صفعة جديدة للجزائر.. بنما تقرر سحب الاعتراف بالبوليساريو    استئنافية طنجة توزع 12 سنة على القاصرين المتهمين في قضية "فتاة الكورنيش"    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    لقجع يؤكد "واقعية" الفرضيات التي يرتكز عليها مشروع قانون المالية الجديد    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تنسيق أمني مغربي إسباني يطيح بخلية إرهابية موالية ل"داعش"    كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب        البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الخلاف العَقَدي والفِقْهي
نشر في هسبريس يوم 05 - 11 - 2010


(6)
بعد أن سردنا في المقالات السابقة جوانب من الخلاف السياسي بين الشيعة وأهل السنة،نُتبعه بِسَرد جوانب من الخلاف العقدي والفقهي على سبيل الإجمال ليكتمل بذلك مشهد الخلاف السني الشيعي،فننتقل من توصيف الاختلاف والتنبيه على موارده،إلى تدبير الاختلاف والتنبيه- قدر الإمكان- على مخارجه.
الخلاف العقدي
نمهد لبسط مسائل هذا الخلاف بثلاث مقدمات:
1- وردت الأخبار عند الفريقين بكراهة الخوض في ذات الله – عز وجل- والقدَر: عن الرسول – صلى الله عليه وسلم- عند السنة – وعنه وعن الأئمة- عند الشيعة-: فيعقد الكليني بابا في كتاب التوحيد سماه: "باب النهي عن الكلام في الكيفية" يروي فيه عن محمد الباقر أنه قال: "تكلموا في خلق الله ولا تتكلموا في ذات الله"،[1] ويروي عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال لمحمد بن مسلم: يا محمد: إن الناس لا يزال بهم المنطق حتى يتكلموا في الله، فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا إله إلا اله الواحد ليس كمثله شيء".[2]
ويعقد الإمام البخاري في صحيحه بابا في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة سماه: "باب ما يُكره من كثرة السؤال وتَكلُّف ما لا يعنيه"، فيروي عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله؟".[3]
وقد طرأ بعد الصحابة والتابعين التعمق في بحث صفات الله – عز وجل- وأفعاله وقضائه وقدره ووعده ووعيده لأسباب وظروف – ليس هذا محل التفصيل فيها- منها: اختلاط المسلمين بأهل البلاد المفتوحة، وقد كانوا من أعراق وأجناس شتى، ولهم ديانات مختلفة: من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين، يقول الشيخ فضل الله الزنجاني معلقا على رأي الشيخ المفيد في الصفات: "لم يكن في الصدر الأول من الصحابة والتابعين خوض في هذه المسائل وتدقيق عن معانيها، بل كانوا يثبتون لله تعالى شأنه ما أطلقه على نفسه من صفاته مع نفي المماثلة بدون تعرض للتأويل"،[4] وكان أول ما حدث في زمان المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية في القدر والاستطاعة من معبد الجهني وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم.[5]
2- قد يلاحظ المرء أن أقوال الشيعة في الكثير من المسائل الكلامية والاعتقادية المدرجة هنا لا تختلف عن أقوال المعتزلة، ذلك التشابه بين مقالات الشيعة والمعتزلة في عديد من مسائل العقائد أثار – قديما وحديثا- جدالا حول مدى استقلال الشيعة في مبانيها الكلامية عن المعتزلة[6] فابن تيمية - مثلا- أرَّخ لدخول الشيعة في مقالات المعتزلة بأواخر المائة الثالثة،[7] ومن حين اتصلوا بهم في دولة بني بويه.[8]
3- مبنى تتبع موارد الاختلاف بين الشيعة وأهل السنة في العقائد وأصول الدين على معرفة مقالات جمهورهما في أمهات المسائل المُشكِّلة لبنية المذهب لا على معرفة إجماعهما في كل مسألة، لاختلاف علماء كل مذهب في أن يكون قد ورد إجماع على قول واحد في كثير من المسائل أو لم يرد، فهذا الشيخ المفيد أحصى عليه محقق كتابه (أوائل المقالات) الشيخ الزنجاني اثنتي وعشرين مسألة ادعى حصول الإجماع على قول واحد فيها من الإمامية بينما الأمر على خلاف ذلك،[9] كما نجد بعض علماء أهل السنة عند إبرازهم لعقيدة أهل السنة والجماعة – مختلفين في إيراد مسائل أو عدم إيرادها.[10]
وللوقوف على موارد الاختلاف المذكور سأعمل على تحرير أقوال كل مذهب على لسان نفر من علمائه في أمهات مسائل العقائد المرتبطة بالتوحيد (بشعبه الثلاث: توحيد الذات والصفات والأفعال) وبالنبوة والمعاد، مبتدئا برأي أهل السنة رامزا له بحرف (س)، متبوعا برأي الشيعة رامزا له بحرف (ش)، كما سآتي على ذكر بعض مفاريد الشيعة التي غدت شعارا للمذهب والتي طالما شنَّع بها عليهم مخالفوهم.
