هذه الحكمة المباركة مستمدة من مشكاة قوله تعالى: "فلا وربك لا يومنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلّموا تسليما" [سورة النساء، الآية: 65]، حيث تحكيمه تعالى فيما يطرأ من مستأنفات الأحوال امتثال الظاهر، وعدم وجدان الحرج والتسليم لله تسليما، استسلام له سبحانه في الباطن، ومن منّ عليه تعالى بذلك فقد أعظم سبحانه بالتأكيد المنة عليه، وهو المقصود بالدخول في السلم كافة في قوله تعالى: "يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة" [سورة البقرة، الآية: 208]، حيث التحاق الجانب الظاهري بالجانب الباطني والتئام البعد الإرادي بذلك اللإرادي، وإلى الفصام بين هذين البعدين جاءت الإشارة بقوله تعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام. وإذا تولى سعى في الاَرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاِثم، فحسبه جهنّم ولبيس المهاد" [سورة البقرة، الآيات: 204-206]. وفي النهي عن هذا الفصام جاء قوله تعالى: "وذروا ظاهر الاثم وباطنه إن الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون" [سورة الاَنعام، الآية: 120]، وقوله تعالى: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" [سورة الاَنعام، الآية: 151]، ومن أعظم الفواحش الباطنية عدم التسليم لله تعالى فيما يريد لعدم الاستبصار بأن الخير كل الخير فيما يريد. ويروى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام "يا داود إنك تريد وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد" [أورده الغزالي في إحياء علوم الدين 4/346]. والسعيد من جمع له الله بين الامتثال الظاهري والتسليم الباطني. والله المستعان الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء