ترجل الرفيق عربي عواد بصمت كما اعتاد خلال سنوات كفاحه السري الطويل في صفوف الحزب الشيوعي، صبيحة السبت ومع إشراقة شمس خجلى تلسع أطرافها برود جبال عمان التي عرفته مناضلا ومطاردا وسجينا رحل القائد الشيوعي الكبير عربي عواد أبا الفهد، رحل بهدوء كما أسلافه الشيوعيين دون ضجيج وصخب، رحل أبا الفهد هذا الشيوعي العتيق المقدود من صخور جبال سلفيت، رحل صاحب العينين السوداوتين والجبين العريض المنبسط كسهول جنين، رحل بعد أن تركت سنوات النضال الشاق في كل مدينة وقرية ومخيم بصماتها في مسيرة كفاحه الطويل، رحل بعد أن حفرت أقبية السجون وسياط الجلادين أخاديدها كخارطة الوطن على جسده الذي أنهكته رحلة نضال طويل امتدت لعشرات السنين على مساحات الوطن وفي المنافي، غادرنا بصمت أبا الفهد رفيق درب من غادرنا قبله سليمان النجاب، وبشير البرغوثي، وفؤاد رزق، توفيق زياد، إميل توما، إميل حبيبي، معين بسيسو، سمير البرقوني، عبد لله أبو العطا، عطا الله رشماوي ، وليد الاغبر، خضر العالم ، احمد دحدول ، راجح السلفيتي ، اسحق الخطيب محمود الرواغ . مات أبو الفهد كمن سبقه من رفاقه الشيوعيين نظيف اليد طيب القلب، رحل رفيق درب من تبقى على قيد الحياة من رفاقنا مناراتنا الاوائل الذين بهم نفتخر وتنحني لهم هاماتنا، رحل كما يرحل الشرفاء من أبناء الوطن تاركا خلفه سيرة نضالية نفتخر ونعتز بها نحن الشيوعيين الفلسطينين، نعتز بها وقد تميزت بالعطاء الثوري غير المحدود في وقت عز فيه العطاء، مسيرة تميزت بزرع بذور قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتضامن الأممي، مسيرة طويلة امتازت بروح الكفاح الباسل لتلك السنديانات التي شمخت بإباء وزرعت فينا روح الانحياز للفكر التقدمي المستنير روح الانتماء والتضحية بغير حدود في مواجهة الاحتلال ومن أجل الوطن وحريته واستقلاله وفي الدفاع عن العمال والفلاحين والفقراء كما زرعت فينا روح الانحياز لحقوق المرأة وحقها في المساواة . رحل أبو الفهد بعد أن كتب مع رفاقه الشيوعيين الفلسطينيين والأردنيين قصيدة الانتماء لهذا الفكر التقدمي الذي نحب كما كتب ورفاقه أنشودة حب الوطن كتبها مطاردا متخفيا في جبال ووديان فلسطين تارة وفي أقبية السجون تارة أخرى، رحل أبو الفهد رفيق الفكر رفيق النضال بعد عمر ناهز الثمانين عاما حافلة بالنضال حتى لحظاتها الاخيرة، رحل ونحن نحبه رغم أننا اختلفنا ولم نكن نرغب بذلك لكنها الحياة فيها من التوافق والاختلاف الكثير، رحل عربي عواد عنا كما يفعل الشيوعيين بصمت ورباطة جأش ينسحبون بهدوء أحياء وأموات، ها هو الرفيق عربي عواد قد رحل ملتحقا برفاقه ومن حقه علينا نحن الذين نغترف من بئر حفره ورفاقه بأظافرهم ما يسعفنا على مواصلة مسيرة الكفاح التي كتبوا صفحاتها الأولى بعرقهم ودمهم . أبو الفهد الذي رحل التقيته وأنا في عشرينات العمر مرات قليلة في بيروت في أوقات حرجة، فقد كان حانيا لكنه كان حاد البصر والبصيرة، اكتب هذه الكلمات وفاء في رحليه وأعرف أن هناك من الرفاق الذين عايشوه يمكنهم قول الكثير. فنحن علينا ألا نكون أقل وفاءا من الآخرين، حتى لو اختلفنا، فالخلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية .