1. أدلة المجيزين لمراعاة الخلاف بعد الوقوع كما استدل العلماء بفتاوى واجتهادات الصحابة الكرام، فقد كان الصحابة يعملون بالدليل المرجوح بعد وقوع النازلة، ويتركون الدليل الراجح، تبعا للمصلحة أو الاحتياط، ومثال ذلك: المرأة يتزوجها رجلان ولا يعلم الآخر بتقدم نكاح غيره إلا بعد البناء، فعمر ابن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان والحسن البصري، ذهبوا إلى إبانتها من الأول، قال الشاطبي: "فإنه إذا تحقق أن الذي لم يبن هو الأول؛ فدخول الثاني بها دخول بزوج غيره؛ فكيف يكون غلطه على زوج غيره مبيحا لوطئها على الدوام، ومصححا لعقده الذي لم يصادف محلا، ومبطلا لعقد نكاح مجمع على صحته لوقوعه على وفق الكتاب والسنة ظاهرا وباطنا؟ وإنما المناسب أن الغلط يرفع عن الغالط الإثم والعقوبة، لا إباحة زوج غيره دائما ومنع زوجها منها"[1]. والمثال الثاني: امرأة المفقود، فقد ذكروا أنه إذا قدم المفقود قبل نكاحها، فهو أحق بها، وإن كان بعد نكاحها والدخول بها فاتت، وإن كان بعد العقد وقبل البناء، فقولان: فإنه يقال: الحكم لها بالعدة من الأول، إن كان قطعا لعصمته، فلا حق له فيها ولو قدم قبل تزوجها، أو ليس بقاطع للعصمة، فكيف تباح لغيره وهي في عصمة المفقود؟![2]. كما استدل العلماء بفعل الصحابة الكرام، فكثير منهم كانوا يصلون خلف إمام واحد مع تباين مذهبهم واختلاف اجتهادهم، ولم يُعرف أن أحدهم أنكر ذلك وامتنع، من ذلك ما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أنكر على عثمان بن عفان رضي الله عنه إتمام الصلاة في السفر، ثم صلى خلفه متمما، وقال: "الخلاف شر"[3]. ووجه الدلالة أن ابن مسعود لا يرى الإتمام في السفر، لكن لما صلى وراء عثمان أتمها، وهذا من باب مراعاة الخلاف. وبصفة عامة فإن الصحابة الكرام درجوا على اعتماد مراعاة الخلاف، يقول القرافي: "وأجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن من استفتى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أو قلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ويعمل بقولهما من غير نكير"[4]. يتبع في العدد المقبل… ————————————————— 1. الاعتصام، 3/81-82. 2. الاعتصام، 3/82. 3. فتح الباري، 2/717. 4. شرح تنقيح الفصول، 280.