من المهم أن لا ننسى،تلك هي القاعدة التي يتعين بناء عليها فتح بوابات للأمل بعدم تكرار الذي جرى من انتهاكات مكرورة في ماض ليس ببعيد.فمهما حرى لأجل طي صفحة الماضي الاليم ،يلزم التذكير دائما بأنها في الكتاب الجامع الشامل لعهد من تاريخ شعب واجه شبابه – مناضلات و مناضلين – الية القمع عزلا إلا من قناعتهم بان للحرية و للعدالة و لعدم استباحة الكرامة ثمن. بين أوراق تراكم بعضها فوق بعض في دولاب رفيق عثرت على رسائل لا تحمل من قيمة إلا في ما تحفل به من انتصار للحياة في تأبين رفاق ادركتهم المنية و لم يتنفسوا ملأ رئاتهم هواء وطن اشتراكي، حلموا به و حملوه فكرا وتأبطوه خلف الضلوع ،خططوه بالكلمات وشكلوه تمثالا برموش عيون لم يذبل مع مرور الوقت بريقها و لن يغمضه الثرى حتى و إن وار الجتامين التراب .فقد أثروا في سبيله السجن ثمنا للحرية. إنجاز حوار الريف اوراق أولى أتذكر يا مصطفى، أنا كنا أربعة عشر، نتحلق بناصية الجدار نطارد تفاصيل المرحلة، عبد السلام يتوسطنا يدقق في المفاهيم يؤسس للأجوبة ، شأننا الوحيد عمق البلاد وتضاريس همومها، كانت أعمارنا متقاربة و كنت أصغرنا، يحملك السؤال إلى ضفة الأسئلة، تعاتبنا أنا لم نأخذ نقطة نظامك بالاعتبار ، و نحن نواصل البحث عن تفاصيل لم تنجل في طريقنا إلى حصر المآل، هل البلاد على شفا.. أم هو منعرج يطل على منحدر، أم في الأفق مالا نرى؟ الإضراب الآن أم هي مغامرة تزيد من عمق الإنفصام؟ لم يكن الجواب اختيارا بل فورة كفاح لصد أقصى درجات العزلة . الأبواب موصدة والرفاق يرون ما لا نراه، الوطن يخطو في اتجاه لحظة أخرى، وأهل لنا يغدقون الرضى على ما تتوهج به الأيام، طالنا الحشر وبثرت أصواتنا ، ففي السياسة حقائق لا ترى الإضراب زمن رتيب، اخترنا الخريف كلحظة للمواجهة، اخترنا أم وافقنا على اختيار، لا شك أن حسن يذكر التفاصيل، كان شرطنا أن نمثل في لجنة الحوار، و في نية الرفاق اختبار قدرتنا على تجاوز خط الاندحار. أذكر صباح اليوم الأول من الإضراب، خرجنا على غير العادة في صف غير منتظم يسمه الانضباط، هاماتنا تلامس الغمام، يغمرنا انشراح كفرحة الأطفال في عودة اليوم الأول للمدرسة، استعدادنا طافح لصد كل احتمال، لم يغب عنا لحظة أنا في قبضة جلاد، الطقس بارد وسلاحهم أن يجردوننا من غطائنا المهترئ، وحد مظهرنا البذلة الخشنة التي يفضلون أن نستر بها عرينا واختلفنا في النعال، عبد الفتاح الفاكهاني يتقدمنا، سلم الرسالة إلى رئيس المعقل و انتشرنا في الساحة ننتظر قدومهم، كنا على موعد مع رفاقنا في الضفة الأخرى، لتجاوز العسف في شق جسمنا وهدر عرى مودتنا، أثناهم شموخنا على شحذ أدوات زجرهم، فاكتفوا ببقر أفرشتنا و بعثرت أشياءنا، لبث الغيظ في نفوسنا، شغب لم ينل من إصرارنا في الدود عن ما يبث الحياة في صقيع عزلتنا صمت مطبق رافق نزالنا، كنا ننتظر الأسوأ، فهاجمنا تجاهل أشقائنا في النضال لوقع خطونا، حقا أنا كن دائما على خلاف، و الزمن ليس لرد الصاع، فحبل الود أوطد من جليد المرحلة، نحن في المدى زمرة رفاق، نتحد في النضال ضد رعونة الاستبداد ،وهم حاصرنا لمدة قبل صفعة البيان، في الأنباء