خلال عقود من الزمن القريب أدخلت دول العالم الإسلامي المرتبط بالاقتصاد الغربي نفسها في متاهة الاقتصاد الرأسمالي، ودخلت في جرائم الاستثمار في الغرب من حيث تدري أو لا تدري، وعندما يحاول الغرب الآن البحث عن الحلول ويستدعي كافة خبراء العالم للمساعدة؛ فإنه لا يرى في الدول الإسلامية جدارة للمشاركة في وضع الخطط للخروج من الأزمات الاقتصادية المعاصرة، ولو كانت من الدول الإسلامية المنضوية في مجموعة الدول العشرين الاقتصادية، التي تمثل (85 %) من اقتصاد العالم، والتي عقدت مؤتمرها الثاني مؤخراً في لندن بتاريخ 2/4/2009م، فتوصل الأمريكيون والأوروبيون إلى حلول ترضي الطرفين دون النظر إلى آثار ذلك على الدول الأكثر تضرراً ومنها العديد من دول العالم الإسلامي، بل كانت حلولها للأزمة بضخ مليارات الدولارات للشركات والبنوك الغربية الكبرى، وليس للفقراء والمحتاجين في تلك الدول وفي مقدمتها أمريكا نفسها، "فتدهور مقدرة الدولة على توجيه السوق العالمية يؤدي إلى أن تكون المسيرة في مصلحة الأثرياء في المقام الأول"[1]، أي أن الحلول تتوجه لحماية الأغنياء وليس لحماية الفقراء، كما تقول لافتات المتظاهرين الأمريكيين. وفي نهاية المؤتمر تعهد الرئيس الأمريكي "أوباما" بزيادة المساعدات الغذائية للدول الفقيرة، مما يعنى أن زعماء العالم يدركون أن الأزمة الاقتصادية الحقيقية هي في توفير الغذاء للدول الفقيرة، ولكنهم لا يعملون على معالجتها بصورة صحيحة، بدليل أن طريقة أمريكا في المساعدات الغذائية هي توزيع أطنان من القمح الأمريكي وغيرها من المواد الغذائية، أي باستعمال طريق التسول والصدقات، ولكنها لا تقدم لتلك الدول مساعدات تطور من قدرتها الزراعية، إن لم تعمل على تدميرها، عن طريق توصيات صندوق النقد الدولي. وإلا كيف تكون دولاً غنية في مواردها الطبيعية فقيرة في الغذاء، والغذاء لا يحتاج إلا إلى المجهود الزراعي الناجح، والآلات الزراعية الحديثة، وعدم الاستماع لتوصيات العولمة المتوحشة، التي تسعى لامتلاك لقمة العيش، باحتكار زراعة القمح والأرز وغيرها من الحبوب الأساسية لحياة البشر، فأمريكا لا تسمح "بإنتاج الطعام أو مفهوم الأمن الغذائي محلياً أو زراعة وإنتاج الحبوب الرئيسية أو حتى استيراد التقنية أو استنباتها، ولكن يسمح فقط لهذه الدول بالقروض التي تكون عبئاً اقتصادياً عليها وعلى هذه الشعوب وفق الشروط الأمريكية، وأن تزرع بالقروض الكبيرة الخضروات والفواكه، لتظل عالة على أمريكا والغرب في استيراد الحبوب"[2]. بينما كان من المفروض أن تولي الدول الكبرى وعلى أساس الميثاق العالمي لحقوق الإنسان كل الأولوية لتأمين قدرات زراعية وصناعية للدول الفقيرة، حتى تتمكن من زراعة أراضيها وتوفر لنفسها الغذاء ذاتياً، وليس منعها من الزراعة ومنحها أطنان من القمح كل عام طالما هي خاضعة للعولمة الغربية، إن تأمين الغذاء من أولويات حقوق الإنسان التي كفلتها حقوق الإنسان نظرياً، وهي من الناحية الشرعية الإسلامية، هي حق طبيعي لكل إنسان، بنصها على توفير المأكل والمشرب والمسكن وسبل العيش الكريم، بل جعلت إطعام المسكين من لوازم الإيمان[3]، لكل إنسان مهما اختلف دينه ومعتقده، لأنها اعتبرت من وجهة نظر الإسلام من مقاصد الشريعة الضرورية كما سبق ذكرها، حيث "إن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان، لأن صحة الأبدان مناط للتكليف وموضوع للتدين والإيمان، ومن هنا كانت إباحة "الضرورات الإنسانية" للمحظورات الدينية"[4]. إن الإسلام لديه الحلول البديلة للمشاكل الاقتصادية العالمية بعد فشل النظام الرأسمالي ومن قبله النظام الاشتراكي، ولكن الدول الغربية حتى لا تجد نفسها أمام هذه الحلول ولو في بعدها النظري، جعلت الإسلام عدوها الأول وربما الوحيد بعد انهيار النظام الاشتراكي؛ لأنها لا تريد منافساً اقتصادياً يملك نظريات اقتصادية قادرة على تغيير حركة الاقتصاد العالمي بصورة أفضل من الإدارة الغربية، لو أتيح لها عملياً تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي، وهذا ما يتطلب من الاجتهاد الاقتصادي الإسلامي أن يبدع فيه، بعد أن دخلت العولمة الاقتصادية والنظام الرأسمالي عصر احتضارها. ———————————————————————- 1. فخ العولمة، (الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية)، تأليف: هانس بيتر مارتين وهارالد شومان، ترجمة الدكتور عدنان عباس علي، مراجعة وتقديم الأستاذ الدكتور رمزي زكي، سلسلة عالم المعرفة، العدد (238)، الكويت، جمادي الآخرة 1419ه تشرين أول 1998م، ص: 279. 2. انظر: السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، كمال الهلباوي، معهد الدراسات السياسية، إسلام أباد، الطبعة الأولى، شوال 1412ه أبريل 1992م، ص: 80. 3. انظر: فقه الزكاة، الدكتور يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، الطبعة السادسة عشرة، 1406ه 1986م، 1/53. 4. الإسلام وحقوق الإنسان (ضرورات.. لا حقوق)، الدكتور محمد عمارة، ص: 16.