قال الله تقدست أسماؤه: "قال رب انصرني بما كذبون" [المومنون، 26]. هذا دعاء من نبي الله نوح عليه السلام، صدر منه في مقام ما تعرض له من تكذيب بنبوته وبرسالته. تكذيب مقترن باتهام الملإ من قومه له بالجنون[1]، وهذا واضح من قوله تعالى: "فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في ءَابائنا الاَولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين" [المومنون، 24-25]. لقد سبق لنوح عليه السلام أن استفرغ وسعه في دعوة قومه وبيان الحق الذي يدعوهم إلى الإيمان بمقتضياته. على من جهده الدعوي فقد كان يواجه بالبهتان والتكذيب المستمرين. وإزاء ذلك البهتان وهذا التكذيب اتجه نوح عليه السلام إلى ربه عز وجل فطلب النصر لقوله تعالى: "قال رب انصرني بما كذبون" [المومنون، 26]. وقد بين صيغ هذا الدعاء في قوله تعالى: "وقال نوح رب لا تذر على الاَرض من الكافرين ديارا اِنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا" [نوح، 28-29]. يبدو أن الذي يوقع العقاب في أمثال هذه المقامات هو الله تعالى، خالق الناس وموجهم. بكلمة أخرى لا يتكفل بالعقاب هنا البشر لأنهم لا يمكن أن يكونوا أوصياء على ضمائر الناس وسرائرهم الباطنية. لقد استجاب الله تعالى لنوح عليه السلام فنصره على الملأ من قومه. نعم لا شك في ذلك، ولكن لم تكن طبيعة النصر الإلهي هو رجوع المكذبين إلى التصديق برسالة نزح، وإنما تمثل النصر الإلهي في استئصال المكذبين من قومه، وهو ما حكاه قوله تعالى: "فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" [المومنون، 27]. —————————————- 1. تنقل بعض كتب التفسير أن نوح عليه السلام ظل يدعو قومه عقودا من السنين ولم يؤمن برسالته إلا عدد قليل.