[تخصيص العموم بالقياس] القياس حجة شرعية ودليل قائم الذات، لا ينازع فيه إلا أهل الظاهر، غير أنه إذا تقابل النص العام مع مقتضى قياس نص خاص، فللعلماء في شأن هذا التقابل أقوال حصرها القرافي بقوله: "يجوز تخصيص السنة المتواترة وعموم الكتاب بالقياس وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأبي الحسين البصري والأشعري وأبي هاشم أخيرا. ومنهم من منع منه مطلقا، وهو قول الجبائي وأبي هاشم أولا. ومنهم من فصل ثم ذكروا فيه وجوها أربعة: أولها: قول عيسى بن أبان: إن تطرق التخصيص للعموم جاز وإلا فلا؛ وثانيهما: قول الكرخي وهو أنه إن خص بدليل منفصل جاز، وإن خص بدليل متصل منع لأجل القوة والضعف اللذين تقدم ذكرهما كما تقدم تقريره؛ وثالثها: قول كثير من فقهاء الشافعية كابن سريج وغيره أنه يجوز بالقياس الجلي دون الخفي، ثم اختلفوا في تفسير الجلي والخفي على ثلاثة أوجه: أحدها: أن الخفي قياس الشبه والجلي قياس المعنى. وثانيها: أن الجلي هو الذي تفهم علته من لفظه كقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"، فهو يفهم أن علة ذلك ومنعه هو تشويش الفكر فيتعدى ذلك إلى الجائع والحاقن وكل ما يخل بالفكر. وثالثها: قول أبي سعيد الإصطخري إن الجلي هو الذي لو قضى القاضي بخلافه نقض قضاؤه، والخفي هو الذي لا ينقض قضاء القاضي بخلافه. ورابعها: قول الغزالي إن العام والقياس إن تفاوتا في إفادة الظن رجحنا الأقوى وإن تعادلا توقفنا. وأما القاضي أبو بكر وإمام الحرمين فقد ذهبا إلى التوقف[1]. هذه خلاصة الأقوال في المسألة كما جاءت على لسان القرافي، وإذ عرفنا ذلك نعرج على عرض أدلة القولين البارزين في القضية، أي القول المجيز والقول المانع.. يتبع في العدد المقبل… ————————— 1. العقد المنظوم، 2/413 وما يليها.