نتناول في هذه الحلقة من الإعجاز العلمي في القرآن آية من آيات الأنفس وأخرى من آيات الآفاق، ويتعلق أمر الأولى ببنية الجلد وعلاقتها بما جاء في القرآن من تبديل الجلود، ومن آيات الكون اخترنا علاقة ما توصل إليه العلم بما جاء في القرآن الكريم بخصوص قوله تعالى (موج من فوقه موج) تصوير البرزخ بين البحرين وكيف أن مياه أي بحر حين تدخل إلى البحر الآخر عن طريق البرزخ فلا تبغي على مياه البحر الآخر فتغيرها، وبذلك نكون لامسنا قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). قال الله تعالى عن عذاب الكافرين يوم القيامة: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما) (النساء 56) وقال تعالى :(وسقوا ماء حميما } ( محمد : 15 ). تفسير الآية الأولى قال الطبري في تأويل قوله تعالى: {سوف نصليهم ناراً} سوف ننضجهم في نار يصلون فيها،أي يشوون فيها، {كلما نضجت جلودهم} كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت {بدلناهم جلوداً غيرها} يعني غير الجلود التي قد نضجت فانشوت {ليذوقوا العذاب} فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته بما كانوا في الدنيا يكذبون آيات الله ويجحدونها . وقال الزمخشري : ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع، كقولك للعزيز: +أعزك الله أي أدامك على عزك وزادك فيه؛. تفسير الآية الثانية قال القرطبي : {وسقوا ماء حميما} أي حاراً شديد الغليان إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاء هم وأخرجها من دبورهم . والأمعاء : جمع مِعًى ، والتثنية : مِعَيَانْ ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا. وقال الطبري: وسقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حره فقطع ذلك الماء من شدة حره أمعاء هم، كما ذكر مثله الشوكاني في فتح القدير، وابن كثير في تفسيره . الجلد وعذاب النار الحقائق العلمية حول الجلد إذا ألقينا نظرة على خارطة الجلد نجد قدرة الخالق جل وعلا تتجلى في كيفية توزيع أعصاب الإحساس في جلد الإنسان حيث نجد أن هناك مايقرب من خمسة عشر مركزاً لمختلف أنواع الإحساس العصبي قد تم اكتشافها من قبل علماء الطب والتشريح ، وقد حمل بعضها أسماء مكتشفيها. وقد قسم علماء الطب الإحساس إلى ثلاث مستويات: أ - إحساس سطحي .ب - إحساس عميق . ج - إحساس مركب . ويختص الإحساس السطحي باللمس والألم والحرارة؛ أما الإحساس العميق : فيختص بالعضلات والمفاصل . أي إحساس الوضع أو التقبل الذاتي . وكذلك ألم العضلات العميق وتحسس الاهتزاز. والآلية الحسية لكلا الإحساسين : السطحي والعميق، تشمل التعرف وتسمية الأشياء المعروفة والموضوعة في اليد، أي حاسة معرفة الأشياء باللمس. وكذلك حاسة الإدراك الموضعي، أي المقدرة على تحديد مواضع الإحساس أو التنبيه الجلدي. والإحساس باللمس : أي معرفة الأشياء باللمس؛ ويعتمد على سلامة قشرة المخ ، أو لحاء المخ. وهناك مايعرف بتقسيم د. هد ( HEAD, S CLASSIFICATION ) حيث قسم الإحساس الجلدي إلى مجموعتين: إحساس دقيق يختص بتمييز حاسة اللمس الخفيف والفرق البسيط في الحرارة. وإحساس أولي ويختص بالألم ، ودرجة الحرارة الشديدة . وكل إحساس منهما : يعمل بنوع مختلف من الوحدات العصبية ، وقد بنى