لا يختلف اثنان اليوم أن من أبرز سمات عالَمنا الراهن، التركيب، والتداخل، والسرعة وفداحة وكِبَر الآثار التي تترتب عن التصرفات بسبب ذلك، ومن هنا فإن من مقتضيات العيش في العصر الراهن القُدْرة على استيعاب هذه السمات من جهة، ثم القدرة على التجاوب معها بفعالية وإيجابية من جهة ثانية. وفقهاء الشريعة الإسلامية ليسوا في معزل عن هذه الإشكالات، وعن تأثرهم بهذه السمات الحضارية المشتركة والعامة. ومن هنا فإن ثلاث مشاكل، تقتضي اليوم عكوفهم عليها لحلّها: المشكلة الأولى هي كيف يُفقه النص، وما هي آليات وضوابط فقه دينامي متجدد ووظيفي للنص؟ وكيف يمكن التمييز بين الثابت في اجتهادات السابقين وبين ماهو قابل للتحول والتغير؟ وكيف يمكن لفقيه الشريعة الإسلامية أن يطور آليات ومنهجيات التعامل مع هذه الجوانب كلها بنَفس مقاصدي يروم جلب المصالح ودرء المفاسد باتزان؟. المشكلة الثانية هي كيف يُفقه الواقع بكل سماته وبكل تمظهراته بالغة التعقيد والتركيب والتشابك؟ وبأية مناهج وبأية آليات؟ وما هي التكوينات التي يقتضيها كل ذلك؟. المشكلة الثالثة في كيفية تنزيل أحكام النص المطلق المتجاوِز المهيمِن بطريقة متوازنة، على هذا الواقع المتقلب المتغير موازنة بين الأفعال وترجيحا بين المصالح والمفاسد؟ غير أن التعامل مع هذه المشاكل الثلاث في أفق حلها لابد له من مقتضيين منهاجيين: المقتضى الأول هو المنطلقات التي ينطلق منها الفقيه المسلم؛ فالفقيه المسلم مراده الأصل هو تحقيق مرضاة الله، وتحصيل السعادتين العاجلة والآجلة للجنس البشري، وتغيّي إشاعة التكامل بين أفراد المجموعة البشرية الأسرة الممتدة. المقتضى الثاني هو تحديد آليات التعاطي مع هذه المشاكل الثلاث، وتبيّن العلاقة الجدلية بين النماذج المعرفية التي تُشكل المنطلقات وبين الآليات المستعمَلة من أجل تحقيق الغايات المستهدفة والأهداف المتغياة. والله الهادي إلى سواء السبيل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء