لعل من أبرز ميزات الفكر المقاصدي، كونه فكراً كليا يأبى الانحسار في ظواهر الأدلة الجزئية، دون وصلها مع الأدلة الكلية، في حرص على المواءمة باتساق ووظيفية، بين الدليل الكلي أو الأصلي، والدليل الجزئي أو الفرعي، بحيث لا يصح تصور الأدلة الشرعية، إلا من خلال انبنائها على مقدمتين: إحداهما: نقلية، تثبت بالنقل عن الشارع نقلا صحيحا؛ والثانية: نظرية، تثبت بالنظر والاستدلال. الأولى ترجع إلى نفس الحكم الشرعي. والثانية ترجع إلى تحقيق مناط الحكم، في تجاوز واضح للمقاربة المقتصرة على طلب المعاني من الألفاظ، وسعي أصيل إلى الانطلاق من إدراك كون علم الشريعة علما برهانيا، مبنيا على القطع المناقض للظن. وهو القطع الذي يوازي في النقليات، اليقينَ في العقليات. وكما أن الكليات العقلية تؤسسها مبادئ العقل؛ لأنها مفاهيم؛ فإن الكليات الشرعية يؤسسها "قصد الشارع"؛ لأنها غايات، وبيان ذلك أن الشارع لم يكلف الناس بما كلفهم به من واجبات في العبادات والمعاملات، من دون مقاصد معينة، كما أنه ما من حكم جزئي من أحكام الشريعة، إلا وهو يحمل معه معنى الكلي، أي قصد الشارع منه. ولذلك فكل جزئيات الشريعة تنتظمها كليات مقاصدية.. ولا يخفى أن الاستفادة من تراثنا الفقهي، رغم ما يمثله من قيمة علمية استثنائية، لا يُتصوَّر حصولها، إلا بتجلية وجرد ما يكنّه هذا التراث المبارك في بنيته من أعراف تغيرت، ومصالح تبدلت، وأوضاع وظروف وسياقات اندرست، للتمكن من النظر الاجتهادي المستأنف المستجيب لواجب التجديد، من خلال التفاعل الإيجابي المتشرّع، مع التحولات النوعية التي طبعت عالمنا المعاصر، على مستوى علاقاته الاقتصادية والمالية، والتكنولوجية، والاجتماعية، والسياسية.. وأنظمته المؤسساتية، والقانونية، والمعلوماتية، والثقافية، والمعيارية.. ولا شك أن المبحث المقاصدي إذا تم تنقيحه وتفعيله، يعد من أهم وأنجع آليات تجديد منظومتنا الفقهية والقانونية الفذّة، ردما للهوة التي ما فتئت تتعمق بين نص رباني مطلق، وواقع شديد التغير والتركيب.. وهو ما يستدعي إيجاد حلول فقهية تتساوق مع ما تم بناؤه في فقهنا ومختلف مسائله وقضاياه ومقاصده، قصد تفعيل كل ذلك التفعيل الشامل المستوعب برشادة لكليات الدين الهادية، وكليات الحياة النابضة. ما هي أهم الجهود التي بذلتها الأمة في الكشف عن مقاصد الشريعة؟ وهل يمكن الحديث عن نظرية واحدة في مقاصد الشريعة أم أن هناك نظريات متعددة تختلف من حيث البناء النظري والمنهاجي؟ وأي دور للمقاصد الشرعية في استنباط الأحكام الشرعية وحسن تنزيلها؟ وما هي المداخل الأساسية لوصل عملية الاستنباط بمقاصد الشريعة؟ وما هي مسارات تفعيل مقاصد الشريعة في العلوم الإسلامية؟ وما هي ضوابط اعتبار المقاصد في محال الاجتهاد وأثرها العملي؟ وأين تتجلى فاعلية الميزان التراتبي لأصناف المقاصد؟ وما هي حدود أدائها التشريعي، في ظل الوضعية الراهنة لمباحث مقاصد الشريعة؟ ثم كيف يمكّننا البحث المقاصدي من إفادة الواقع، وتوجيه الاجتهاد الجماعي والمؤسساتي، في ظل التكتلات العلمية والمذهبية المعاصرة؟ وما هي أولويات البحث المقاصدي في ظل الوعي بالحاضر واستشراف المستقبل؟ وكيف يمكن أن تشكل مقاصد الشريعة إطارا للبحث في العلوم الاجتماعية والقانونية والإنسانية؟ وكيف يمكن لمقاصد الشريعة توجيه المعارف والخبرات البشرية ومسايرة تطوراتها؟ وما هي خصائص الوعي المقاصدي الذي نحتاجه اليوم؟ وما هي علاقة المقاصد بنظرية المعرفة وسؤال المنهج؟ وما هي الأدوات والشروط المطلوبة لتمكين نظرية المقاصد من الإعمال الأمثل؟ وهل تؤدي مباحث مقاصد الشريعة في صيغتها الحالية الوظائف سالفة الذكر؟ والله المستعان. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء