من مظاهر إبداع الله عز وجل في خلق الإنسان حسن مظهر الستار الذي يحجب سائر أعضاءه، فلولا هذا العضو لكان مظهر خِلقته قبيحا ومرعبا. يستمر الجلد في شكل غشاء مخاطي يحيط بالثقوب الطبيعية للجسم كالأنف والفم.. إضافة إلى دوره الجمالي له وظائف حيوية ومعقدة. فما هو تركيبه؟ وما هي أهم وظائفه؟ يُعتبر الجلد أكبر أعضاء الجسم إذ تبلغ مساحته بين 1,2 و 2,3 متر مكعب، يبلغ وزنه حوالي 16% من وزن الإنسان الإجمالي ويتكون من ثلاث طبقات: • البشرة -l'épiderme- وهي الجزء العلوي الذي نستطيع لمسه من الجلد، تنفصل عن الأدمة بالصحيفة القاعدية، لا تحتوي البشرة على أوعية دموية وتتألف من ظهارة متقرنة تعلوها طبقة من الخلايا الميتة؛ • والأدمة -le derme- مكونة من ألياف لينة غنية ببروتين الكولاجين التي تمنع تمزق الجلد وتجعله مطاطيا. كلما تقدم الإنسان في العمر تفقد هذه الطبقة الكولاجين وتبدأ بالجفاف وتقل الألياف فتبدأ التجاعيد في الظهور على الجلد. تحتوي الأدمة على العديد من الشرايين تتغذى بفضلها البشرة وتضم العديد من النهايات العصبية. إن خلايا الأدمة حيوية ونشطة جدا بحيث تتضاعف بسرعة لتحل محل الخلايا الميتة للبشرة؛ • المنطقة التحت جلدية -l'hypoderme- وهي عبارة عن نسيج ذهني تخترقه الأوعية الدموية ويضم الغدد العرقية وجذور الشعر. جعل الله سبحانه وتعالى للجلد وظائف متعددة وأساسية للحياة فمن أهمها: • حماية الجسم: يحمي الجلد الجسم من الاعتداءات الخارجية الميكانيكية والكيميائية والأشعة الضوئية. يحفظ الجسم من الجفاف وذلك بمنع انسياب سوائله إلى الخارج. كما يحول دون دخول الجراثيم كالفيروسات والبكتريات والفطريات المسببة للأمراض, ويساهم في الدفاع المناعي عن طريق توفره على خلايا متخصصة في المناعة الفِطرية؛ • التوازن الحراري: تتم مختلف التفاعلات الإنزيمية في 37 درجة مئوية، فعند هذه الدرجة من الحرارة تتم التفاعلات في الخلايا على النحو الأمثل. يساهم الجلد إضافة إلى الدماغ وأجهزة داخلية أخرى في الحفاظ على التوازن الحراري؛ فعند ارتفاع درجة الحرارة تقوم الأوعية الدموية للجلد بعملية التوسع -vasodilatation- مما يسمح بفقدان الحرارة عن طريق الحمل الحراري، كما تلعب آلية تعرق الجلد دورا رئيسيا في تبريد الجسم. أما في حالة انخفاض الحرارة فتتم عملية تضييق الأوعية الدموية الجلدية -vasoconstriction- بحيث يكون جريان الدم مُركزا أكثر في الطبقة العميقة للجلد فتقل عملية التبادل الحراري مع المحيط الخارجي؛ • الإدراك الحسي: يعتبر الجلد من أغنى الأعضاء بالنهايات العصبية خصوصا في منطقة الأصابع. توجد أربعة أنواع من المستقبلات التي تستجيب لمؤثرات مختلفة تضفي للجلد القدرة على الإحساس بالضغط ودرجة الحرارة والألم. لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة قبل اكتشاف وجود المراكز العصبية تحت طبقات الجلد وظيفتها تلقي الإحساس بالحرارة وتحويلها إلى إحساس بالألم. قال الله عز وجل منذرا ومحذرا مَن كَفر بالحق "اِنّ الَذِينَ كَفَرُوا بِئَايَتِنَا سوْف نُصلِيهِمْ نَاراً كلّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدّلْنَهُمْ جُلُوداً غَيرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَاب إِنّ اللّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً" [سورة النساء، 55]. فاستشعار الألم محله الجلد؛ إن الحروق التي تسبب الآلام هي الحروق من الدرجة الأولى والثانية؛ لأنها تصيب سطح الجلد دون أن تميته، أما الحروق من الدرجة الثالثة تفقد الإحساس بعد الإصابة؛ لأن مستقبلات الإحساس تتركز في الجلد. جعل الله سبحانه وتعالى الغشاء الخارجي لجسم الإنسان آية من آيات الإبداع في الصنعة، قال مولانا الكريم "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ" [الحجر، 29-30]. فالسؤال الذي يطرح نفسه هاهنا إذا كان هذا العضو الحسي الخارجي يحمل ما لا يدركه العقل البشري من إتقان وإحسان وجمال، فماذا تحمله روحه المعنوية الباطنية من معان وحقائق وأسرار قال الخالق الباري "قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" [الاِسراء، 58]. المراجع 1. العطري بن عزوز، الجلد لباس الإنسان المعجز، حراء، عدد 26 سبتمبر-أكتوبر، 2011. 2. عرفان يلماز، أنا جلد عبد الله، حراء، عدد 10 يناير-مارس، 2008. 3. Comprendre la peau, les grandes fonctions de la peau.Ann dermatol venereol.132.8s49-68.2005