وقال جلالة الملك محمد السادس في رسالة وجهها إلى الاحتفال الذي أقيم صباح اليوم في المقر الدائم للإيسيسكو بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيسها: (إننا نسجل، بكل تقدير، الإنجازات الهامة التي حققتها المنظمة خلال العقود الثلاثة الماضية، بفضل الخطط والاستراتيجيات التي اعتمدتها، لتطوير مناهج التربية والتعليم في البلاد الإسلامية، ومواكبة المستجدات العلمية وتشجيع البحث العلمي والنهوض بالثقافة الإسلامية، فضلا ً عن إسهامها الفاعل في حوار الثقافات وتحالف الحضارات وقبول الآخر، والتربية على مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة المسؤولة وإشاعة قيم الشورى والتعددية). وأشاد جلالة الملك محمد السادس بما تقوم به الإيسيسكو كفضاء للتفكير وتبادل الآراء والخبرات يجمع عددًا من المفكرين والأكاديميين والشخصيات الإسلامية والدولية المرموقة في مجال تخصصها، بالإضافة إلى توفير الدعم المالي والتقني والأكاديمي للدول الأعضاء وللأقليات والجاليات الإسلامية وتقديم منح دراسية لطلبة هذه الدول. وقال جلالة الملك محمد السادس في رسالته التي قرأها السيد عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية في الحفل الذي حضره عدد من الوزراء والسفراء وشخصيات سياسية وعلمية وأكاديمية وثقافية وإعلامية: (بفضل هذا العمل المنظم والتخطيط المحكم، أصبحت الإيسيسكو اليوم، إحدى المنظمات الإقليمية المتخصصة الأكثر إشعاعًا ونجاحًا في النهوض برسالتها الحضارية والمشهود لها بالمصداقية وبالحضور الفاعل في الساحة الدولية، وذلك في إطار من التعاون والشراكة مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة). وأعرب جلالة الملك محمد السادس عن تقديره للمدير العام للإيسيسكو، وقال: (نودّ التعبير عن عمق تقديرنا لمعالي الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، لما يبذله من جهود مخلصة على رأس الإدارة العامة للمنظمة، بما هو مشهود له به من غيرة إسلامية صادقة، ومن كفاءة واقتدار وحكمة وحنكة وبُعد نظر، في سبيل الارتقاء بهذه المؤسسة إلى أعلى المستويات، والدفع قدمًا بالعمل الإسلامي المشترك في نطاق اختصاصها). وأكد جلالة الملك محمد السادس في رسالته دعم المملكة المغربية الموصول للإيسيسكو، مثمنًا مساهمات جميع الدول الأعضاء في بلورة وتجسيد خططها واستراتيجياتها على أرض الواقع، ودعا إلى المزيد من التضامن والتنسيق والتعاون بين بلدان العالم الإسلامي في مجالات التربية والتكوين، والعلوم والتقنيات الحديثة للاتصال والتنمية المستدامة، لتأهيل الأجيال الصاعدة والمقبلة للانخراط في الحضارة الكونية، واثقة في نفسها معتزة بهويتها العريقة، ومساهمة في ترسيخ قيمها الخالدة، وتحصينها من التطرف والفراغ الروحي، ومن السقوط في التبعية والاستلاب. ومضى جلالة الملك محمد السادس قائلا ً في رسالته: (في عالم مطبوع بتسارع التحولات وتواتر الأزمات، وباهتزاز المرجعيات مع ما يترتب على ذلك من تزايد نزوعات التعصب والتطرف والانغلاق؛ فإن الدوافع التي كانت وراء إنشاء منظمة الإيسيسكو، أصبحت اليوم أكثر راهنية، ولا سيما ما يتعلق منها بتحصين الشخصية الإسلامية وثقافتها، والحفاظ على