دبجوا حركتنا في سياق غير السياق، لم يكن في الحسبان أن نساق كالقطيع إلى مراعي اليباب، استحضروا قوتهم واستصغروا عنف ردة فعلنا، شجوا صدورنا بشفرة الانفصال، استأجروا حديثا لتحنيط بداءة المهزلة لفنا دوار أعنف من سطوة المخاض، تعددت سبلنا قبل أن نستشف ذؤابة القرار، أقلق قاسم موقفنا، و رشيد عاتبنا، تعاهدنا أن نواصل النزال من موقع المؤازرة، أوصينا الرفاق لطفا بطراوة خطونا، و حذرنا من طيش الركض ضد التيار، رافعنا عن قدسية حقنا في أن لا نمضي إلى منتهى المشأمة . أوراق ثانية رحل محمد الموفق رحل محمد الموفق ، الشخص المتعدد ، الواثق الزاهد المتأفف ، رحل الصبور العنيد المتسامح ، في غفلة منا رحل ، كما سول له شموخه و عزة نفسه رحل، في هذه اللحظة القاسية نستعيد ذكراه ، أيامه الوارفة كما تجلت بيننا ، مناضلا مقداما ، أبا حنونا و ابنا بارا رحل الشريف ، اسمه الآخر في جلبة النضال ، الآن يتذكر رفاق دربه صولة إيثاره و شهامة عطائه ، منذ قدم إلى مراكش وافدا من مدارس بنكرير العتيقة ، حيث كان تمرينه الأول على صياغة لاءات الانسياق و الرفض القاطع للاستكان ، انخرط في فورة المدينة المتأهبة دوما لصد كل شطط الاستبداد ، مدينة كالمرجل على صفيح ساخن ،كان حضوره لافتا في كل نزالات المعاهد و خلفيات الشوارع ، ترصده الجلاد و اقتفى أثره فاحكم وثاقه في المعتقل، حيث قضى عشر سنوات من زكي أيامه، ظل متقدا واثقا من أن الحق ثابت و الظلم زائل، قارع الصمت و الجلاد بصلابة عناده، بسمته الساخرة كانت تقض مضجع القائمين على رصد حركاته و حصر أفق بهجته، جدد معارفه وزاد من قوة صلابته وثبات إيمانه أقبل على الحياة حين استعاد حريته، تفتقت مباهجه و استطاب نسائم الأيام ، فكان سعد و شيماء و أنس، زنابق عفرت رحاب مناه و أعادته الى صفاء صباه ، رحل السي الموفق ، قدسية المبادئ و نبل العطاء ، الحكمة و الاتزان ، تلك سمات شخصيته كما استقامت في ذاكرة زملائه الجمركيين ، لا يخالف وعدا و لا يتمسح بأعتاب خبروا معدنه و اعجاز استقامته ،فاستخلفوه على حماية سر لحمتهم و مثانة وحدتهم ، فكان الخادم الأمين ، الحارس و الحريص على أن لا تمس ذرة من حقوقهم و عزة كرامتهم تطيب الذكرى لتبجيل الوفاء و السمو باللحظة الى مدارج الارتقاء ،بكل ما يليق بشموخ فقيد عاش عزيزا و مات عزيزا ،فهنيئا لوالدته و دويه و رفيقة دربه القانتة الودودة عزيزة ، فتحية تقدير و اجلال للرفاق الذين أصروا على أن تكون هذه اللحظة عربون وفاء و عهد على مواصلة النضال نونبر 2013 أحمد حبشي أوراق ما قبل الاخيرة أنشودة الوداع عن المرحوم عبد الحفيظ الزكريتي الرجل الذي ودعنا مكلوما كان يحمل بسمة دافقة ، يتغنى كالبلابل بيوم مشرق شديد التجلي ، كان يعيش بيننا مزهوا بانتسابه لجحافل الكادحين و يسير شامخا على صراط المناصرين ، رجل شب على العناد و مقارعة الجلاد ، حمل كبرياءه في تفاصيل محنته لحظة اعتقاله ، و ظل على العهد يشد أزر من سار على درب الوفاء ، يقارع السيف بالعبارة ، يحث الناس على الإنعتاق و الدود عن الكرامة الرجل الذي ودعنا منتصبا فوق وخز جراحاته ، كان واحدا من زمرة الواثقين