أولا:الإلهيات
1- مدرك وجوب النظر في معرفة الله عز وجل:
س: قال الإمام الجويني: "النظر الموصل إلى المعارف واجب، ومدرك وجوبه الشرع"،[11] وقال الإمام الغزالي: "إن معرفة الله سبحانه وتعالى وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى وشرعه لا بالعقل"،[12] وللمسألة تعلق بقضية التحسين والتقبيح: "فالحسن ما وافق الأمر، والقبيح ما خالف الأمر"،[13] ومجرد العقل "لا يدل على حسن شيء ولا قبيحه في حكم التكليف، وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجب السمع".[14]
ش: يقول الشيخ محمد رضا الظفر: "إن عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون، كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدعي النبوة وفي معجزته (...) إن هذا وجوب عقلي قبل أن يكون وجوبا شرعيا"،[15] والعقل يدرك الحسن والقبح بمعزل عن الشرع، فالله – عز وجل- "أمر بهذا لأنه حسن ونهى عنه لأنه قبيح".[16]
2- التوحيد:
لا يختلف الفريقان في أن الأكوان والحوادث كلها لها محدث صانع، واحد في ربوبيته وألوهيته، لا يشبهه شيء، فليس له سبحانه مثيل ولا نظير،[17] وكلٌّ نَظَر إلى التنزيه من زاويته فاختلفوا في مسائل منها:
أ- كلام الله -عز وجل-:
س: قال الإمام عبد القاهر البغدادي يحكي مذهب أهل السنة في هذه المسألة: "وأجمعوا على أن كلام الله – عز وجل- صفة له أزلية، وأنه غير مخلوق ولا مُحدَث ولا حادث".[18]
ش: يقول الشيخ المفيد: "... وأن كلام الله تعالى، مُحدَث، وبذلك جاءت الأخبار عن آل محمد، وعليه إجماع الإمامية والمعتزلة بأسرها".[19]
ب- رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة:
س: قال الإمام عبد القاهر البغدادي: "وأجمع أهل السنة على أن الله تعالى يكون مرئيا للمؤمنين في الآخرة".[20]
ش: يقول الشيخ رضا المظفر: "ومن قال بالتشبيه في خلقه بأن صور له وجها ويدا وعينا، أو أنه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، فإنه بمنزلة الكافر به، جاهل بحقيقة الخالق المنزه عن الخلق، وكذلك يلحق بالكافر من قال: إنه يتراءى لخلقه يوم القيامة، وإن نفى عنه التشبيه بالجسم".[21]
ج- إرادة الله – عز وجل-:
س: يقول الإمام عبد القاهر البغدادي: "وأجمع أهل السنة على أن إرادة الله تعالى مشيئته واختياره".[22]
ش: يقول الشيخ المفيد: "إرادة الله تعالى هي نفس أفعاله".[23]
د- أفعال العباد:
س: يقول الإمام عبد القاهر البغدادي: "إن الله سبحانه خالق الأجسام والأعراض خيرها وشرها، وأنه خالق أكساب العباد ولا خالق غير الله، والعدل خارج عن الجبر والقدر، ومن قال: إن العبد مكتسب لعلمه والله سبحانه خالق لكسبه فهو سني عَدلي مُنَزَّه عن الجبر والقدر".[24]
ش: أفعال العباد غير صادرة منهم على جهة الاستبداد والاستقلال، ولا هي صادرة منهم على جهة الإلجاء من الله والاضطرار، ولكن الأمر منزلة بين المنزلتين، يروي الإمام الكليني عن جعفر الصادق أنه أجاب لما سئل: أأجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال: لا، قل السائل: ففوض إليهم الأمر؟ قال: لا، قال: قال السائل: فماذا؟ قال: لطف من ربك بين ذلك".[25]
ه- الثواب والعقاب (الوعد والوعيد):
س: يقول الإمام الجويني: "الثواب عند أهل الحق ليس بحق محتوم ولا جزاء مجزوم، وإنما هو فضل من الله تعالى: والعقاب لا يجب أيضا (..) لا واجب على الله تعالى"،[26] فله سبحانه "إيلام الخلق وتعذيبهم من غير جرم سابق ومن غير ثواب لاحق".[27]
ش: يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء: "لا يجور في قضائه، ولا يتجاوز في حكمه وبلائه، يثيب المطيعين وينتقم بمقدار الذنب من العاصين، ويكلف الخلق بمقدورهم، ويعاتبهم على تقصيرهم دون قصورهم، ولا يجوز عليه أن يعاقب مستحق الأجر والثواب بأليم العذاب والعقاب، لا يأمر إلا بما فيه صلاحهم".[28]
ثانيا:السمعيات
1- النبوة:
س: بعثة الأنبياء والرسل جائز وواقع من الله – عز وجل- وليس بواجب، إذ لا يجب على الله شيء، أولهم آدم عليه السلام وآخرهم محمد – صلى الله عليه وسلم -، "قالوا بتفضيل الأنبياء على الملائكة (...) وقالوا بتفضيل الأنبياء على الأولياء (...) وقالوا بعصمة الأنبياء من الذنوب، وتأولوا ما روي عنهم من زلاتهم على أنها كانت قبل النبوة (...) وقالوا لابد للنبي من معجزة تدل على صدقه، وقالوا: يجوز ظهور الكرامات على الأولياء".[29]
ش: الذي عليه اعتقاد الشيعة – تبعا للمعتزلة أو موافقة لهم- أن النبوة لطف،[30] واللطف ما أفاد قربا من الطاعة وبعدا عن المعصية،[31] وموجب اللطف أن يبعث الله تعالى رسلا إلى عباده لهدايتهم، ولم يوكل إلى الخلق حق تعيين أو تنصيب أحد منهم،[32] وهم مؤيدون من الله تعالى بالمعجزات، معصومون من الكبائر والصغائر قبل البعثة وبعدها، ويجمعون إلى ذلك خصال الأمانة والصدق وطهارة المولد، يقول الشيخ المفيد: "واتفقت الإمامية على أن آباء رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطلب مؤمنون بالله – عز وجل- موحدون له"،[33]
وحكى الشيخ المفيد مذهب الشيعة في المفاضلة بين الأئمة والأنبياء فقال: "قد قطع قوم من أهل الإمامة بفضل الأئمة من آل محمد – صلى الله عليه وسلم - على سائر من تقدم من الرسل والأنبياء سوى نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - وأوجب فريق منهم لهم الفضل على جميع الأنبياء سوى أولي العزم منهم، وأبى القولين فريق منهم آخر وقطعوا بفضل الأنبياء كلهم على سائر الأئمة".[34]
2- المعاد:
س: العمدة في هذا الباب الإخبار بصدق الرسول – صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به عن ربه – عز وجل- من وقوع البعث وإعادة إحياء من مات من الخلائق في الحياة الدنيا للعرض والحساب والجزاء على الأعمال، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والإيمان بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأن نعيم الجنة لأهلها دائم، وعذاب النار لأهلها دائم لا ينقطعان، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشفع لأهل الذنوب من أمته، وأن المعراج حق، والحوض حق، واللوح والقلم والعرش والكرسي والملائكة وعذاب القبر وسؤال منكر ونكير وقراءة الكتاب والصراط والميزان كل ذلك حق، وأهل الكبائر من أمة الإسلام في النار لا يخلدون.[35]
ش: نقل الشيخ المفيد إجماع الإمامية على القول برؤية المحتضرين رسول الله – صلى الله عليه وسلم - والإمام عليا عند الوفاة،[36] ويوجبون تصديق رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به من وقوع المعاد والبعث والحساب،[37] ونسب الشيخ المفيد إلى نقلة الحديث من الشيعة الإجماع على أن المتولي للحساب يوم القيامة هم الرسول – صلى الله عليه وسلم - والإمام علي والأئمة من ذريته (!).[38]
ويعتقدون أن الجنة والنار مخلوقتان،[39] وأن عذاب القبر وسؤال الملكين والصراط حق،[40] وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم - يشفع لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمته، وأن الإمام عليا يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته، وكذلك يشفع الأئمة من ذريته.[41]
وبناء على ما تقدم عرضه من أقوال الفريقين في مسائل الاعتقادات – على سبيل المثال لا الحصر- يتبين أنهم:
اختلفوا في مدرك وجوب النظر في معرفة الله –عز وجل: فقال أهل السنة المدرك هو الشرع، وقالت الشيعة: المدرك هو العقل.
- واختلفوا في الصفات: فاعتقد أهل السنة أنها معاني زائدة على الذات، واعتقد الشيعة أنها للذات.[42]
- اختلفوا في الرؤية: فأثبتها أهل السنة للمؤمنين في الجنان، ونفاها الشيعة مطلقا في الدنيا والآخرة.
- واختلفوا في كلام الله – عز وجل-: فقال أهل السنة: هو كلام الله الأزلي غير مخلوق ولا حادث، وقال الشيعة: كلام الله حادث.
- واختلفوا في وجوب الأصلح على الله – عز وجل-: فقال أهل السنة: لا يجب على الله شيء، وقال الشيعة: كلام الله حادث.
- واختلفوا في أفعال العباد اختلافا قد يؤول –مع التأمل- إلى اللفظ، فقال أهل السنة: العبد مكتسب لأفعاله، والعدل خارج عن الجبر والقدر، وقال الشيعة: أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض.
