27 أكتوبر 2011 يوم تَرَجَّلَ الفارس الأحمر الذي اغتالني : ليس ربا .. ليقتلني بمشيئته ليس أنبل مني .. ليقتلني بسكينته، ليس أمهر مني .. ليقتلني باستدارته الماكرة لا تصالح، فما الصلح إلا معاهدة بين ندين .. (في شرف القلب) لا تنتقص والذي اغتالني محض لص سرق الأرض من بين عيني والصمت يطلق ضحكته الساخرة ! =أمل دنقل = ماذا نكتب في هذه اللحظة التاريخية ورفيقنا الغالي كمال الحساني قد كتب أكبر ملحمة بطولية بدمه القاني؟ هل للكلمات من معنى أمام ما سال من دمائه حد الشهادة ؟ هل تنجح اللغة في التعبير أكثر من دم الرفيق الشهيد؟ هل نعيد حكاية تفاصيل حدث الاغتيال الذي عايناه فعانيناه كثيرا ولا نزال ؟ أم نذهب رأسا إلى الحديث عن تفاصيل مشواره النضالي الثوري؟ من يتذكر شموخ الرفيق كمال ولا يستحضر قدرته على زرع الأفكار كالخمير في العجين؟ من يمكن أن ينسى وقوفه كقطعة الصبار وكقطعة الزجاج في حلقوم الطغاة والمنتمين لصف النقيض الرجعي؟ هل لزاما أن نكتب لنذكر أن الشهيد آمن بالأفكار الثورية وجسدها ممارسة في أرض الواقع إلى أن غادرنا جسديا؛ ولم يعتبر يوما قناعاته الراسخة رداء ينزع وقت ما ُيشاء؛ وإنما يقوم على الاقتناع المدرك للحياة؟ كيف لنا أن ننسى شارة النصر التي ظل يرفعها وهو في آخر لحظات الاحتضار؟ باختصار شديد: الرفيق كمال الحساني لم يكن رجلا عاديا لذا لم تكن مغادرته لرفاقه ومحبيه وذويه عادية، إنه رفيق مناضل ثوري مخلص لهموم الشعب؛ مكافح صلب عنيد وفي لدرب الشهداء؛ رفيق أحمر يستشهد من أجل الحلم الأحمر والغد الأحمر : إنه الشهيد كمال الحساني. لماذا يصر القلم على محاولة تقديمه وهو فوق كل تقديم أو تعريف ؟ ألأنه لم يُول ما يستحقه من الاهتمام؟ أم لتثبيت مسألة الوفاء وتقدير التضحيات الجسام؟ أم لرفع مطلب كشف حقيقة الاغتيال السياسي الذي تعرض له؟ وهل من أحد في الوطن بحاجة إلى معرفة الحقيقة الساطعة المكشوفة للعيان؟ من يستطيع وقف زحف الأسئلة وتناسلها في معرض الحديث عن ذكرى الشهيد الغائب الحاضر معنا وفينا؟ من يطيق رؤية تهافت من لا صلة له بدرب الشهيد وقناعاته وأفكاره لرفع صوره واستحضار اسمه كمجرد رقم دون التطرق لذكر مساره الثوري ونضاله من أجل الاشتراكية والمساواة؟ من يتحمل عناء كشف الزيف وصون الحقيقة التي لا تقبل إلا أن توجد ثورية من أجل الثورة ودك العبودية والقهر؟ من له أن يتكلم ومن عليه أن يصمت ومن له أن يكتب أمام حدث الاستشهاد ؟ وأي استشهاد ؟ يوم يسقط الشيوعي وسط المعارك الطبقية الضروس لا يفعل إلا ليُعَبِّدَ الطريق نحو استكمال ما تبقى من مهام البناء من أجل تحقيق الضرورة الضاحكة. يقيننا أن كل من سقط في مشوار التغيير الثوري وتمت تصفيته –بمختلف الأشكال والطرق والأساليب والكيفيات- من طرف النظام الرجعي القائم بالبلاد يشكلون أيقونات براقة للغد المشرق وللوطن البعيد، أما في الوضع الراهن فإنهم مصدرا حقيقيا يَغْرِفُ الثوار من عيونهم كل الصمود والمقاومة والمجابهة والإصرار على التحدي لإكمال المسير. إنه الاعتقاد الراسخ الذي لا يقل عن اعتبار مختلف التضحيات التي يقدمها رفاق الشهيد من اعتقالات وعاهات مستديمة بعد التخلص من السجن الأصغر والرجوع إلى السجن الأكبر، مجرد عربون محبة ووفاء لكل