ارتفاع التحويلات النقدية للمغاربة المقيمين بالخارج خلال يناير        المغرب يستهدف خلق 150 ألف فرصة عمل بقطاع السياحة بحلول عام 2030    الذهب يواصل مكاسبه مع إقبال عليه بفضل الرسوم الجمركية الأمريكية    تقرير: كيف يحافظ المغرب على "صفر إرهاب" وسط إقليم مضطرب؟    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    دراسة: البدانة ستطال ستة من كل عشرة بالغين بحلول العام 2050    مصرع شخصين في اصطدام عنيف بين شاحنتين بطريق الخميس أنجرة بضواحي تطوان    15 قتيلا و2897 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    أحوال الطقس ليوم الأربعاء: برد وزخات مطرية في مناطق واسعة من البلاد    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    بلاغ حول انعقاد الدورة العادية لمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة    كأس العرش 2023-2024 (قرعة).. مواجهات قوية وأخرى متكافئة في دور سدس العشر    الحزب الثوري المؤسساتي المكسيكي يدعو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الانضمام للمؤتمر الدائم للأحزاب السياسية في أمريكا اللاتينية والكاريبي    ترامب يعلق جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد أيام من مشادته مع زيلينسكي    القاهرة.. انطلاق أعمال القمة العربية غير العادية بمشاركة المغرب    التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف بالجزائر أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف    أسعار اللحوم في المغرب.. انخفاض بنحو 30 درهما والناظور خارج التغطية    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالقدس    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على أداء سلبي    أمن فاس يوقف 6 أشخاص متورطون في الخطف والإحتجاز    استئنافية مراكش ترفع عقوبة رئيس تنسيقية زلزال الحوز    الضفة «الجائزة الكبرى» لنتنياهو    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    بنك المغرب يحذر من أخبار مضللة ويعلن عن اتخاذ إجراءات قانونية    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    تصعيد نقابي في قطاع الصحة بجهة الداخلة وادي الذهب.. وقفة احتجاجية واعتصام إنذاري ومطالب بصرف التعويضات    الصين: افتتاح الدورتين، الحدث السياسي الأبرز في السنة    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    مباحثات بين ولد الرشيد ووزير خارجية ألبانيا للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والسياسي    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قيم الإسلام في علاقة الآباء والأبناء
نشر في ميثاق الرابطة يوم 31 - 12 - 2010

من المثير للاهتمام في الأحوال الشخصية للإنسان عموما، وفي علاقات أفراد الأسرة خصوصا، أنها لا يمكن أن تنتظم بواسطة سلطة القانون الوضعي حيث النفعية المباشرة والجزاء على الأفعال؛ لأن القانون الوضعي في عمومه يحتاج إلى سلطة رادعة وجزاء عند المخالفة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ونظرا لكثرة الاحتكاك اليومي بين أفراد الأسرة؛ فإنه لا يمكن لرقابة القانون التدخل في كل لحظة لفض الخلافات الداخلية لأفراد الأسرة وإلا أفسدتها. من هنا كانت الأولوية في التعامل بالقيم لفض نزاعات الأسرة خصوصا بين الزوجين إلى الأقارب، قال الله عز وجل: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اَهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما" [سورة النساء، الآية 35] ولا نحتاج القانون الوضعي أثناء ذلك إلا لردع الفئة الشاردة والمتمردة عن أداء الواجب الأسري.
لذا فالمعول عليه في مجتمعاتنا اليوم، الاعتماد على السلطة القيمية ووازع الأخلاق للسير الطبيعي لمؤسسة الأسرة.
فما هي بعض القيم الإسلامية في معاملة الأبناء لآبائهم؟ وأية ثمرات للالتزام بهذه القيم؟
1. بعض قيم الإسلام في معاملة الأبناء لآبائهم
تعد علاقة الأبناء بآبائهم في الإسلام علاقة خاصة بمستويين:
بعدها النوعي العميق والذي لا حدود له وإن افترقوا في العقيدة، ولنا في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه نموذجا أولا في عمق هذه العلاقة، وإذا تكلمنا عن هذا العمق، تكلمنا عن سلوك تغذيه قيم الإسلام الذي هو عقيدة الأنبياء عليهم السلام جميعا وأتباعهم في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة. ففي حسن معاملة الابن لأبيه، وهو على غير ملة الإسلام ومحاورته بأسلوب في غاية من الأدب وروعة في اللين والتذلل، والحرص على مصلحة الأبوين والرغبة في إنقاذهما من أي خطر أو مكروه، خصوصا إذا تعلق الأمر بالعقيدة التي تحدد طبيعة الأقوال والأفعال وتكون موجهة بها، والتي على أساسها يتحدد مصير المرء يوم القيامة، قال الله عز وجل حاكيا حوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه آزر: "إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا" [سورة مريم آيتين: 42 و43]، حتى قال سبحانه: "قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا" [سورة مريم: آية: 47 ]، والقصة حبلى بالقيم الإسلامية النبيلة في المعاملة بين المسلم وغيره عموما، والمسلم وأبويه خصوصا، مما ينبغي أن يحتذي به كل إنسان عاقل متبصر.
والقصص في هذا المستوى لا تكاد تحصى، وكل سلوكاتها مؤصلة من قيم الإسلام الإنسانية، مسددة بتوجيهاتها وترشيداتها.