- واختلفوا في حدود عصمة الأنبياء: فهي عند الشيعة عصمة عن الكبائر والصغائر، والخطأ والنسيان عمدا وسهوا، قبل البعثة وبعدها، والذي نقله البغدادي عن أهل السنة أنها عصمة عن الكبائر والصغائر بعد البعثة.
- واختفوا في عدالة الصحابة – رضي الله عنهم- فحكمها عند الشيعة حكم عدالة غيرهم:[43]
فيبحث في أحوالهم، وقال أهل السنة بعدالة الجميع وتولي الجميع.[44]
أعتقد أن هذا القَدْر الذي ذكرته من اختلافات الفريقين يُفصِح عن بعض ما اختص به كل فريق واشتهر عنه، وبعدُ هذا أوان الحديث عن بعض مفاريد الشيعة في مسائل الاعتقاد، جاذبهم فيها الحبل طويلا أهل السنة، والقصد منصرف إلى مسائل: الإمامة (سبق الحديث عنها)، عصمة الأنبياء، والتقية، والرجعة، والبداء.
مفاريد الشيعة وشعارات المذهب
العصمة
اتفقت الشيعة الإمامية قولا واحدا على ثبوت العصمة للأئمة، وصار هذا القول شعارا للمذهب، ولهم في (نهج البلاغة) من كلام الإمام علي – كرم الله وجهه- ما يومئ في اعتقادهم إلى العصمة كقوله: "ما شككت في الحق مذ رأيته"،[45] وقوله "والله ما كتمت وشمة (كلمة)، ولا كذبت كذبة"،[46] وقوله: "والله ما أنكروا علي منكرا"،[47] وقوله: "اسألوني قبل أن تفقدوني، فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم"،[48] وقوله: "إن الكتاب لمعي ما فارقته مذ صحبته"،[49] وقوله: "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت".[50]
ولكنهم وإن أثبتوا العصمة فقد اختلفوا في حدها على أقوال منها:
1- هي عصمة عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان عمدا وسهوا، وعما ينافي المروءة.[51]
2- هي عصمة عن السهو في الدين ونسيان شيء من الأحكام، وعن الكبائر وعما يستخف فاعله من الصغائر، وأما ما لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم، وهذا مذهب سائر الإمامية إلا ما شذ منهم كما يعتقد الشيخ المفيد.[52]
3- الذي شذ هو الشيخ محمد بن بابويه القمي، إذ جوز السهو على الأئمة، واعتبر الذين لا يجوزونه من الغلاة، ووعد بكتابة رسالة في الرد عليهم.[53]
وقد آل الشيخ المفيد بتفسير العصمة إلى معنى يُقرِّبُها إلى الأفهام فقال: "والعصمة من الله تعالى هي التوفيق الذي يسلم به الإنسان مما يكره إذا أتى بالطاعة (...) وكذلك سبيل اللطف، إن الإنسان إذا أطاع سمي توفيقا وعصمة، وإذا لم يطع لم يسم توفيقا ولا عصمة، إلا أنهم بامتثال أمره يسلمون من الوقوع في عقابه، فصار تمسكهم بأمره اعتصاما، وصار لطف الله لهم في الطاعة عصمة"،[54] وعلى هذا المعنى فكل من تمسك بطاعة الله عز وجل فهو معصوم "فجميع المؤمنين من الملائكة والنبيين والأئمة معصومون".[55]
واستدل مخالفوهم على نفي العصمة عمن سوى الأنبياء بما ورد في أمهات الكتب المعتمدة عند الشيعة،كالكافي الذي أورد الكلام الذي خاطب به علي – كرم الله وجهه- أهل الكوفة:"لا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يُتَحفَّظ به عند أهل البادرة ،ولا تخالطوني بالمصانعة ،ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي ، فانه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه ،فلا تَكُفُّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطيء ولا آمن ذلك من فعلي ، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني . فإنما أنا وانتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا ، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى".[56]
وقال الإمام الصادق: " والله ما نحن إلا عبيد ،ما نقدر على ضرّ ولا نفع ، إن رحمنا فبرحمته، وان عذبنا فبذنوبنا ، والله مالنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة ، وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون ومسئولون .. أشهدكم أنى امرئ ولدني رسول الله وما معي براءة من الله ، إن أطعت رحمني وان عصيته عذبني عذابا شديدا".[57]
التقية