الشهداء السابقين واللاحقين، رغم كل الجفاء والمعاناة والتنكر من طرف من يكابد المرء من أجلهم أكبر المشاق وأصعبها، بل وأكثر من هذا وذاك إنه الإيمان التام بالقضية العادلة التي من أجلها ينبغي تحقيق وجود الإنسان وتجسيد إنسانيته : ألًّا يهدأ هذا العالم وينام بثقله على أجساد البؤساء والمضطهدين على حد تعبير أحد الثوار اللينينيين المغاور. من كان يظن أن الطعنات الغادرة التي لم يوجهها سوى محض لص في لحظة نضالية إلى أعز الرفاق أنها حتما ستصيب هذا الكائن الثوري العملاق؟ من كان بمقدوره من الرفاق الحاضرين وقت الهجوم أن يرد تلك الضربات القاتلة أو يتحكم في الحد منها وأبصارنا شاخصة يومها؟ من كان بوسعه أن يستبعد همجية المغول الراهن وهي التي تتوسل أنذل الطرق وأحطها في التصفية الجسدية للمناضلين الأشاوس؟ من يستطيع أن يصفح أو يسامح ممن حضر -على الأقل- جريمة الاغتيال السياسي في حق شهيدنا الرفيق كمال الحساني؟ وكيف نعيد الاعتبار لقيمته ووقعه وموقعه داخل الوطن؟ فلا الانتقام من قيمنا ولا الثأر من شيمنا، وليس بوسعنا سوى الاستمرار في الانخراط الواعي والمسؤول في سيرورة التغيير الثوري بكل ثبات وإصرار رغم القهر ومختلف أشكال المعاناة والحصار والقمع الذي يتعرض له كل صوت ثوري يصدح بالانتماء إلى صف النقيض الثوري، ويرفض توسل عتبات الانتهازية والتحريفية بمختلف أصنافها. إن حضور الشهيد كمال لا يقل في تفاصيله الدقيقة عن حضور كل من سعيدة وزروال، وموعد 27 أكتوبر سيبقى أثقل الأيام وأطولها في بحر كل سنة، لأنه يوم المساءلة والوقوف طويلا عند القضية/الوصية/الموقف/المبدأ/القناعة، فمن سَنُذَكِّر؟ وبم ينبغي التذكير أصلا ؟ ولأن الانتماء إلى الدرب والسير فيه ليس إلا اختيارا تم بكل حب وطواعية، فإنه من غير المعقول إطلاقا النظر إلى الهَوْلًيْن : الاستجداء بمن يتقلب بتقلب الفصول أو اللهاث وراء سراب من يتوهم أنه من طُهْرَانِيِّي عصره وزمانه، وأن لا ثورية إلا ما يراه بمنظاره الخاص. إذ ينبغي التصريح بكل جرأة أن لا موقف إلا موقف الشهيد ولا درب إلا دربه ولا فكر إلا فكره ولا خط إلا خطه، وهو الفيصل والحكم في كل آن وحين. 27 أكتوبر : في مثل هذا اليوم قبل أربع سنوات غادرنا رفيقنا الأحمر بعدما استطاع أن يراكم الشيء الكثير في مشواره النضالي الثوري من أجل إحلال عصر الاشتراكية والمساواة، فانتماؤه لفصيل الطلبة القاعديين يشهد له على الطرح الفكري والسياسي الذي تبناه من أجل المساهمة في خدمة المشروع الثوري بلا كلل، وانضمامه إلى الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين ثم الانخراط الدؤوب في تشكيل اللجان الشعبية، لم يقف حاجزا في تعميق رؤيته الثورية وانكبابه على دراسة مختلف ما ينقب عنه من آثار ثورية لتعميق تلك الخبرة النظرية في ميدان الممارسة السياسية الفعلية، فكانت له مواقف وآراء حكيمة في العديد من المحطات النضالية يصعب علي في لحظة الكتابة عنه وضع كرونولوجيا خاصة بها. الاستشهاد والاعتقال والتغريب والتهجير والنفي هي ضرائب ثقيلة تُقَدَّمُ من عمر خيرة الشباب الشيوعي بهذا الوطن الذي يرفض أن يسير بسرعتين وأن ينقسم أبناؤه إلى صفين متناقضين، فمن أجل تقرير المصير السياسي والازدهار الاقتصادي ومحاربة