ما كان يجب أن يمر علينا اللقاء الودي الذي خاضه منتخبنا النسوي بإسبانيا أمام سيدات لاروخا، من دون أن يستوقفنا للحظات لنقرأ السياقات والأبعاد، وعلى الخصوص رهانات المرحلة، وقد قدمت الجامعة من خلال رئيسها السيد فوزي لقجع، تعهدات كبيرة من أجل الإشتغال في العمق على كرة القدم النسوية، على قاعدة هرمها تحديدا، لإفراز منتخبات وطنية تستطيع في محيطها القاري أن ترفع التحديات، وأولها بالطبع أن تصبح كرة القدم النسوية بالمغرب علامة تميز أفريقي في المشهد الكروي النسوي العالمي. حرصت على متابعة هذا المحك الودي الذي وضع لبؤات الأطلس في مواجهة منتخب سيدات إسبانيا، وقد مثل بالفعل للبؤات فرصة لمحاكاة منتخب يجر من ورائه تاريخا طويلا من التمرس ومن التألق عالميا، وعدا كل ما مثله اللقاء المبرمج مع واحدة من القوى الحية في مشهد الكرة النسوية العالمية من تجسيد للتعاطي الإحترافي مع كرة القدم النسوية، وبخاصة مع منتخباتها الوطنية، في إطار الدينامية الجديدة التي أطلقتها الجامعة للنهوض بكرة قدم نون النسوة، فإن المباراة مثلت للناخب الوطني فرصة ولا أجمل، من أجل وضع اللبؤات في إطار تنافسي عال جدا، إذ يكفي أن ننظر إلى تصنيف المنتخب الإسباني في ترتيب الفيفا (العاشر عالميا)، لنتأكد من أن لبؤاتنا اللواتي يوجدن في المرتبة 81 عالميا وضعن في محك قوي للتعبير عن ذواتهن على كافة المستويات البدنية والتقنية والتكتيكية. ولو نحن جردنا المباراة من نتيجتها الطبيعة والمنطقية، لوجود فوارق بنيوية وهيكلية وممارساتية، وقد انتهت بفوز سيدات لاروخا بثلاثية نظيفة، لوقفنا على حقيقة أن منتخبنا النسوي قارع سيدات لاروخا تكتيكيا بشكل جيد، ولولا الأخطاء المرتكبة على المستوى الفردي والجماعي في التغطية وفي بناء العمق الدفاعي، لما كانت خسارة اللبؤات بتلك الحصة التي لا يجب أن نخجل منها، وقد كانت المباراة في حد ذاتها حقلا تجريبيا، وقف من خلاله الناخب الوطني على ما يجب تسريع وثيرة العمل فيه، إن على مستوى التنشيط التكتيكي الهجومي، وإن على مستوى صيانة العمق الدفاعي من كل شطط أو زلل. بالطبع لا يجب أن نخجل مما شاهدناه، ولا حتى من الخسارة بثلاثية نظيفة، ما دام أن الحقيقة الأولى التي كشفت عنها ودية إسبانيا، هي أن الفوارق الكبيرة الموجودة اليوم بين الكرة النسوية بإسبانيا ونظيرتها في المغرب، مصدرها التباعد التاريخي في مرحلة البناء، فمنتخبنا الوطني الحالي هو إفراز لمشهد كروي نسوي انطلق العمل ببنائه وتقويمه منذ سنة فقط، بإحلال بطولة احترافية وبإطلاق بطولات الفئات الصغرى، وبجلب الخبرات الدولية الوازنة لتأطير هذه المنتخبات، ما يعني أننا في سباق شرس مع الزمن، لتذويب الفارق المهول الذي يباعد بيننا وبين كرة القدم النسوية ذات المستوى العالي، بل نحن نقاتل من أجل تذويب الهوة بيننا وبين بعض المنتخبات الإفريقية، ولا أمل في إنجاح هذا الرهان الصعب إن نحن ركنا في تأسيس الإنطلاقة الفعلية لكرة القدم النسوية على الجامعة فقط، وأبقت الأندية نفسها خارج هذا السباق الملحمي والوطني، سباق الغاية منه وضع كرة القدم النسوية المغربية في صلب الدينامية العالمية، وقد غدت الفيفا أكبر مراهن على مساواة كأس العالم للسيدات مع كأس العالم للرجال، في القيمة التقنية، وفي التحفيزات المالية، وفي الجاذبية الجماهيرية. ومع الطموح الكبير للمنتخب النسوي المغربي في التقدم مراتب على مستوى التصنيف العالمي، لتجاوز مرتبته الثامنة إفريقيا، فإن كأس إفريقيا للأمم النسوية في نسختها الرابعة عشرة والتي سيستضيفها المغرب شهر يوليوز القادم، ستكون رهانا تاريخيا للبؤات، أولا لضمان مقعد مؤهل لكأس العالم التي ستقام سنة 2023 بأستراليا ونيوزيلاندا، وثانيا للتموقع ضمن كبار القارة (نيجيريا، الكاميرون، جنوب إفريقيا وغانا)، وثالثا وهذا هو الأهم، للتدليل على أننا تقدمنا خطوات عملاقة في ورش البناء، من أجل صناعة حاضر ومستقبل لكرة القدم النسوية، تنتفي فيهما عبارات التشكي من وجود تمييز في معاملة كرة القدم بنون النسوة، في بلد قطع مسافات في إحلال المساواة الفعلية بين الجنسين.