قواعد تقييد الإطلاق تقييد الإطلاق يمثل بدوره جانبا من جوانب التنسيق بين نصوص النسق الشرعي، حيث إن القواعد الضابطة له تهدف إلى الموازنة بينها، وإبراز الجوانب التكاملية التي تتأسس عليها الاستلزامات الدلالية للنصوص، وذلك قصد استدفاع التعارض المتوهم وصون كلام الشارع من اللغو والعبث. وعليه فتقييد الإطلاق كما هو واضح موصول بمبحث التخصيص، إذ يعتبر كالتكملة له، ومن هنا نفهم السر في تناول أغلب الأصوليين لهذه المسألة عقب الكلام على العموم والخصوص، فمثلا نجد الباجي يقول: "ومما يتصل بالعام والخاص المطلق والمقيد ونحن نبين حكمه…"[1]، كما نجد القرافي يبين سبب هذا التناول وهذا الإدراج بقوله: "وإنما وضع الأصوليون حمل المطلق على المقيد في كتاب الخصوص والعموم بسبب أن المطلق هو قسم العام والتقييد قسم الخاص"[2]. غير أن هذا الاعتبار كما يرى القرافي يجب أن لا يجاوز هذا الحد، ولا سبيل إلى الخلط بين المبحثين، "وهذه الأقسام –كما يقول– تلتبس جدا على كثير من الفضلاء، وربما اعتقدوا المطلق عاما، والتبس عموم الصلاحية والبدل بعموم الشمول، والتبس التقييد بالتخصيص من جهة أن التقييد يقتضي إبطال الحكم في صورة عدم القيد، فدعت الضرورة لبيان ذلك في باب الخصوص والعموم ليتميز البابان، وبضدها تتميز الأشياء، فتستقر القواعد عند طالبي العلم من غير لبس"[3]. 1 معنى التقييد وشروطه والتقييد باعتباره آلية بيانية تنسق بين النصوص المطلقة والنصوص المقيدة يراد به "تفسير المطلق بكونه مرادا به المقيد، أو بعبارة أخرى تقديم العمل بالمقيد باعتباره بيانا للمطلق"[4]. والاصطلاح الدال على هذا المعنى والجاري على ألسنة الأصوليين هو مصطلح الحمل، أي حمل المطلق على المقيد، فالتقييد والحمل لفظان متماثلان يقصد بهما معنى واحد، وهو –كما تقدم– بيان النص المقيد للمراد من النص المطلق، حيث يعتبر الأول أصلا يبنى عليه الثاني… يتبع في العدد المقبل… ———————— 1. إحكام الفصول، ص: 190. 2. العقد المنظوم، 2/470. 3. نفسه،2/470. .4 المناهج الأصولية، فتحي الدريني، ص: 676.