تواتر واشتهر عن الشيعة اعتقاد التقية والعمل بها ، وينقلون لإثباتها آثارا من سيرة الأنبياء والصالحين السابقين (كمؤمن آل فرعون)، وأخبارا عن الأئمة: فيروي ابن بابويه القمي عن جعفر بن محمد أنه قال: "لو قلت: إن تارك التقية كتارك الصلاة كنت صادقا"،[58] ويروي عنه أيضا أنه قال: "لا دين لمن لا تقية له"[59] (!).ويقول ابن بابويه أيضا:" :" التقية فريضة واجبة علينا في دولة الظالمين ، فمن تركها فقد خالف دين الامامية وفارقه ،والتقية واجبة لا يجوز تركها إلى ان يخرج القائم ، فمن تركها فقد دخل في نهي الله عز وجل ونهي رسوله والأئمة (ع) ويجب الاعتقاد ان حجة الله في أرضه وخليفته على عباده في زماننا هذا هو القائم المنتظر ابن الحسن.. ويجب ان يعتقد انه لا يجوز ان يكون القائم غيره بقي في غيبته ما بقي ، ولو بقي عمر الدنيا لم يكن القائم غيره"[60]
ويروي الكليني عنه أنه قال في قول الله عز وجل: ﴿أولئك يوتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة﴾[61] الحسنة: التقية، السيئة الإذاعة"[62] وقال أيضا: "التقية ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له"،[63] وقال: "إنما جعلت التقية ليُحقَن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية".[64]
ويذكر النوبختي ما يدل على إرجاعه سبب ظهور بعض الفرق إلى عدم رضاها عن إفتاء بعض الأئمة أتباعهم بالتقية، من ذلك أن عمر بن رياح سأل أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن مسألة فأجابه عنها بخلاف الجواب الأول، فلما استفسره عن السبب قال أبو جعفر: "إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية"،[65] فارتاب عمر بن رياح في أمر أبي جعفر ورجع عن القول بإمامته، وقال: "لا يكون إماما من يفتي بالباطل على شيء بوجه من الوجوه (...) ولا يكون إماما من يفتي بالتقية، فمال إلى قول (البترية)[66] ومال معه نفر يسير"،[67] ويورد النوبختي رأي سليمان بن جرير[68] في سبب ظهور التقية – دون أن يناقش هذا الرأي فساقه مساق المسلمات- يقول سليمان:"إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لايظهرون معها من أئمتهم على كذب أبدا وهما :القول بالبداء،وإجازة التقية(...)أما التقية: فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام، فأجابوا فيها وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم ودونوه ولم يحفظ أئمتهم في المسألة الواحدة عدة أجوبة مختلفة متضادة (...) فقالوا: من أين هذا الاختلاف؟ قالت لهم أئمتهم : إنما أجبنا بهذا للتقية، ولنا أن نجيب بما أجبنا"،[69]
وإذا كانت التقية حسب المفهوم الشيعي هي دين الآباء من أهل البيت فيعني أنها اختيار حتى ترتفع"الغيبة"،لذلك توسعوا في استعمالها مع المخالفين من المسلمين،هذا دون أن يغيب عن الأذهان-لفهم بعض أسباب ذلك التوسع في الاستعمال- دور حملات القمع والملاحقة والمطاردة التي طالتهم في مراحل من التاريخ الإسلامي،ويُدخل أهل السنة "التقية" في باب الضرورة الملجئة وفق ضوابط معينة أهمها الحرص على عدم الانغلاع من ربقة التكاليف الشرعية إلا في حالات مُعيَّنة كالحرب ،قال ابن تيمية :" لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة"[70].
ولا بد من الإشارة إلى أن ما جرى عليه البعض من حمل كل مقالات الشيعة والمتشيعين المعاصرين على التقية مهما فعلوا أو قالوا،يُعمِّق الخلاف ولا يُشجِّع على الحوار،ولا على التراجع عن المقالات والمواقف الخاطئة،لأن أصحابها يحسُّون أنهم محشورون في الزاوية،فيصير الأمر في كثير من الأحيان دفاعا عن الكرامة لا دفاعا عن اختيارات عقدية أو فقهية أو سياسية.
الرَّجْعة
أفاد الشيخ المفيد اتفاق الشيعة على "وجوب اعتقاد رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة"،[71] وقسم الراجعين إلى فريقين:
الأول: من علت درجته في الإيمان وقضى حياته في طاعة الرحمان.
الثاني: من أسرف في الفساد وظلم الناس، ثم يصير الفريقان بعد أن يقتص المظلومون من الظالمين إلى الموت ثم إلى النشور".[72]
ويذهب الشيخ هاشم معروف الحسني إلى وجوب "تأويل رجوع الأئمة ومبادئهم بظهور محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر"،[73] وبذلك يحصل – عندهم- إطلاق الرجعة على معنيين:
الأول: رجعة الأجساد.
الثاني: رجعة الدولة بظهور المهدي.
