[تخصيص العموم بخبر الواحد] أما المعقول فاستدلوا به من وجهين: الأول أن خبر الواحد ظني الثبوت والقرآن مقطوع بوروده، والظن لا يقوى على معارضة القطع، فوجب تقديم المقطوع على المظنون وإلا لزم العمل بالأضعف مع وجود الأقوى. وأجيب عنه ب "أن خبر الواحد وإن كان مظنونا إلا أن وجوب العمل به مقطوع بصحته بدليل يوجب العلم، فكان حكمه وحكم ما قطع بصحته سواء في وجوب العمل به"[1]. كما أن "الكتاب مقطوع بوروده، فأما مقتضاه من العموم فغير مقطوع به لجواز أن يراد به غير ما يتناوله خصوص السنة، والخاص من السنة لا يحتمل غير ما تناوله (…) وها هنا عموم القرآن محتمل لما يقتضيه، وخصوص السنة غير محتمل، فقد قدم خصوص السنة"[2]. كما أنه من المعلوم أن البراءة الأصلية قطعية ويقينية، غير أنها نتركها بخبر الواحد، فيلزم بطلان القول بأن المقطوع لا يترك بالمظنون[3]. وأما الوجه الثاني من دليل المانعين العقلي فحاصله أنه لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد لجاز نسخه به؛ إذ النسخ تخصيص العام في الأزمان وتخصيص العموم إنما هو تخصيص في الأعيان والأشخاص، ومعلوم أن نسخ عام الكتاب بخبر الواحد ممتنع فيلزم امتناع تخصيصه بخبر الواحد. والجواب "أن النسخ إسقاط لموجب القرآن فلم يجز إلا بمثله، والتخصيص بيان ما أريد بالقرآن، فجاز بالسنة كتأويل الظاهر"[4] وبعبارة القرافي "إن الفرق بينهما أن النسخ رفع للحكم لما علم أنه كان ثابتا فيه، والتخصيص في الأعيان إخراج لما لم يكن الحكم ثابتا فيه البتة، ولاشك أنه إذا علم ثبوت الحكم في شيء، ثم قصد إلى رفعه بعد، وإبطال الشرع فيه إنما يحتاط فيه ما لا يحتاط لما لا يتصف بشيء من ذلك، فلذلك فرق الناس بين التخصيص والنسخ"[5]. يتبع في العدد المقبل.. ———————————— 1. إحكام الفصول، الباجي، ص: 169. 2. نفسه، ص: 169-170. 3. العقد المنظوم، القرافي، 2/412. 4. إحكام الفصول، ص 170. 5. العقد المنظوم، 2/412.