وأما الحسبة الواسطة بينهما فهي وظيفة دينية، مدارها على الأمر بمعروف ترك، والنهي عن منكر ظهر، وقد كانت قبل انفرادها وتميزها من اختصاص الإمام الأعظم أو نائبه، ثم أضيف لولاية القضاء، ولربما جمعتا لرجل واحد في بعض الأصقاع الإسلامية وإن كان عملها مختلفا موضوعا وشكلا لأن عمل القاضي مبني على مزيد التحقيق وسلوك الأناة في الحكم. وعمل المحتسب في مجاله الواسع مبني على الشدة والسرعة والرهبة والتعزيز ويحدثنا التاريخ أن وظيفة المحتسب كانت داخلة في عموم ولاية القاضي يتولاها بنفسه أو يوليها من تأهل لها بشروطها في كثير من دول الإسلام، مثل الأمويين بالأندلس والعبيديين بمصر والمغرب الكبير كما قال ابن خلدون. ويتجلى مما ذكره المقري في النفح الشأو البعيد الذي بلغه نظام الحسبة في الأندلس وإلى مدى اتساع نفوذ المحتسب في إشرافه على الأسواق ومراقبة الباعة والمشترين وتحديد ثمن الحاجيات، وما كان يلزم المحتسب من فقه بالأحكام الشرعية وخبرة ومعرفة بالشؤون العامة مما أدى إلى تنشيط الحركة العلمية وتسارع الفقهاء إلى وضع قوانين الحسبة واستخلاص أحكامها من دواوين الفقه الإسلامي. عن كتاب نظام الحسبة في الإسلام سلسلة البدائع للأستاذ المرحوم العميد الحاج أحمد ابن شقرون الطبعة الأولى 1415-1995.