ما كان البلجيكي إيريك غيرتس يتمنى أن يخسر أول مباراة رسمية يتولى فعليا قيادة الفريق الوطني خلالها، ولا كان يتصور برغم كل الذي تناهى على علمه أن تأتي مباراة الجزائر والمغرب بالصورة التي جاءت بها، ولا أن يكون حكمها بتلك البداءة في القفز على القانون لترجيح كفة محاربي الصحراء بإهدائهم ضربة جزاء غير قانونية. ولكن ما من شيء يقول بأن لا مسؤولية له فيها حدث، في الخروج بصفر نقطة من مباراة لو جرى تدبيرها على نحو آخر لكانت المحصلة غير ذلك، وفي التعامل السطحي مع تقلبات وتضاريس المباراة وأيضا في إحداث ردات الفعل التي تتناسب مع حجم المباراة. مسؤولية غيرتس هي في إختياراته، في أسلوب تدبيره، في قيادته للمباراة وأيضا في التعامل مع الطوارئ وكثيرها كان منتظرا بما فيها تحيز حكم المباراة بارساد للمنتخب الجزائري. كان من الممكن أن نقول بأن ضربة الجزاء المشكوك جدا جدا في مشروعيتها هي من قبيل الضارة النافعة، فقد أعطت سبقا للاعبي الجزائر في وقت مبكر عوض أن يحررهم، إستعبدهم دفاعيا، بل وأصابهم على طول وعرض المباراة بما يشبه الفزع فركنوا في منطقتهم، أقاموا المتاريس والجدارات وعجزوا عن تركيب جمل تكتيكية، بدليل أن لمياغري لم يختبر حقيقة منذ هدف يبدة من ضربة جزاء، وقد كان ممكنا لو كان للفريق الوطني شخصية قوية تنعكس ذهنيا وتقنيا على الأداء الجماعي أن يصل الفريق الوطني إلى مرمى مبولحي مرة ومرتين. مسؤولية غيرتس في أنه لم يوجد للاعبيه الحلول الناجعة لفك الشفرة الدفاعية الجزائرية، حتى أنه قال في ندوته الصحفية بعد المباراة أنه لم يفهم لماذا باشر اللاعبون تمرير الكرات في العمق؟ مع أنه يفهم جيدا أن أي فريق عندما لا يجد حلولا عملية لإشكالات تكتيكية، عندما يختنق الوسط ولا تتحرر الأظهرة، عندما يكون كل لاعب يطلب الكرة أو يحصل عليها مراقبا من ثلاثة لاعبين جزائريين، فإنه يلجأ تحت الإكراه وليس عن عمد وقصد إلى خيار الكرات الساقطة بحثا عن رأس مروان الشماخ الذي ظهر معزولا في الجبهة الأمامية. مسؤولية غيرتس في أنه إلى الآن لم يضع بصمته على الفريق الوطني وهذا أمر نبهنا إليه، فغيرتس تحول لتوه من مدرب للنادي إلى مدرب منتخب، وهذا التحول يحتاج إلى ثورة ذهنية وفكرية، إذ مع الأندية يكون هامش الخطأ كبيرا لوجود مباريات للتعويض، أما مع المنتخبات فهذا الهامش يتقلص، بدليل أن هزيمتنا بعنابة عقدت نسبيا الأمور وجعلت تأهلنا صعبا ويحتاج لمجهود خرافي خلال آخر ثلاث مباريات، فما عاد هناك مجال للخطأ. مسؤولية غيرتس الأخرى هي التي ستبدأ من اليوم عندما يجلس إلى نفسه ليقرأ بإمعان وبتمعن ما حدث بعنابة ويلقي بشجاعة كاملة اللوم على نفسه قبل أن يلقى به على لاعبيه أو على الظروف.. فاللاعبون هو من إختارهم وفق ضوابط وقناعات والظروف هو من كان عليه أن يحد منها ومن ثم يحضر نفسه لمواجهتها. مسؤولية غيرتس أصبحت اليوم جسيمة، فإما أن يجعلنا عن قريب نثق بقدرته على أن يصنع لنا فريقا وطنيا قويا بأن يبحث له عن أظهرة دفاعية وأخرى هجومية، وبأن يبحث له عن أسلوب لعب يتطابق مع إمكانياته ويرفعه لمستويات عالية، ولا يكون بالهشاشة التكتيكية التي كان عليها أمام الجزائر، وإما يجعلنا نثق بعجزه الكامل عن مطابقتنا مع إمكانياتنا ويكون من الأريح لنا وله أن ننفصل. بالقطع نعرف أن عملية إعادة البناء تحتاج إلى الوقت والصبر، الوقت لأن أي منتخب وطني لا يبنى بين عشية وضحاها، والصبر لأن إعادة البناء تمر من عقبات ومن مطبات ومن مراحل فراغ لا يمكن الإستسلام لها. ولغيرتس نقول في جملة واحدة.. إما أن تكون أو لا تكون..