يعتبر التطرف من الظواهر الخطيرة التي أضحت تلفت الأنظار في شمال افريقيا والشرق الأوسط، كما تؤثر وتتأثر من ظواهر أخرى. وأطلق العلماء قديما كلمة التطرف الديني على القول المخالف للشرع وعلى الفعل المخالف للشرع. إذ هو فهم النصوص الشرعية فهماً بعيداً عن مقصود الشارع. فالتطرف في الدين هو الفهم الذي يؤدي إلى إحدى النتيجتين المكروهتين، وهما الإفراط أو التفريط. ويستخدم مفهوم التطرف في الإشارة إلى الخروج عن القواعد والقيم والسلوكات المجتمعية المتعارف عليها، مما قد يؤدي الى العنف في شكل فردي أو جماعي منظم بهدف زعزعة استقرار المجتمع وفرض الرأي الآخر بصفة إجبارية. وهنا قد يتحول التطرف من فكر إلى نشاط سياسي غالبا ما يلجأ إلى إستخدام العنف لتحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفكر المتطرف أو اللجوء إلى إرهاب نفسي أو مادي أو فكري أو جسدي، ضد كل من يقف عقبة في طريق تحقيق ذلك الهدف. وإلى وقت قريب، كان يُنظر إلى التطرف العنيف والتعصب والإرهاب في الغالب أنه مقتصرا على الذكور مع التغاضي عن مشاركة المرأة. ومع ذلك، فإن تطرف المرأة ومشاركتها في المنظمات الإرهابية لا يكاد يكون ظاهرة يستهان بها، كما تزايدت الهجمات المتطرفة التي ترتكبها النساء، وانضمامهن للجماعات الإرهابية أصبح يثير الكثير من الإهتمام والتخوف. فالمرجعية الأكثر شيوعاً كثيرا ما تشير إلى الإنتحاريات من الإناث، ولكن هذه ليست الوظيفة الوحيدة التي تشتغل بها النساء في صفوف المنظمات الإرهابية، حيث يُسند إليهن أدوار أخرى ك:التجنيد، القيادة التنفيذية، اللوجيتسيك، أو تقلد مهام القادة الإيديولوجيين أو السياسين. ودور المرأة في المنظمات الإرهابية حتى نهاية القرن ال20 إتسم في الغالب بتقديم وظائف الدعم للذكور، كجمع المعلومات الإستخبارية أو تقديم الرعاية الصحية. وعلى الرغم من أن النساء قد لا تزال تأخذ هذه الوظائف فهناك تحول نحو مشاركة أكثر تطرفا وتوطدا للنساء. ومن الأسباب التي قد تجذب النساء إلى التطرف، الإنتقام لأحد افراد الأسرة ضد من ينظر إليه على أنه المسؤول، ويمكن أن يكون عاملا على تحفيز الانتحاريات من النسا . والإغتراب الاجتماعي في المجتمعات، حيث يتم تهميش المرأة بسبب التمييز بين الجنسين أو عدم وجود حقوق قد تكون نقطة الإنطلاق في جذب النساء للمنظمات الإرهابية الذين يقدمون لهم الشعور بالانتماء أو حتى بالتفوق. وقد بدأت الحكومات تدرك جيدا الدور الهام والكبير الذي يمكن أن تلعبه المرأة في مواجهة التطرف العنيف، واستثمار هذا في استراتيجيات وبرامج لتمكين المرأة، وكذلك الحد من احتمال وقوعها كفريسة للتجنيد في المنظمات الإرهابية، وحث النساء أنفسهن للقيام بنشاط لمواجهة التطرف العنيف. و لمواجهة التطرف العنيف يمكن للحكومات نهج استراتيجيات محورية ترتكز على تمكين المرأة ابتداء من محاربة الفقر والتهميش وانعدام الفرص الاقتصادية التي تعد من العوامل الاساسية التي تدفع بالنساء إلى التطرف والتطرف العنيف. وقد استجابت الحكومة المغربية من خلال تحديد سبل واتخاذ بعض التدابير لزيادة وكالة المرأة وتحسين نوعية وسبل معيشتها، مما يقلل من امكانية تورطهن في التطرف والارهاب. وتشمل هذه التدابير إنشاء برامج القروض الصغيرة، وزيادة إلتحاق الفتيات بالمدارس وخلق سبل معيشية أفضل من خلال الإشغال في معامل الملابس. في المغرب، حيث يؤدى الفقر أيضا إلى تفاقم التطرف، نفذت الحكومة عدة تدابير لمكافحة التطرف، والحد من وضع الفوارق بين الجنسين وإدماج المرأة في المجتمع. إذ في عام 2004، تم إدخال بعض التعديلات والتنقيحات على قانون الأسرة، والذي يهدف إلى تعزيز المكانة