هويتها، في إطار الانفتاح على العصر، والانخراط في مجتمع المعرفة والاتصال). وأكد أن التربية لم تعد اليوم شأنًا منحصرًا في دور الأسرة والمدرسة والمجتمع، بل أصبحت لها فضاءات جديدة وموازية، تتيحها الثورة التكنولوجية والرقمية التي يشهدها العالم. وقال بهذا الخصوص: (إن أمتنا مطالبة، دولا ً ومجتمعات ومنظمات، بالاعتماد على مؤهلاتها وقدراتها الذاتية، وانتهاج سياسة التضامن الفعال والصادق لرفع التحدي المصيري لردم الهوة الرقمية بين الدول الإسلامية والبلدان المتقدمة، وبالتالي كسب رهانات العلم والابتكار الذي يفتح آفاقًا رحبة لتحقيق التنمية في جميع المجالات، باعتبارها أسبقية ملحة لشعوبنا، خاصة وأنها أصبحت وثيقة الارتباط بالميدان الرقمي). كما أكد جلالة الملك محمد السادس على ضرورة تنمية الإنسان وجعلها في صدارة الأولويات التي يتعين على المجتمعات الإسلامية النهوض بها. وقال إن الإيسيسكو مدعوة لتقديم مساهماتها في بلورة نموذج تربوي حضاري، يساير العصر وينهل من الرصيد الغني لعلماء أمتنا ومفكريها الأفذاذ، ومن القيم الإسلامية الحقة، القائمة على الحوار والوئام والتسامح والسلام، والتي شكلت على مر العصور معينًا لا ينضب استمدت منه مختلف الحضارات الإنسانية. وقال إن هذا يقتضي العمل على إيجاد أنجع السبل والآليات للارتقاء بالعلوم والثقافة ورجالاتها في بلداننا الإسلامية، للنهوض بدورها المحوري، كقاطرة مجتمعية فاعلة في تحقيق النمو والتقدم وترسيخ الديمقراطية. ودعا جلالة الملك محمد السادس إلى تكثيف الجهود الجماعية ومواصلة دعم منظمة الإيسيسكو في هذا المجال، ومدّها بكل الإمكانات والوسائل اللازمة لتحقيق أهدافها النبيلة. واستطردت الرسالة الملكية قائلة: (إننا لواثقون بأن هذه المنظمة العتيدة التي اعتبرها والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، بمثابة ضمير الأمة الإسلامية، ستساهم بفضل دعم الدول الأعضاء، بعملها الجاد في تحقيق التنمية البشرية الشاملة والمستدامة، وتجسيد التضامن الإسلامي على أرض الواقع، والتعاون على البر والتقوى والعمل الصالح). وقال جلالة جلالة الملك محمد السادس: (إذا كانت منظمة الإيسيسكو تعمل جاهدة على النهوض بالتربية والعلوم والثقافة بدول العالم الإسلامي؛ فإننا نودّ الإشادة أيضًا، بمساهمتها الفعالة في الدفاع عن مدينة القدس والحفاظ على هويتها الروحية والثقافية وصيانة معالمها الحضارية والأثرية، سواء من خلال فضح الاتهامات الإسرائيلية السافرة للمقدسات الدينية بها، وتماديها في تدمير المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية الفلسطينية بهذه المدينة السليبة، أو من خلال جهودها لتسجيل المواقع الأثرية والطبيعية الفلسطينية بها في قائمة التراث الإنساني العالمي). وقال جلالة الملك محمد السادس في ختام رسالته: (إن تخليد الذكرى الثلاثين لتأسيس منظمة الإيسيسكو ينبغي أن يشكل لحظة قوية لاستشراف المستقبل أكثر مما هو التفاتة إلى منجزات الماضي. ومن ثم فإننا واثقون من أن هذا الملتقى بما يتوافر له من فعاليات فكرية مرموقة، ومشاركة وازنة لأعضاء المنظمة من شعوبنا الشقيقة، سيتمكن من بلورة نظرة مستقبلية بناءة وواعدة لعمل هذه المنظمة العتيدة).