بانبلاج صبح البسطاء و شمس الرافضين ، كان يحمل يقينه في انشراح محياه تدلك اساريره على كل معاني رضاه ، كنا نتحسس وثوقه في تفاصيل صمته و تأهبه الدائم للانخراط في كل فعل نافذ ،علمنا بشموخ هامته و حدة بصيرته ، أن المدى يعج بالآمال الندية البهية ، و أن صراطنا المستقيم لا يحجبه رداد و لا يلفه سرب غمام نقول اليوم أنه علمنا حين مد ساعده ليشد من عضدنا ، أن الحياة بدل دائم و عطاء دافق ،وحرص صادق على أن المرء في المبتدى و المنتهى كرامة و عزة نفس ، إيمان راسخ بأن الناس سواسية ، يسبحون باسم الوطن عن طواعية ، لا يطيقون الإكراه و الاستعباد ، يسترخصون كل غال في الدود عن الحق في صقل الكلام و العيش الكريم فسلام عليه خالدا بيننا ،روحا طاهرة تسكن وجداننا ، يتجلى في أفقنا كلما أشتد أوار الصد لجحافل الردى و صولة الاستبداد ، و عهد ثابت أشهدكم على أننا سنحيا و نموت على ملة اليسار ، بيارقنا قانية ، حناجرنا لاهبة لا تكل في ترتيل أنشودة رحلتنا المفعمة بالأماني و زكي الأحلام ، وطن يتسع لكل العابرين على ناصية أيامه ،يظل بأفنان الحرية كل الأبرار مهما اختلفوا و تآلفوا ، فتحية اكبار و اجلال لكل الذين هبوا لنقف جميعا بقلوب مكلومة و نرتل على وقع المودة و الوفاء أنشودة الوداع لرفيق الباسق المناضل الشامخ عبد الحفيظ الزكريتي. أحمد حبشي / ماي 2013 الاوراق الاخيرة الى الفقيد عبد العزيز مريد أيها الرفيق الباسق هنا أشياؤك الجميلة تعلو فوق هاماتنا ، تدلنا على صراط أيامك و صولات عنادك تعفر صلابة الرفقة و قوة الاصرار ، هي صور تحكي في صمت عن فورة التحدي و جلال التصدي ، تقص تفاصيل أيامنا في حلكة الاستبداد ، تجلي جلد مقاومتنا للرعونة و دناءة الاستهتار ، كان بيرقنا الخفاق أقوى من سيوفهم ، هزلت أجسادنا في مقارعة ظلمهم و كسبنا النزال ، كم كنت شديد البأس قوي العزيمة ، تظللنا قهقهتك الطافحة بالازدراء ، كلما اشتد وطيد حقدهم و استبد بنا الوهن أو مسنا ارتداد اليوم استعيد ذكراك ، رحلتنا المشتركة في درب استعادة الكرامة ، يوم أقر عزمنا على أن ننحاز لجحافل المستضعفين ، ان نمد سواعدنا لتشد من عضد الكادحين ، فكانت مواظبتك على المساهمة في التأطير بالاتحاد المغربي للشغل ، تأخذ حصتك في الحوار التعبوي صباح كل أحد ، تقدم المشورة و توجه النقاش لاستنهاض كفاحية العمال و تعميق وعيهم بقضاياهم الأساسية ، فكان أن نسجت علاقات وطيدة مع بعضهم ، حيث أصبح البعض من طلائعهم أطرا في المنظمة السرية التي كنت أحد مؤسسيها في سبعينيات القرن الماضي لم يطفئ الاعتقال جذوة إيمانك بالغد البادخ لمغرب آخر ، عادل و كفيل بكل مواطنيه ، يحقق الكرامة و يضع حدا للتسلط و الاستبداد ، اختلافك حول السبل لم يخرجك من دائرة الفاعلين المؤمنين بانتصار الديمقراطية و انهيار الاستحواذ و التهميش ، فكنت من الداعين لمواصلة المواجهة من قلب الزنازين و المعتقلات ، سخرت ريشتك لكشف كل أساليب الاضطهاد و ما تعرض له المناضلون من أساليب التعذيب و الاستئصال فسلام عليك فنانا مناضلا ، وظف كل طاقاته الابداعية لتسليط الضوء على ليل مغرب بهيم انهكه الاستبداد و التنطع.