الاجتماعية والاقتصادية للمرأة. وفي عام 2005، أطلقت الحكومة برنامجا ناجحا لبدء التصديق على وجود الأئمة من الاناث ويعرف ب"مورشيداتيس"، وهو الهادف إلى تشجيع الإعتدال الديني والتسامح للحد من التطرف. وحتى الآن هناك أكثر من 500 من العاملين في البرنامج يتم تعزيز وتوسيع نفوذ عملهن الآن في السجون ومع الشباب والنساء في المجتمعات. وعلى الرغم من أنه من الصعب جمع إحصاءات ملموسة محددة بشأن آثار هذه المبادرات على احتمالات تطرف المرأة وتجنيد النساء فى الجماعات الإرهابية، فإنه يظهر جليا نجاح مخطط مكافحة الارهاب بالمغرب، إذ إحتل المركز (17) في مؤشر الإرهاب لرؤية الانسانية، الذى يعمل ويعتمد على البيانات الصادرة من مؤشر الإرهاب العالمي لمعهد الاقتصاد والسلام. (المؤشر يقيس الدول بدءا من الدول الأكثر تضررا من الإرهاب من أعلى إلى أسفل)، وبحلول عام 2011، فقد تم تحسين ترتيب ومركز المغرب إلى (39) من بين 158 دولة. إشراك المرأة في عمليات صنع القرار، لا سيما فيما يتعلق بتطوير السياسات والاستراتيجيات في المبادرات الخاصة بمواجهة التطرف ومكافحة الارهاب، أضحى ضرورة حتمية، خصوصا وأن إدماج المرأة في مثل هذه القرارات هو اعتراف بدورها الاستراتيجي في مواجهة التطرف لما لها من مكانة محورية رئيسية في الأسر والمجتمعات المحلية، بإعتبار أن المرأة هي الخط الأمامي للدفاع والوقاية من الإرهاب المتطرف، نظرا لموقعها الاستراتيجي الفريد في قلب الأسرة. وجاء في تقرير عام 2006 الذي أعده المقرر الخاص للأمم المتحدة حول "تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب" أن الجماعات الإرهابية ستستمر في تجنيد الأفراد المهمشين (الذين هم غالبا من النساء) مع وعد بحياة أفضل. كما يوضح المقرر الخاص أنه من أجل الحد من جاذبية الجماعات الإرهابية، فمن المهم أن الحكومات والأطراف المعنية تقوم بتعزيز دور المرأة والأطفال، وتلبية احتياجاتهم وحماية وتعزيز حقوق الإنسان من أجل تحسين وضع حياتهم. مع أخذ هذا في الحسبان، وأن حقيقة الأثار المشتركة التي تدفع النساء الى الانضمام إلى المنظمات الإرهابية يمكن أيضا أن تكون مرتبطة بانعدام الحقوق وعدم المساواة ما بين الجنسين، فلابد من بدل المزيد من الجهود لتمكين المرأة من خلال آليات لتعزيز الفرص التعليمية والاقتصادية والمهنية للنساء والفتيات. وهذا ليس فقط كإجراء لمكافحة الإرهاب ولكن في حقهن الذاتي كحق من حقوق الانسان و المواطنة الكاملة. وعلى وجه الخصوص، يجب أن يرتكز الاهتمام على المناطق الفقيرة والريفية ومناطق النزاع، بإعتبار أنها تشكل أرضا خصبة للإرهاب، ويكون تجنيد المتطرفين المحتملين أقوى، مع ضرورة إشراك هيئات المجتمع المدني لما لها من قدرة اكثر على الوصول المباشر إلى الأفراد. وقد شدد مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 1325 على دور المرأة في بناء السلام والامن، وعلى ضرورة المشاركة المتكافئة والتي تقوم على قدم المساواة للمرأة وكذلك مشاركتها الكاملة في جميع الجهود الرامية إلى صون وتعزيز السلام والأمن. يمكن القول إن مشاركة المرأة يجب أن تكون متكاملة ولها نشاط في مبادرات مكافحة الارهاب، والتي تشكل جزءا من جدول الأعمال الشامل لحفظ السلام والأمن. مع ضرورة إشراكها في عمليات صنع القرار المتعلقة بتعميم وتنفيذ وتقييم السياسات والاستراتيجيات الخاصة بمكافحة الارهاب، وتجاهل المنظور الجنسي في اجراءات وتدابير مكافحة الارهاب، من خلال دمج وإدخال مقاربة النوع في تصميم السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بمكافحة الارهاب و تنفيذها. *لبنى أمحير: مهندسة دولة ونائبة برلمانية