استنتاجه هذا على ملاحظاته لتجدد الأعصاب ؛ الذي يعقب الإصابة ، حيث وجد أن الإحساس الأولي يعود سريعاً أي خلال عشرة أسابيع، بينما الإحساس الدقيق يبقى معطلاً لمدة سنة أو سنتين ، أو ربما لايعود نهائياً . خلايا التغيرات البيئية توجد خلايا مخصصة لاكتشاف التغيرات الخاصة في البيئة، وهي تنقسم إلى أربعة أنواع: - خلايا تتأثر بالبيئة الخارجية :(EXTEROCEPTORS)، وهي مخصصة لحاسة اللمس، وتشتمل على جسيمات (مايسنر) (MEISSNERS CORPUSCLES ) وجسيمات (ئلجيرمئ) (MERKELS CORPUSCLES ) . خلايا الشعر ، ونهاية بصيلات كروز : ( ERAUSE END BULBES )، وهي مخصصة للبرودة . اسطوانات روفيني ،(RUFFINI, S CYLINDERS)وهي مخصصة للحرارة . نهايات الأعصاب الإرادية أو الحرة للإحساس بالألم. الألياف العصبية الخاصة بالألم والحرارة متقاربة جداً لقد أثبت التشريح أن الألياف العصبية الخاصة بالألم والحرارة متقاربة جداً، كما بين الطريقَ الذي تسلكه الألياف العصبية الناقلة للألم والحرارة حيث تدخل النخاع الشوكي (SPINAL T!oR ) وبعده إلى المخيخ )CEREBELLUM ) ثم إلى الدماغ المتوسط (MID BRAIN) ومنه إلى المهاد ( شبءجءحصس ) ثم إلى تلافيف الفص المهادي للمخ (GYRUS OF PARIETAL LOBE ) . ونخلص من هذا إلى أن الجلد هو من أهم أجزاء جسم الإنسان إحساساً بالألم ، نظراً لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم والحرارة . إن للحروق درجات وأنواعا لو استعرضنا درجات الحروق التي يصاب بها الإنسان لوجدنا أن هناك حروقاً من الدرجة الأولى، وحروقاً من الدرجة الثانية. وجميعها تنقسم إلى حروق سطحية، وحروق عميقة، ثم حروقا من الدرجة الثالثة . ولو ألقينا نظرة إلى مايصيب الجلد نتيجة لهذه الأنواع الثلاثة من الحروق لوجدنا أن حروق الدرجة الأولى تصيب طبقة البشرة القرنية، وتظهر على هيئة التهاب جلدي. ويسمى أيضاً الحرق الحمامي ، وفي هذه الحالة يحدث انتفاخ وألم بسيط لأن الحرق من الدرجة الأولى يصيب خلايا الطبقة السطحية، ومن المعتاد أن ظاهرة الاحمرار والانتفاخ والألم تختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام. ولو انتقلنا إلى حروق الدرجة الثالثة لوجدنا أن طبقة الجلد تصاب بكاملها، وربما تصل الإصابة إلى العضلات أو العظام، ويفقد الجلد مرونته ويصبح قاسياً وجافاً. وفي هذه الحالة لايحس المصاب بالألم كثيراً؛ لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق. ونعود الآن إلى حروق الدرجة الثانية ، وهي تنقسم إلى قسمين : 1 سطحي . 2 عميق . يحدث في حالة الحروق السطحية من الدرجة الثانية أن طبقة البشرة (ظاهر الجلد) تنضج ، وكذلك الأدمة -طبقة باطن الجلد- التي تحت البشرة . ويحدث في هذه الحالة انفصال طبقة البشرة عن طبقة الأدمة، وتتجمع مواد مفرزة أو نتحات مابين هاتين الطبقتين ، وتتكون كذلك النفط تحت البشرة وهي مليئة بسوائل تشبه سوائل البلازما أو مصل الدم ويعاني المصاب في هذه الحالة من آلام شديدة وزيادة مفرطة في الإحساس بالألم؛ نتيجة لإثارة النهايات العصبية المكشوفة. ويبدأ التئام الجلد خلال أيام قد تصل إلى أربعة عشر يوماً نتيجة لعملية التجدد والانقلاب التي تحدث في الجلد. د. سالم عبد الله المحمود والشيخ عبد المجيد الزنداني