برز اسم أم السعد بنت عصام الحميري في قرطبة[1] الأندلسية التي سطعت فيها شمس العلوم والأدب والتاريخ والفن.. بشكل واسع وتخرج منها العديد من الأدباء والمفكرين والشعراء والفنانين.. ناهيك عن مجموعة من النساء الرائدات اللواتي ذاع صيتهن في مختلف المحافل والمجالس العلمية المتنوعة.. وعالمتنا الجليلة أم سعد القرطبية هي أنموذج مثالي تاريخي "تعد من بين النساء المشهورات بالأندلس"[2] وهي من أهل قرطبة وتعرف بسعدونة[3]. عاشت أم السعد القرطبية في القرن السابع الهجري وتعتبر من أهل العلم والصلاح. نشأت في بيت عرف بالأدب والعلم والمعرفة ورواية الحديث.. تلقت مختلف علوم الشريعة عن علماء أجلاء، وكانت ذات ثقافة عالية وقوة إدراكية متميزة. الشيء الذي جعلها تحضى بمكانة محترمة عند أجلاء وكبار البلد، كما كانت رحمها الله تحب رواية الحديث النبوي الشريف، وتحب كذلك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحب أخباره وشمائله فقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه نزهة الجلساء رواية لها وقال: قال البدر النابلسي في التذييل: "لها رواية عن أبيها وجدها وغيرهما من أهل بيتها وقد أنشدت لنفسها في "تمثال" نعل النبي صلى الله عليه وسلم تكملة لقول من قال: سَأَلثُمُ التِّمثال إِذْا لَمْ أجِد لِلَثْم نَعْلِ المُصْطفَى مِن سَبيْل فقالت: لَعَلَّنِي أحْظَى بِتَقْبيله في جنة الفردوس أسْنى مَقيل في ظِل طُوبى ساكنا آمنا أُسقى بأكْواسٍ من السَّلسَبيْل وأَمْسح القلب به عَلَّه يُسَكِّنُ مَا جاش به من غليل فطالما استشفى بأطلال من يهواه أهل الحُبِّ في كل جيل"[4] وتروي بعض الأخبار أن أم سعد القرطبية لها مجموعة من الأشعار ومنها ما ذكره المقريُّ في كتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب فيقول رحمه الله تعالى "أنشدني ابن جابر الوادي آشي عن شيخه المحدث أبي محمد بن هارون القرطبي لجدته سعدونة وأظنها هذه: آخ الرجال من الأبا عد والأقارب لا تقارب إن الأقارب كالعقارب أشد من العقارب[5]. كما كانت عالمتنا الجليلة من العابدات الصالحات الذاكرات نشأت منذ صغرها على طاعة الله عز وجل ومحبة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومحبة أهل العلم الذين أخذت عنهم ما تيسر من العلوم.. ويبقى الحديث عن أم السعد القرطبية لا يكاد ينتهي رغم أن معظم المصادر التاريخية لم تذكر عنها إلا القليل، رحم الله أم السعد القرطبية وأسكنها فسيح جنانه آمين والحمد لله رب العالمين.. والله المستعان —————————————————– 1. قرطبة مدينة وعاصمة مقاطعة قرطبة التابعة لمنطقة أندلوسيا في جنوب إسبانيا وتقع على ضفة نهر الوادي الكبير، على دائرة عرض (38ْ) شمال خط الاستواء اشتهرت أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا حيث كانت عاصمة الدولة الأموية هناك. من أهم معالمها مسجد قرطبة. 2. نفح الطيب للمقري، ج: 6 ص: 300- وانظر كذلك أعلام النساء، عمر رضا كحالة، ج: 2-ص: 174. 3. نزهة الجلساء في أشعار النساء، ص: 22، مكتبة القرآن للطباعة والنشر والتوزيع. 4. نزهة الجلساء في أشعار النساء، ص: 22، مكتبة القرآن للطباعة والنشر والتوزيع. 5. نفح الطيب، ج: 6، ص: 300.