعور أريده دائما أن ينعكس على اللاعبين، ثم إن التفاؤل يستمد دائما قوته من العمل الذي نقوم به، عندما تكون مدربا ولا تثق بمؤهلات فريقك وإمكانياته، فالأفضل لك أن تبقى في بيتك، أنا دائما أسعى لأن أضع اللاعبين في مناخ مشبع بالثقة وبالتفاؤل، وعندما قلت بأننا سنواجه منتخب الجزائر بنفس أسلحته فقد كنت أعني بذلك أننا سنبحث هناك عن الفوز تماما كما هو الأمر بالنسبة له، وقد سعينا لذلك، إلا أننا لم نكن موفقين في قلب الأوضاع، لنقل أننا كنا أمام حواجز غير طبيعية.. - المنتخب: تقصد حكم المباراة الموريسي بارساد الذي وجهت له إنتقادات شديدة بعد المباراة مع أن لاعبينا لم يكونوا على درجة كبيرة من الجرأة خاصة في البناء الهجومي؟ غيرتس: أظنني قلت لك السبب الذي عطل هذه الجرأة، لقد شعر اللاعبون بأنهم مستهدفون بالأخطاء في كل الحوارات الثنائية، وعندما يشعر اللاعب بأنه غير محمي أو مستهدف فإنه يتأثر معنويا وذهنيا، لو أعدت قراءة مشواري كمدرب لوجدت أنني نادرا ما أتعرض للحكام، الموسمان اللذان قضيتهما بفرنسا كنت أكثر مدرب إحترم الحكام ورضي بقراراتهم، ولكن في مباراتنا أمام الجزائر وجدت أن الأمور زادت كثيرا عن حدها، شعرت أن هناك إمعانا من الحكم في تتبيط عزيمتنا، في تكسير كل محاولة بناء نقوم بها، هذا يشعر ب "الحكرة"، لذلك قلت رأيي بمنتهى الأمانة، وأبدا لم أقصد من ذلك أن أتستر على الأخطاء أو حتى أن أجد للهزيمة مبررات غير موضوعية.. - المنتخب: هل تأثرت معنويا لهذه الهزيمة، هل إهتزت للحظة ثقته بنفسك وبمنهج عملك؟ غيرتس: لكي أتأثر معنويا للدرجة التي تقصد لا بد من أن تحدث أشياء أكبر بكثير من تلك التي وقعت خلال مباراة عنابة، لست نيئا ولا هشا حتى أتذمر بهذه السهولة.. - المنتخب: وما هي هذه الأشياء التي يمكن أن تضرب معنوياتك؟ غيرتس: أن أشعر ولو للحظة أن اللاعبين لا يريدون لعب كرة القدم، أن طريقة عملي لا تعجبهم أو أنه لا وجود لأي إنسجام أو تآلف داخل الملعب، أو أن خطرا ما يتهدد عائلتي.. أنا رجل حاربت كثيرا وبضراوة أحيانا لأصل إلى ما أنا فيه الآن، لذلك لا أرى ما الذي يمنع من أن أستمر في خوض هذه المعركة التي أحرص فيها على إثبات ذاتي. - المنتخب: ذهنيا، كيف ترتب لمباراة 4 يونيو أمام الجزائر بمراكش؟ غيرتس: هي مباراة بغايات كثيرة، أول الغايات أن نأخذ بثأرنا وننتقم لخسارة الذهاب، ثاني هذه الغايات أن يقدم فريقي نفسه للمغاربة بالصورة التي أرضى عنها ويرضوا هم عنها ونشعر كل المغاربة بالسعادة.. ثالث هذه الغايات أن نجعل من الضغط الذي يحيط عادة بمباريات من هذا العيار دافعا قويا لتقديم مباراة تظل عالقة في الأذهان.. - المنتخب: أنهت مباراة عنابة جولة الذهاب وتساوت المنتخبات الأربعة في النقاط، ما يقول أن الفريق الوطني بحاجة إلى 9 نقاط، أي إلى تحقيق الفوز في لقاءاته الثلاثة ليضمن تأهله إلى الأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم، من دون حاجة إلى الدخول في أية حسابات، هل تحسب الأشياء بهذا الشكل؟ غيرتس: الحصول على تسع نقاط يعطينا التأهل بشكل طبيعي، ولكنني أعتقد أن الفوز في مبارتين والتعادل في مباراة ثالثة، يمكنه أيضا أن يقودنا إلى التأهل، ما يعني أن الحصول على سبع نقاط كاف للبقاء في الصدارة. المنتخب: كيف؟ غيرتس: الفوز في المبارتين اللتين سنلعبهما بالمغرب أمام الجزائر وأمام تانزانيا والتعادل بميدان إفريقيا الوسطى يعطينا 7 نقاط ويضمن المرور. - المنتخب: في هذه الحالة سنتساوى مع منتخب إفريقيا الوسطى إن هو فاز بمبارتيه أمام تانزانيا وأمام الجزائر؟ غيرتس: وما أبعد أن يفوز منتخب إفريقيا الوسطى على الجزائر بالجزائر، ولكن دعني أكون معك في طرحك، الفوز بالمباريات الثلاث هو الخيار الأنسب لعدم الدخول في أية حسابات. - المنتخب: تأتي مباراة الإياب أمام الجزائر بمراكش ونحن من يبحث فيها عن الفوز كخيار وحيد، في سياق زمني خاص، إنها نهاية موسم ماراطوني ومتعب لكل اللاعبين، بخاصة أولئك الذين يلعبون بالنوادي الأوروبية، عادة ما تكون الأرجل ثقيلة والأجسام مرهقة والذهنيات متعبة، هل تأتي المباراة بحسبكم في توقيت غير مناسب؟ غيرتس: كان الأمر سيكون مقلقا لي لو أن المنتخب الجزائري لا يعيش نفس الظروف، بمعنى أن يكون لاعبوه في بداية موسمهم الكروي، أتصور أن هذا الذي تحدثت عنه وهو واقع يفرض نفسه، نقتسمه مع الجزائريين، بمعنى أننا في نفس الوضعية بالنظر إلى أن المنتخب الجزائري مشكل في غالبيته من لاعبين يمارسون ببطولات أوروبية. هذا تاريخ موضوع في أجندة الفيفا والحالة تفرض تعاملا خاصا، ما يعني أننا سنتعامل مع كل لاعب بحسب وضعيته، هناك لاعبون أنهوا اليوم موسمهم، هناك من سينهوه بعد أيام، وهناك من سينهي موسمه نهاية شهر ماي، من اللاعبين من سيحصلون على إجازة من 7 أو 8 أيام وسيعودون للتحضير بشكل مبكر للمباراة. - المنتخب: بعد مباراة عنابة عددت من زياراتك لعدد من اللاعبين، بخاصة الذين يمارسون بالبطولات الأوروبية، إلتقيت بهم وتحدثت معهم، كيف تقيم اليوم هذه الزيارات؟ غيرتس: لا بد أنكم لاحظتم بأنني قضيت فترة طويلة في التنقل بين الملاعب هنا بالمغرب، شاهدت الكثير من المباريات، وأحيانا بشكل متواثر، فعلت ذلك بهدف الوقوف عينيا على مؤهلات كل اللاعبين الذين جرى رصدهم، وتعرفون أن الأمر يحتاج إلى معاينة دقيقة ومتنوعة، ما يعني أنني كنت أشاهد لاعبا في مبارتين أو ثلاث مباريات حتى أقيس درجة ثباته على مستوى معين في الأداء، كما أن هناك إستفادة تكتيكية يستطيع أي مدرب أن يخرج بها من مشاهدته لكل مباراة. بعدها كان لا بد أن أتوجه صوب أوروبا، لذلك تنقلت بين فرنسا، بلجيكا، هولندا وزرت ألمانيا أيضا، فقد كنت بحاجة لأن أكون قريبا من اللاعبين، أشعرهم بوجودي لأن ذلك يقويهم معنويا، كنت أتمنى لو أن مروان الشماخ ومنير الحمداوي والحسين خرجة لعبوا لأطول فترة ممكنة مع أنديتهم، لحسن الحظ أن الشماخ بدأ تدريجيا يعود للتنافسية، خرجة أيضا لعب لآخر مرة بشكل جيد والحمداوي يجلس باستمرار على دكة البدلاء. - المنتخب: في ذات السياق، هل يقلقك أن تعاني بعض الثوابت البشرية من نقص في التنافسية (الشماخ، خرجة، الحمداوي) وأن تكون عناصر أخري بصدد إنهاء موسمها بشكل صعب لوجود أنديتها في مراكز متأخرة (حجي، بصير، هرماش، والعرابي)؟ غيرتس: لو كانت لي ثمانية عناصر بذات الوضع الذي يوجد عليه الشماخ أو الحمداوي لقلت بأن الأمر لا يطاق، ولكن دعني أقول لك أن هؤلاء اللاعبين أمامهم فرصة ليقولوا أن مدربيهم أخطأوا في حقهم، في كثير من الحالات تكون هذه المتاعب الرياضية والنفسية حافزا على الظهور بأفضل صورة وسببا في الآخذ بالثأر الرياضي، ثم إن الشماخ وخرجة أظهرا في أكثر من مناسبة أنه بإمكانهما أن يتعايشا مع أوضاع معقدة مثل هاته، ما أتمناه أن لا تحدث إصابات عضلية موجبة للتوقف تماما، كما قلت الموسم كان مضغوطا ومن اللاعبين من يوضع تحت عناية طبية فائقة لتجهيزه لأي مباراة. في كل الحالات مباراة مثل التي سنلعبها أمام الجزائر يوم 4 يونيو تحتاج للاعبين متمرسين مثل خرجة والشماخ وللاعبين يوجودن في طور بناء مستقبل رياضي كبير كما هو الشأن بالنسبة لمهدي بنعطية الذي سيصبح عن قريب قائدا كبيرا لدفاع الفريق الوطني. - المنتخب: مجددا أعود بك إلى الوراء، تحديدا إلى مباراة بوتسوانا الودية التي خاضها الفريق الوطني باللاعبين المحليين مباشرة بعد مباراة عنابة أمام الجزائر، ألم تكن تتمنى أن تلعب هذه المباراة الودية بفريقك الأساسي لو أجريت في تاريخ مدرج في أجندة الفيفا أي الثلاثاء 29 وليس الأربعاء 30 مارس؟ غيرتس: هناك ما هو مفيد وما هو غير مفيد في مثل هذه المباريات، ما هو مفيد أن نلعب مباراة بوتسوانا بنفس المجموعة التي واجهت منتخب الجزائر ونحقق الإستفادة الرياضية، أي أن نعطي اللاعبين فرصة إضافة مباراة أخرى لرصيدهم ولكن ما هو غير مفيد أن تكون للمباراة تأثيرات مباشرة على اللاعبين، الفوز فيها قد يعطل حاسة النقد والخسارة خلالها قد تزيد المعنويات هبوطا وقد كانوا مدعوين بعدها لمواجهات حاسمة ومصيرية مع أنديتهم، كما كان الحال في إيطاليا، ثم إن المباراة لم تدرج في تاريخ دولي، وهنا أنبه إلى أنك الصحفي الوحيد الذي فطن للأمر، غيرك لم ينتبه وبدأ في استصدار أحكام قيمة وأحكام نهائية مع أن المنطلق خاطئ. لقد لعبنا يوم الأحد 27 مارس، ولكي نستفيد من التواريخ المحددة سلفا من الفيفا كان يجب أن ننازل بوتسوانا يوم الثلاثاء 29 مارس، أي يومين بعد مباراة الجزائر، والأمر كان مستحيلا علينا وعلى بوتسوانا، لذلك أخذت قرارا بإشراك اللاعبين الذين يمارسون بالبطولة الوطنية، حتى لا نصطدم بالأندية الأوروبية ونبقي علاقاتنا معها جيدة تحسبا لطوارئ مستقبلية، وأؤكد لك أن التجربة كانت مفيدة للغاية، لقد إجتمع اللاعبون فيما بينهم، وكل قدم نفسه بالطريقة التي تناسبه وأنا سجلت كل الإشارات، وأستطيع القول أن الخيار في النهاية كان منطقيا.