إن كتاب الله عندما تصدى للدعوة إلى دينه الحق، والكشف عن عقيدته المثلى لم يستعمل من الحجج للدلالة على صدق دعوته وسلامة عقيدته رغم تعدد أجناس الحجج وكثرة أنواعها – إلا الحجج المنتزعة من مشاهد الطبيعة وظواهر الكون، فهي وحدها التي وقع عليها الاختيار الإلهي، فأصبحت السند الأول للاحتجاج والاستدلال في جوهر العقيدة وصميم الدين، وما دام كتاب الله قد اختار أن ينتزع من مشاهد الطبيعة وظواهر الكون ودلائله القاطعة وبراهينه الساطعة على عقائد الدين وحقائقه الأولى، ويعتمد عليها في الإقناع والاقتناع، نظرا لصدق محتواها، وثبوت فحواها، وكونها على طرف الثمام ليس عليها أي حجاب أو لثام فقد أصبح لزاما علينا أن نولي وجهنا أولا نحو تلك المشاهد والظواهر، وأن نكشف الستار عما في الطبيعة والكون من أسرار، فتلك في الخطوة الطبيعية التي يرشدنا كتاب الله إلى أن نخطوها في البداية لنصل منها إلى الإيمان بأصول الدين في النهاية، إذ لا سبيل عند الإنسان لفهم أي مدلول كان، إلا إذا تمكن بادي بدا من فهم مضمون الدليل المعروض على نظره فهما تاما وأدرك وجه دلالته على مدلوله إدراكا شاملا وعاما، وبهذا علمنا كتاب الله تعالى أن العلم طريق إلى المزيد من الإيمان، وأن الإيمان وسيلة إلى المزيد من العلم، ونبهنا إلى أن بين العلم والإيمان مزاوجة تكاد تكون مزاوجة عضوية لا يتخلف عنها أحد الطرفين بحال: "لخلق السماوات والاَرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [غافر، 56]. "إنما يخشى الله من عباده العلماء" [فاطر، 28]. ومن شواهد الطريقة القرآنية للاستدلال على وجود الباري سبحانه قوله تعالى في سورة "ألم نجعل الاَرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات اَلفافا" [النبأ، 6-16]. وقوله تعالى: "تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن اَراد أن يذكر أو اَراد شكورا" [الفرقان، 61-62]. وقوله تعالى: "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الاَرض بعد موتها كذلك النشور" [فاطر، 9]. وقوله تعالى "وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج" [ق، 11]..