2. تعريف المذهب المالكي أ. تعريف المذهب من الناحية اللغوية جاء في وضع اللسان[1]، مصدر ميمي، يطلق على الطريق، يقال: ذهب فلان مذهبا حسنا، أي طريقة حسنة، ويطلق كذلك على مكان الذهاب. ب. تعريف المذهب من الناحية الاصطلاحية اختلفت عبارات الفقهاء في تحديد مفهوم المذهب إلى عدة أقوال. يطلق المذهب في الاصطلاح عند الفقهاء على: "حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية"[2]. وعرفه النفراوي بأنه: "ما ذهب إليه الإمام من الأحكام معتمدة كانت أو لا"[3]. وقال الدردير في تعريفه للمذهب: "ما ذهب إليه من الأحكام الاجتهادية أي التي بذل وسعه في تحصيلها"[4]. وزاد القرافي هذا التعريف توضيحا بقوله: "ما اختص به من أسباب الأحكام، والشروط، والموانع، والحجاج المثبتة لها"[5]. وعليه فالمذهب المالكي هو: ما ذهب إليه الإمام مالك دون تلامذته ودون فقهاء المذهب، من الأحكام الاجتهادية الفروعية. وهذه التعاريف اقتصرت في تعريفها للمذهب على أقوال الإمام مالك فقط، دون أصحابه وتلامذته وفقهاء المذهب، رغم ما قدموه من خدمات جليلة وأعمال عظيمة، ومساهمات كبيرة، كان لها الأثر البالغ في تشييد أركان المذهب وبناء صرحه وتقعيد أصوله وقواعده ودوام استمراره. وعلى هذا الأساس حاول بعض فقهاء المذهب تجاوز تلك الملاحظة، وذلك بإعادة صياغة تعريف للمذهب، يدخل فيه أقوال أصحاب مالك وتلامذته وفقهاء المذهب الذين جاؤوا بعده. يقول العدوي في تعريفه للمذهب المالكي: "ما قاله هو وأصحابه على طريقته، ونسب إليه مذهبا؛ لكونه يجري على قواعده وأصله الذي بنى عليه مذهبه، وليس المراد ما ذهب إليه وحده دون غيره من أهل مذهبه"[6]. ومن المعلوم أن العديد من فقهاء المذهب خالف مالكا في العديد من الفروع والمسائل الفقهية، مما يجعل المذهب مرتعا لتضارب الأقوال واستفحال الخلاف، وهذا ما جعل المتأخرين من أئمة المذهب يحصرون تعريف المذهب في: "ما به الفتوى، من إطلاق الشيء على جزئه الأهم، كالحج عرفة؛ لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه المقلد"[7]. وقد استقر تعريف المذهب على ما به الفتوى، وهذا هو التعريف المشهور المعتمد من لدن أئمة المذهب المتأخرين. يتبع في العدد المقبل.. ---------------------------------- 1. لسان العرب، مادة "ذهب"، 1/459. والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، 1/197، القاموس المحيط، مادة "ذهب"، 114. تاج العروس مادة "ذهب"، 2/275-276. 2. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، 1/24. 3. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لأحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي الأزهري، تحقيق: عبد الوارث محمد علي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط:1، 1418ه/1997م، ص: 1/41. 4. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لشمس الدين محمد عرفة الدسوقي على الشرح الكبير لأبي البركات أحمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للشيخ محمد عليش، دار إحياء الكتب العربية، بدون ط، ت، 1/19. 5. الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت لبنان، ط:2، 1416ه/1995م، ص: 195. 6. حاشية الشيخ علي العدوي على الخرشي بهامش الخرشي على خليل، المطبعة الخيرية، ط:1، سنة 1307ه، 1/35. 7. مواهب الجليل، 1/24، وحاشية العدوي على الخرشي، 1/3435، والفواكه الدواني، 1/41.