واحتج أهل السنة بأخبار عن آل البيت عليهم السلام لدحض عقيدة الرجعة: يروي ابن سعد في طبقاته عن زهير بن جابر قال: قلت لمحمد بن علي الباقر، أكان منكم أهل البيت أحد يقر بالرجعة؟ قال: لا"،[74] ويروي كذلك أنه قيل للحسن بن علي: إن ناسا من شيعة أبي الحسن يزعمون أنه دابة الأرض، وأنه سيبعث يوم القيامة، فقال: كذبوا ليس أولئك شيعته، أولئك أعداؤه، ولو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه، ولا أنكحنا نساءه"[75] ويؤكد الشيخ المظفر على أن الرجعة ليست في كل الأحوال من الأصول التي يجب الاعتقاد والنظر فيها.[76].
الخلاف الفقهي
في الطهارة والصلاة:
نقل ابن رشد في (بداية المجتهد) اتفاق المسلمين قاطبة على أن الطهارة الشرعية ضربان: طهارة من الحدث، وطهارة من الخبث، وأن طهارة الحدث ثلاثة أنواع: وضوء وغسل وبدل منهما وهو التيمم،[77] واتفق الشيعة وأهل السنة على وجوب غسل الوجه واليدين ومسح الرأس، واختلفا في غير ذلك: في الرجلين هل يغسلان أو يمسحان؟ في المسح على الخفين هل يجوز أولا يجوز؟ -على التفصيل الذي سأذكره بعد حين- وفي المذي والودي فقال أهل السنة: ينتقض بهما الوضوء،[78] وقالت الشيعة: لا ينتقض.[79]
ولم ينقل الشيخ المفيد إجماعا لأهل السنة على مخالفة الشيعة في أبواب الحيض، والاستحاضة، والنفاس، وتغسيل الأموات إلا في مسائل قليلة،[80] ونقل اتفاق الشيعة على أن السنة في افتتاح فرائض الصلوات سبع تكبيرات،[81] وعلى عدم جواز وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة وقالوا بوجوب إرسالهما،[82] بينما اعتبر جمهور أهل السنة القبض من سنن الصلاة،[83] .
ولم تُجِز الشيعة التلفظ بآمين في الصلاة، وحكموا بتبديع من يفعل ذلك،[84] ولا قراءة سورتين أو بعض السورة بعد فاتحة الكتاب،[85] وقال: إن أقل من يجب بحضوره الاجتماع الصلاة الجمعة خمس من الرجال الأحرار المسلمين،[86] وأن الواجب في صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة خمسة ركعات،[87] والظاهر أن الشيعة لم تنفرد بهذا القول، فقد وردت عشر ركعات في رواية لأبي داود عن أبي كعب –رضي الله عنه-.
في الزكاة:
اتفق الفريقان على أن الزكاة تجب في تسعة أشياء وهي: الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة، والحنطة والشعير، والتمر والزبيب،[88] وأفاد الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء أن ما من قول للشيعة في مسائل الزكاة "إلا وهو موافق لمذهب من المذاهب المعروفة: الحنفي والشافعي، والمالكي والحنبلي"،[89] وحصر الشيخ المفيد ما انفردت به الشيعة من أقوال في خمسة مسائل منها:
قولها: إن الذهب والفضة قبل سبكهما وضربهما دراهم ودنانير لا زكاة فيهما على الندب، وقولها: إن أقل ما يخرج إلى الفقير من مفروض الزكاة درهم على التمام.[90]
في الصوم
لم ينقل الشيخ المفيد للشيعة إجماعا على مخالفة أهل السنة في مسائل هذا الركن، فما من قول إلا ويوجد نظير له في مذاهب أهل السنة: في أبواب الاعتكاف، وأحكام المسافرين في الصوم والإفطار، والتقصير في الصلاة، وحدود المسافات،[91] ونقل الإمام عبد الحسين شرف الدين إجماع الشيعة الإمامية على أن الإفطار للمسافر عزيمة وليس رخصة،[92] وتابعهم على هذا الرأي أهل الظاهر لقولهم بعدم إجزاء ولا وقوع صيام المسافر.[93]
في الحج
أطبقت الأمة كلها على القول بوجوب الحج إلى بيت الله الحرام لقوله تعالى: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا﴾،[94] وقال الشيخ المفيد: "لم يجمع العامة في هذا الباب على خلاف ما اتفقت الإمامية عليه إلا في مسألة واحدة وهي قول الإمامية: إن من فاتته عرفات وأدرك المشعر الحرام يوم النحر أو قبل غروب الشمس فقد أدرك الحج،[95] فأما ما سواه من أحكام الحج فليس للإمامية على الإطباق فيه قول إلا وكافة العامة توافقهم عليه أو بعضهم".[96]
أما أحكام البيوع، والشفعة، والنكاح، والطلاق، والحكم، والمباراة، والنشوز، والشقاق، والإيلاء، والظهار، والتخيير، والتمليك، والتحليل، واللعان، والعدد، والنفقات، وأمهات الأولاد، والعتق والتدبير، والمكاتبة والقضاء، والشهادات، والدعاوي، والبينات والنذور، والإيمان، والكفارات، والصيد، والذبائح، والأطعمة، والأشربة، والقتل وضروبهن والقسامة، والقصاص، والديات، فلم ينقل الشيخ المفيد للشيعة اتفاقا على خلاف مذاهب أهل السنة فيها إلا في مسائل قليلة منها:
1- إن الشفعة تبطل إذا كان الشريك أكثر من واحد.