الاستلاب الثقافي يصرون على شق الطريق نحو التحرر الثوري دون هوادة، وإن تسلل اليأس إلى نفوس الكثيرين، فإن حضور الشهداء يشحذ الهمم ويزيد من صلابة القناعات الثورية لتتحول من جديد إلى ممارسة ميدانية تفتح آفاقا رحبة نحو الانعتاق وبلوغ التغيير المنشود. حقيقة ليس في النضال من ضريبة تؤدى أكبر من الاستشهاد والتضحية بكل شيء، إلا أنه لا يمكننا أن نستصغر قط حجم المعاناة النفسية والجسدية أو ننسى كم من العمر يُقْتَطَع من أسرى الحرب الطبقية وراء القضبان، فالخلود والمجد لكم يركع كل شهداء الحلم الأحمر، وكل التبجيل لورثتهم من المعتقلين السياسيين داخل أقبية سجون القهر والعار. فالأكيد أن لا شيء يثلج صدوركم ويمنح المعنى الحقيقي لحجم تضحياتكم جميعا سوى انتصار العمل المأجور ودك نظام العبودية والقهر والاستغلال. إن إصرارنا على المضي قدما في تحقيق الحلم الذي جمع خيرة شهداء هذا الوطن ومعتقليه من المناضلين الثوريين يسمو فوق كل الألم والمعاناة التي نتجرعها بمرارة شديدة فيجعلنا نؤدي الثمن في صمت مطبق، لكن دون أن ننسى كيف نتلمس الطريق من جديد في أحلك الظروف ونواصل المسير بمزيد من التضحيات الجسام. إنه أقل ما يمكن أن نقدمه لشهدائنا الشيوعيين داخل هذا الوطن الجريح. من يريد أن ينكر أو يتنكر لحجمنا عن التصريح علانية بموقفنا هذا من حدث الاستشهاد عليه أن يراجع من جديد تموقفه الذي لا يخدم سوى أجندة من يرغبون في تسييد الرسمي وتسييجه، لأننا – ببساطة شديدة- لا نزال نُتَابَع بأوضع التهم وأحقرها بلا مناسبة ولا موجب معاينة لما يدعيه النظام الرجعي الجاثم على صدور البسطاء في حقنا؛ مما ينبغي التشهير به من طرف من يدعي مراعاة الحقوق الفردية والجماعية .... إلا أن يقيننا المطلق يسمو فوق نضالات "هم" بلا شك، فأملنا يبقى متوهجا يلمع في عيون الضعفاء والمقهورين من أبناء هذا الوطن الجريح المقطع الأوصال، فوحدهم من سيعطي لنضالاتنا/تراكماتنا : اعتقالات واستشهادات ونفي وتغريب وتهجير؛ القيمة الحقيقية لمجموع هذه التضحيات الجسام ... وعهدنا ووعدنا باق ومستمر أننا لم ولن نراهن قط على الالتفاتات الحقيرة لمن يتوهم أنه يُقَدِّرُ ما عانيناه ونعانيه من اضطهاد مادي وجسدي ونفسي ومعنوي قبل ومنذ وبعد استشهاد الرفيق إلى غاية اللحظة الحرجة لزمننا الحاضر الآن وهنا ... كان من الواجب والضروري أن نلقي أقل أو أكثر من هذه العبارات خلال السنوات الفارطة، لكن وضعنا لم يسمح قط؛ إذ طالما تم مواجهتنا بأحقر السبل –عن طريق تلفيق التهم الواهية- لقمعنا وإخراسنا وإسكات صوتنا؛ من أجل إلهائنا في إيجاد المخرج المناسب لما يتم نسبه عنوة لنا من غير وجه حق ... فلا للإطراء ولا للمجاملة نخط هذه العبارات اليوم وإنما لنقول كلمة حق في رجل حق ليس أقل ولا أكثر، ومهما حاولنا وكسبنا شرف المحاولة فإننا سنظل دون مستوى التعبير عن ما يخالجنا من مشاعر حقيقية تجاه ما ورثناه من مشوار وخطى الشهيد كمال الذي لا تزال عيناه مفتوحة على الوفاء والغدر، على الإخلاص والخيانة في الآن ذاته... بالقدر الذي لا يزال يرابط غضبنا في الممر الضيق جدا بين الخيانة والأمانة ... فليحذر الجميع غضب المعتقل/ غضب الثوري المخلص ... حليم البقالي –رفيق الشهيد كمال الحساني