3. في عصر بني مرين [655ه/1255م- نهاية القرن 8 الهجري/14 الميلادي] ينتمي المرينيون إلى قبائل زناتة ولم يكونوا في القرن (السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي)، سوى بدو رحل يتنقلون بالمغرب الشرقي ما بين ملوية شمالا، وسجلماسة جنوبا في محاولة ربما لبسط سيطرتهم على مسالك التجارة الصحراوية. "نزحت أواخر القرن الخامس من موطنها الأول ببلاد الزاب بإفريقية بعد دخول القبائل العربية الهلالية وتحت تأثير مدها المباشر. ويبدو أن هذه القبائل المرينية النازحة قد اتجهت في مرحلة أولى صوب تلال الشمال الغربي للمغرب الأوسط فدخلت في صراع مستمر دائر مع قبائل زناتية من بطن بني وادين، ثم أقصيت في مرحلة ثانية إلى القفر جنوب هذه المنطقة غداة دخول عبد المومن بن علي الموحدي مدينة تلمسان (سنة 539 هجرية / 1145 ميلادية) وتسخيره ضدهم لبقية القبائل الزناتية المنافسة ومن بينهم بنو عبد الواد"[1]. وقد انتهزوا ظروف تدهور الدولة الموحدية لفرض ثقلهم الاجتماعي والسياسي، فسيطروا على فاس (سنة 650 هجرية / 1251 ميلادية) ثم بعد ذلك على كل شمال المغرب. وكانت الإستراتيجية السياسية المرينية تعتمد على قطع الطريق على إمدادات الموحدين من الموارد الأولية وذلك بالسيطرة على مراكز التجارية الأساسية وعلى سجلماسة بشكل خاص. هذه الأخيرة كان يحكمها عامل الخليفة الموحدي المرتضى، أبو محمد عبد الحق العنفسي الملقب بابن أزكو الذي "كان كثير الثقة بأحد أتباعه المسمى القطراني الذي أقال ابن أزكو وأعلن استقلاله بسجلماسة ومع فشله في تحقيق هدفه هذا بوسائله الذاتية استنجد بالمرينيين (سنة 655 هجرية / 1256 ميلادية)"[2]. وقد استغل الزعيم المريني أبو يحيى بن عبد الحق هذه الفرصة الذهبية، فقاد حملة سريعة ضد المدينة فاحتلها في نفس السنة وعين ابنه أبا حديد مفتاح حاكما عليها. إلا أن سياسية هذا الأخير لم ترض السجلماسيين الذين رفضوه، وطلبوا تدخل يغمراسن حاكم تلمسان. وحسب مؤلف القرطاس فإن يغمراسن حاصر المدينة "من جهة الباب المسماة باب تاخنوست، مما أدى إلى اندلاع حرب كبيرة بين المرينيين وبني عبد الواد والتي انهزم فيها يغمراسن، وقواته فرجعوا إلى تلمسان مما سمح لأبي يحيى بالسيطرة على سجلماسة ودرعة فأعاد إليها الأمن وعين أبا بكر بن يزكاسن عاملا عليها يساعده أبا يحيى القطراني كقائد للجيش وعبد السلام الأوربي في جباية الضرائب"[3]. إلا أن القطراني لم يتأخر في الإعلان عن استقلاله بالمدينة من (جديد سنة 658 هجرية / 1259 ميلادية) رافضا بذلك الحكم المريني ومعترفا بالمقابل بالمرتضى أخر خلفاء الموحدين والذي بعث على الفور القاضي أبا عمر وبعض الجنود الذين قتلوا القطراني وعينوا مكانه علي بن عمر. وهكذا أصبحت سجلماسة تابعة من جديد لحكم الموحدين على الأقل لمدة ثلاث سنوات. ففي (سنة 659 للهجرة / 1260 للميلاد) حاول السلطان المريني أبو يوسف يعقوب استرجاع المدينة، دون نتيجة. وفي (سنة 660 هجرية / 1261 ميلادية) "تحكم عرب المنبات في سجلماسة لأنها كانت في مجالاتهم ومنقلب رحلتهم"[4]، وعملت هذه القبائل المعقلية المتحالفة مع بني عبد الواد والتي استفادت من موت الحاكم الموحدي على إقناع سكان سجلماسة على مبايعة حكام تلمسان الزيانيين. فاستغل يغمراسن الفرصة فقام بالسيطرة على المدينة وعين ابنه يحيى يغمراسن عاملا عليها يساعده القاضي عبد المالك بن حنيفة ومحتسب. وظلت سجلماسة تحت حكم الزيانيين إلى غاية (672 للهجرة / 1273 للميلاد). في هذه الفترة وبالضبط (سنة 664 هجرية / 1265 ميلادية) وصل إلى المدينة الجد الأول للشرفاء العلويين مولاي الحسن بن القاسم الملقب بالداخل قادما من ينبوع النخيل بالجزيرة العربية رفقة جماعة من الحجاج السجلماسيين برئاسة الشيخ أبي إبراهيم العمراوي. وفي (سنة 672 هجرية / 1273 ميلادية) تدخل المرينيون لاسترجاع سجلماسة من جديد بعد أن سيطروا على مراكش، العاصمة الموحدية (سنة 668 هجرية / 1269 ميلادية). ---------------------------------- 1. القبلي محمد، "بنو مرين"، معلمة المغرب. المجلد الخامس، ص: 1561. 2. Alaoui (Abdelaziz El): Le Maghreb et le commerce transsaharien (milieu du XI° - milieu du XIV°S): Contribution à l'histoire économique, sociale et politique du Maroc Médiéval. Université Bordeaux III, Thèse de 3°cycle en Etudes Arabes et Islamiques 1983. 8 cartes dans le texte, 443 feuilles dactylographiées)p: 385. 3. ابن أبي زرع علي، المصدر السابق، ص: 296. 4. ابن خلدون، عبد الرحمن، المصدر السابق، الجزء السابع، ص: 77.