2- إن حكم نكاح المتعة الإباحة مطلقا.[97]
3- لا يقع الطلاق إلا بشهادة عدلين.[98]
4- لا يقع الطلاق بغير لفظه، فيروي الكليني عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عن الرجل يقول لامرأته: أنت مني خلية أو بريئة أو بتة أو حرام، قال: ليس بشيء"،[99] ألفاظ الإطلاق (طلاق) وما تصرف من هجائه مما يفهم ابن حزم، والبائن والبتة والخلية والبرية وأنه إن نوى بشيء من هذه الألفاظ طلقة واحدة سنية لزمته.[100]
5- إن الطلاق بلفظ الثلاث لا يقع إلا طلقة واحدة،[101] وجمهور فقهاء الأمصار من أهل السنة على أن حكمه حكم الطلقة الثالثة.[102]
6- بطلان طلاق التخيير والتمليك.[103]
7- عدم وقوع العتق بالشروط والأيمان.
8- إن الطحال من الشاة وغيرها حرام، وأن ما لا قانصة له من الطير فهو حرام.
9- إن السارق يجب قطع يده من أصول الأصابع.[104]
مفاريد الشيعة وشعارات المذهب
يتنزل التفصيل في هذا المبحث على معنى التركيز على بعض المسائل التي أصبح قول كل من الشيعة وأهل السنة فيها شعارا لمذهبه.
نوع طهارة الرجلين:
الأصل في وجوب طهارتهما عند الشيعة وأهل السنة قول الله عز وجل: ﴿يا ايها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾،[105] قرأ نافع وابن عامر والكسائي (وأرجلكم) بالنصب، وقرأ الحسن وسليمان الأعمش (وأرجلكم) بالرفع، وقرأ بن كثير وأبو عمرو وحمزة (وأرجلكم) بالخفض.[106]
ونشأ من الاختلاف في قراءة (وأرجلكم) اختلاف آخر في نوع طهارة الرجلين هل يغسلان أو يمسحان على ثلاثة أقوال:
أولا: قول جمهور أهل السنة – ومنهم المالكية[107] والشافعية[108] والحنابلة[109]- القاضي بوجوب الغسل فيهما، وقد استدل الإمام القرطبي على هذا القول بقراءة الخفض وبحديث: "ويل للأعقاب من النار"،[110] ولم ير ابن رشد في هذا الحديث حجة يحتج بها للغسل، بل يدل الحديث – في رأيه- على جواز المسح لا على منعه، لأن الوعيد وقع لعدم إصابة الماء أعقابهم عند الغسل، فمن شرع في غسل الرجلين ففرضه الغسل في جميع القدم، كما أن من شرع في المسح ففرضه المسح في جميع القدم عند من يقول بالتخيير بين المسح والغسل، فيكون الوعيد في الحديث تعلق بالتعميم لا بنوع الطهارة، وخلص ابن رشد إلى ترجيح الغسل بطريق المصلحة والمناسبة، فقال: "المسح أشد مناسبة للرأس من الغسل، إذا كانت القدمان لا ينفى دنسهما غالبا إلا بالغسل، وينفى دنس الرأس بالمسح، وذلك أيضا غالب، والمصالح المعقولة لا يمتنع أن تكون أسبابا للعبادات المفروضة".[111]
ثانيا: يعزى القول بوجوب مسح الرجلين في الوضوء إلى الشيعة الإمامية، ووافقهم ابن حزم الظاهري على هذا الرأي.
أ- يروي الكليني عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي جعفر: ألا تخبرني من أين عمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك ثم قال: يا زرارة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل به الكتاب من الله، لأن الله عز وجل يقول: "﴿اغسلوا وجوهكم﴾ فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل، ثم قال: "﴿وأيديكم إلى المرافق ﴾ ثم فصل بين الكلم فقال: "﴿وامسحوا برؤوسكم﴾ فعرفنا حين قال برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس، كما وصل اليدين بالوجه، فقال: "﴿أرجلكم إلى الكعبين﴾ فعرفنا حين وصلها بالرأس أن المسح على بعضها، ثم فسر ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم - للناس فضيعوه، ثم قال: "﴿فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه﴾ فلما وضع الماء إن لم تجدوا الماء أثبت بعد الغسل مسحا لأنه قال: ﴿بوجوهكم﴾ ثم وصل بها ﴿وأيديكم﴾".[112]
ب- استدل ابن حزم على وجوب المسح بأدلة منها:
- إن المسح هو رأي جماعة من السلف منهم علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي.
