إن نظام الأوقاف الذي وضع الإسلام أسسه وقواعده يعتبر من بين الأنظمة الإسلامية الهامة التي ساعدت عبر العصور في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي واجهت المجتمع الإسلامي، كما أن هذا النظام الاجتماعي عمل على تغير نوعية الحياة وتحسينها بإشاعة التكافل والبر والإحسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له". وما الأوقاف الإسلامية إلا إدامة لأعمال البر والخير المستمر الذي تبقى ثمرته، وتدوم منفعته إلى يوم الدين، وهذا ما قصده الرسول بالصدقة الجارية التي كان لها دورها البارز في صحة الناس ومعيشتهم عبر التاريخ الإسلامي. وإنه من أهم ما يميز الأمم ويدل على رقيها واستحقاقها لريادة النزعة الإنسانية فيها بحيث يفيض الخير والبر على المجتمع كافة، وتمثل أوقاف المسلمين خير مثال على نعمة الخير والبر والتي تهدف إلى رفع مستوى معيشة الإنسان الذي يعيش على الأرض المسلمة، وقد أسس القرآن والسنة الشريفة هذا التوجه الوقفي فعندما نزل قوله تعالى "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" [آل عمران، 91]. قال أبو طلحة الأنصاري: "يا رسول الله إني أحب أموالي إلى بئر طيبة الماء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تبارك وتعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال صلى الله عليه وسلم: بخ بخ ذاك مال رابح ذاك، مال رابح حبس الأصل، وسبل الثمرة"، وكانت هذه أول نواة للوقف في الإسلام وبها نشأت الأوقاف التي كانت تمد المؤسسات بالأموال التي تعينها على أداء مهامها الإنسانية النبيلة. وقد أوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بستانين على الفقراء والمساكين والغزاة وذوي الحاجات، وأوقف الصحابة رضوان الله عليهم الأوقاف العديدة حتى لم يبق صحابي إلا وأوقف على أموالهم شيئا. قال جابر بن عبد الله الأنصاري ما أعلم أحدا ذا مقدرة من أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالا من ماله صدقة موقوفة لا تشترى ولا تورث ولا توهب وتتابع المسلمون في أجيالهم يوقفون الأراضي والبساتين والدور لأعمال البر والخير وامتلاء المجتمع الإسلامي بالمؤسسات الوقفية كالمساجد والمدارس والمستشفيات وغيرها.. إن الأوقاف الإسلامية أدت عبر الأزمان والعصور دورا عظيما في التخفيف من حدة الفقر، وتغيير نوعية المجتمع الإسلامي، وتنوعت أعماله وإسهاماتها ومصارفها فكانت بحق وحقيق صدقة جارية لله تعلى.. ميثاق الرابطة، العدد: 832- الخميس 7 ربيع الأول 1419ه الموافق 2 يوليوز 1998م.