أما في عمقها القيمي، فلا تكاد تحدها الحدود سوى حد المعصية، يقول سبحانه: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما" [سورة لقمان، الآية: 15]، أما فيما دون ذلك، فالمعاملة الطيبة، قال الله عز وجل: "وصاحبهما في الدنيا معروفا" [نفس الآية السابقة].
وحقوق الآباء تقترب في حجمها دون نوعها من حقوق الله، ومنها أن نعمة الله لا يستطيع العبد شكرها مهما بلغ جهده؛ لأنه إن بلغ بهذا الجهد أقصاه، فسيفتقر قبل ذلك الجهد وبعده إلى شكر الله على التوفيق للشكر وهكذا، فكذلك حق الأبوين، وهذا في حد ذاته ما يعطي لمعاملة الأبناء للآباء بعدها القيمي العميق، وقد قال رسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: "لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه"[1]...
ويبلغ برهما مبلغه عندما لا يؤثر عليهما أحد من الخلق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما قص علينا في حديث الثلاثة أصحاب المغارة، حيث توسل أحدهما إلى الله بما كان يوثر به أبواه من اللبن على أبنائه، فقبل الله بسبب ذلك دعاءه ففرج عنه كربته[2] وما رد به المصطفى عليه السلام على من سأله عن حاجة أبيه إلى ماله قال: "أنت ومالك لأبيك، إن أولادكم من كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم"[3].
امتداد هذه الحقوق الملخصة في كلمة البرور كما وردت على لسان أنبياء الله عليهم السلام، قال سبحانه عن زكريا عليه السلام "وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا" [سورة مريم، الآية: 14]، وقال على لسان عيسى عليه السلام: "وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا" [سورة مريم، الآية: 32] عبر مجموعة من الأقوال والأفعال التي لا حدود لها في الزمان ولا المكان ولا الإنسان، فهي تبتدئ من مهد الأبناء إلى هرم الآباء، ومن حياتهم إلى ما بعد موتهم، وقد لخص الحق سبحانه هذه المعاملات المختلفة في قوله: "اِما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب اِرحمهما كما ربياني صغيرا" [سورة الإسراء، الآية: 23-24].
2. من ثمرات الالتزام بهذه القيم
يتبين من خلال هذه الدردشة السريعة عن قيم الإسلام في علاقة الأبناء بالآباء، أن الأمر يتعلق بمدرسة للقيم يتلقن فيها الأبناء عمليا ومنذ المهد مبادئ الأخلاق الرفيعة والسلوكات الطيبة التي تمكن الإنسان المتشبع بها من الإندماج السلس في المجتمع والفعل فيه ومعه، فمن تخرج منها بنجاح أو بتفوق كان خير الناس وأحسن الناس وأقربهم إلى ربه، ولذلك وردت الوصية بالوالدين مقرونة بتوحيد الله لبيان أهميتها في تربية النفس وتزكيتها وتصفيتها من كثير من الأكدار كالحسد والبغض ونكران الجميل ومقابلة الإحسان بالإساءة وغيرها، قال سبحانه: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" [سورة الإسراء، الآية:23].
ومن خرج منها بغير أخلاق بحيث كان يعامل أبويه بالسوء، خرج مذموما مدحورا، وكان ما بعدها من حياته ومن مصيره كدرا، بسبب ذلك حرم الله ورسوله العقوق واعتبراه من الكبائر بعد الشرك بالله. قال سبحانه: "والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن اَخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك ءامن اِن وعد الله حق" [سورة الاحقاف: الآية: 17].
وقال عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبركم بأكبر الكبائر ثلاث؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين..." [أخرجه البخاري في صحيحه، رقم 2654].
وبعد أعزائي القراء، يلاحظ أن معاملة الأبناء للآباء بميزان الإسلام حبلى بالقيم الإنسانية النبيلة؛ كالاعتراف بالجميل، ورد بعضه تقوية وتعزيزا لنفسية الآباء وإشعارهم أن جهودهم بنا ومعنا لم تذهب سدى، ثم خلق الشكر الذي هو شيمة الإنسان الحضاري، قال الأعز من قائل: "حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اَشكر لي ولوالديك إليَّ المصير" [سورة لقمان، الآية: 14]، والطاعة المتبصرة والبر والإحسان والتجرد في العمل لله حيث إن البر بالوالدين غير مرتبط دائما بمدى أدائهم لواجباتهم، ولكن طاعة لله. وغير هذه القيم كثير.
وما علينا إلا أن نجدد ثقتنا بالله وبدين الإسلام الذي أرسل الله نبيه سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام به ليسعد البشرية ويجنبها بعض اختياراتها المجحفة في حق الآباء بالزج بهم في دور العجزة مما لا يليق وتكريمهم، وليرشد سلوكها تجاه أغلى فئة في المجتمع، وليبقيها داخل حضنها الطبيعي الدافئ في الأسرة بين الأبناء والأحفاد معززة مكرمة، يقول الله عز وجل: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اِتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" [سورة المائدة، الآيتين: 15-16]، صدق الله العظيم.
------------------------
1. ابن العربي في: عارضة الأحوذي، رقم: 307/4.
2. حديث أصحاب المغارة، رواه مسلم في صحيحه، رقم 2272.
3. إبن العربي في: عارضة الأحوذي، رقم: 329/3.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.