- لا يجوز في العربية أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة.
- ويحتج ابن حزم على منكري المسح بالقياس – على سبيل التنزيل والمماشاة- وهذه بعض صور ذلك الاحتجاج:
1- إنا وجدنا الرجلين يسقط حكمهما في التيمم كما يسقط الرأس، فكان حملهما على ما يسقطان بسقوطه، ويثبتان بثبوته أولى من حملهما على ما لا يثبتان بثبوته.
2- يرد ذكر الرجلين مع الرأس، فالأولى قياس حملهما على ما ذكرا معه من حملهما على ما لم يذكرا معه.
3- الرأس طرف والرجلان طرف، والأولى قياس الطرف على الطرف من قياس الطرف على الوسط.
4- يلزم من تجويز المسح على الخفين أن يكون تعويض المسح من المسح أولى من تعويض المسح من الغسل، وأنه لما جاز المسح على ساتر الرجلين ولم يجز على ساتر دون الوجه والذراعين دل –قياسا- على أن شأن الرجلين أهون من شأن الوجه والذراعين،[113] ثم يقول ابن حزم: "فإن كان ذلك فليس إلا المسح ولابد، فهذا أصح قياس في الأرض لو كان القياس حقا".[114]
ثالثا: القول بجواز النوعين المسح والغسل، والمكلف مخير في فعل أحدهما، وممن ذهب إلى هذا القول الإمام جعفر بن جرير الطبري وإن كان يرجح قراءة الخفض (وأرجلِكم) على قراءة النصب لأن "العطف به على الرؤوس مع قربه منه أولى من العطف به على الأيدي، وقد حيل بينه وبينهما بقوله: ﴿وامسحوا برؤوسكم﴾".[115]
المسح على الخفين:
ذهب الشيعة إلى القول بعدم جواز المسح على الخفين،[116] فيروي الكليني عن إسحاق ابن عمار قال: سألت أبا عبد الله عن المريض هل له رخصة في المسح؟ قال: لا"،[117] وعن زارة بن أعين قال: قال له جعفر (جعفر بن محمد): في مسح الخفين تقية؟ فقال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج"،[118] وأفاد الشيخ عبد الحسين شرف الدين أن ما يروى من الأخبار الدالة على المسح لم يثبت منها شيء عند الشيعة.[119]
وذهب جمهور أهل السنة إلى تجويز المسح على الخفين،[120] وقد أدخل بعض العلماء السنة المسألة ضمن ما يجب الاعتقاد به (!)، فيقول الإمام أبو الحسن الأشعري: "ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات (...) وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافا لمن أنكر ذلك"،[121] وقال الإمام الطحاوي: "ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر".[122]
الجمع بين الصلاتين:
اتفق الشيعة وأهل السنة على القول بالجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة، والجمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء بالمزدلفة، واختلفوا في غير هذين المكانين،[123] فجوز الشيعة الجمع في كل المواطن والأحوال، وحجتهم في ذلك أن القدر الذي نص عليه القرآن من الأوقات هو ثلاثة فقط لقوله تعالى: "﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا﴾،[124] فقوله تعالى: ﴿لدلوك الشمس﴾ يعني الزوال، فيستمر وقته ﴿إلى غسق الليل﴾ عندها يدخل وقت المغرب والعشاء، ويستمر إلى الفجر،[125] وعللوا القول بجواز الجمع بالتوسعة على الأمة والرأفة بأهل الأشغال.[126]
واختلف أهل السنة في الجمع بغير عرفة والمزدلفة، فأجازه الجمهور على اختلاف بينهم في المواضع التي يجوز فيها من التي لا يجوز، فمنعه أبو حنيفة بإطلاق، ولم يجزه مالك، وأكثر الفقهاء في الحضر لغير عذر، وأجازه جماعة من أهل الظاهر وأشهب من أصحاب مالك.[127]
وقد ورد في (نهج البلاغة) من كلام الإمام علي – كرم الله وجهه- ما يرغب في أداء الصلاة لوقتها، فقال – يخاطب عماله-: "أما بعد: فصلوا بالناس الظهر حتى تفيء الشمس من مربض العنز (حيث يكون ظل كل شيء مثله)، وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية عضو من النهار حين يسار فيها فرسخان، وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم، ويدفع الحاج (أي يفيض من عرفات)، وصلوا بهم العشاء حتى يتوارى الشفق إلى ثلث الليل، وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه، وصلوا بهم صلاة أضعفهم ولا تكونوا فتانين"،[128] وقال: "تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (...) وشبهها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بالحمة تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات فما عسى أن يبقى من الدرن".[129]
أنقر هنا لتتمة المقالة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.