لم يكن متاحا للكثيرين، وكنت بينهم لغاية الأسف، مشاهدة إتحاد الخميسات وهو يستنجد بكامل الشجاعة لإسقاط خصم من عيار مازيمبي من الكونغو الديمقراطية ويحقق ما كنا نظنه معجزة قبل أن يكون حلما ببلوغ دور المجموعات· فقد حجب السيد محمد الكرتيلي رئيس فارس زمور المباراة عن القنوات التلفزية، إمعانا في طلب القصاص من قناة "الرياضية"، التي قال في ندوة صحفية عقدت بالخميسات علنا بعد أن صرح بذلك تلميحا في الجمع العام للجامعة أنها مارست على شخصه الإرهاب وذبحته إعلاميا، وقد يكون مثيرا لجدل عقيم أن نعود لنطرح ذات السؤال، هل فعلا ذبحت "الرياضية" الكرتيلي إعلاميا؟ لا أرى برغم غزارة الأعذار ووفرة الأسباب لهذا الذي أتى به السيد الكرتيلي وهو برأيي سابقة في صورة بدعة، أن هناك ما هو أقوى من شعور رجل زمور بلدغة موجبة لرفع الصوت تشهيرا بذبحة إعلامية، لذلك أسأل·· هل كان الكرتيلي محقا في الذي فعله؟ هل كان مسؤولا في الذي فعله؟ وهل نستطيع أن نضع جرحه الغائر كشخص قبل أن يكون كرئيس لإتحاد الخميسات في كفة، ونضع حق المغاربة الكامل في أن يتفرجوا على سفيرهم الوحيد في عصبة الأبطال الأفارقة في كفة ثانية؟ كنت أتمنى لو أن الكرتيلي فكر في لي الذراع بطريقة أخرى، بأسلوب مختلف، لا نشعر معه كمغاربة وكزموريين لم تسفعهم ظروفهم بحضور المباراة بملعب 18 نونبر بأنه ضحى بنا من أجل أن يثأر لنفسه، من أجل أن ينتصر لكرامته ومن أجل أن يرد لخصم >متخيل< الصاع صاعين·· لا أستطيع مع كل الذي أعترف للكرتيلي بأنه أعطاه وما يعطيه لفريقه إتحاد الخميسات، أن أستصيغ هذا الذي فكر فيه وأنجزه، فقد كنت أتمنى صادقا لو أنه ربطه بفكر تسويقي جديد، أو أنه ربطه بحالة يجب أن تدرس بعمق وتتخذ فيه قرارات، ولكن كما قلت ما فعل الكرتيلي هذا الذي فعله، إلا انتقاما من حالة عابرة، من جرح عارض هناك ألف طريقة، لمداواته، عوض أن يقع الإختيار على طريقة هي في صورة >العذر أقبح من الزلة<·· وقد أصر الكرتيلي على أن تظل المباراة وهي تاريخية في حياة فريق إتحاد الخميسات خارج التوثيق، نقف جميعا متحسرين على أن فارس زمور قدم ما هو بالفعل فوق طاقته، فقد واجه وهو يدخل لأول مرة عصبة أبطال إفريقية لها طقوسها ولها تقاليدها، نجح في عبور جسر صعب، هو جسر أشانطي كوتوكو الغاني، وأخفق في عبور حاجز مازيمبي الكونغولي·· ولا يسأل لاعبون حققوا إنجازا كبيرا الموسم الماضي بتحقيقهم لقب وصيف البطل، ما أتاح لهم فرصة الإطلالة لأول مرة على عصبة أبطال إفريقيا·· لا يسأل اللاعبون فقد أُعْطوا في واقع الأمر أسلحة تقليدية وبسيطة لا تجدي نفعا في معارك كروية ضارية، على أمل أن يجدوا ذات الشجاعة للذهاب إلى ما هو أبعد في كأس الكاف· --------------------- وهل نستطيع مع حسرتنا على خروج إتحاد الخميسات وخلو عصبة الأبطال المنافسة الإفريقية الأكثر إشعاعا من أي ناد مغربي ، أن لا نقف عند المفاجأة المدوية التي أحدثها إقصاء الأهلي المصري من دور السدس عشر أمام كانو بيلارس النيجيري الذي يطل حديثا على أم المنافسات الإفريقية· ضربا لكل توقع وتكريسا لمنطق كرة القدم المختلف ودع الأهلي المصري، فريق القرن المتوج ست مرات بطلا لأبطال إفريقيا، عصبة الأبطال الإفريقية من بابها الصغير، ما يشعل اليوم نقاشا كرويا ساخنا في الأروقة والمنتديات المصرية· البعض سيراه نهاية لدورة زمنية كان فيها الأهلي منافسا لنفسه ولذاته، يراكم البطولات والألقاب، ويرى نفسه في صورة الفريق الذي لا يقهر·· والبعض الآخر سيراه نهاية حتمية للمدرب البرتغالي مانويل جوزيه، الذي ركب أجنحة أسطورية في السنوات التي أشرف فيها على تدريب الأهلي وطار فوق النقد والعتاب وحتى الشك في قدراته· وإذا ما كنت أرى شخصيا أن ما حدث للأهلي أمر طبيعي، يستوجب حوارا متأنيا ومسؤولا مع الذات في محاولة لترتيب دورة زمنية أخرى بمقاييس فنية جديدة وبتدبير إداري مختلف، فإنني أقرأ هذا الذي وقع للأهلي المصري، ما كان يلزم أن نقرأه في مسيرة الرجاء والوداد والجيش، أنديتنا الثلاثة التي تتناوب بمرجعيتها في بناء الشخصية الكروية المغربية مع تفاوتات يحفظها التاريخ· كان من الضروري أن نعترف أن في حياة الأندية الكبيرة بتاريخها وبتقاليدها وتراكماتها، مراحل فراغ إن لم توضع بمنتهى الأمانة في سياقها الزمني وفي منظومتها الكروية، فتحت فوهات بركان أحالت كل شيء إلى حرائق· كثير من ذلك وقع للوداد، للرجاء وللجيش وتمت التضحية علنا بصناع النجاح، فما عاد يلوح في الأفق غير الفشل والسقوط·