في هذه الحكمة المباركة يجلّي الشيخ التكامل بين الملك والملكوت، وبين الغيب والشهادة، ويبرز الإنسان باعتباره جسراً متفاعلا بين العالمين، بما عجن به من طين عالم الملك، وأكنّه بين جوانحه من نفخة الروح القدسية، من عالم الملكوت: "ويسألونك عن الروح، قل الروح من اَمر ربي، ومآ اُوتيتم من العلم إلاَّ قليلا" [سورة الاِسراء، الآية: 85]. وهذه الحكمة مستمدة من مشكاة قوله تعالى: "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" [سورة النجم، جزء من الآية: 32]، حيث يبرز من خلال هذه الآية المباركة أن أنوار القلوب لا يعلمها إلا الله عالم الغيب والشهادة الكثير المتعال. ولاشك أن هذه الأنوار تُستشعر آثارها في عالم الشهادة، وتبدو أماراتها فيه، وقد شبه ذلك بعض العارفين، برائحة عود الصندل التي تتسرب من شقوق الأبواب، ليجدها من هم خارج الدار، فكذا التقوى في الخلوات، تبدو أماراتها وآثارها في الجلوات. وفي قول الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه "قدر" احتراز بيّن، بهذا الصدد، حيث لم ينف الوقوف على آثار وآمارات أنوار القلوب، بل نفى العلم بقدر ذلك على وجه التدقيق. وقول الشيخ رحمه الله "كما لا تظهر أنوار السماء إلا في شهادة الملك"، فيه إبراز لاختصاص كلٍّ من البعدين بضرب من الأنوار، فكما أن الأنوار القلبية لا تظهر إلا في عالم الملكوت، فكذا أنوار الكواكب لا تظهر إلا في عالم الملك. والحكمة على العموم، حاضّة على الإخلاص وابتغاء وجه الله تعالى، في سائر الأعمال، بحيث لا يتطلع أهل الإخلاص إلى عرفان ولا جزاء أو شكور من أحد سوى الله تعالى. والله المستعان الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء