معالم تحتضر وبرامج تسوف وتنتظر ذ. احمد بن المقفع الهاشمي المدينة العتيقة الرباط مقدمة من المظاهر الحضارية التي تنطق عبر تاريخ الأمم والشعوب بما لها من ماض تزخر به، المآثر والأطلال المختلفة التي بقيت مستعصية على العوادي، ناطقة بذلك الماضي، تروي بصمت أن ههنا كانت حضارة ما، وأمة بنت مجدا يوما ما. وترى اليوم الشعوب تتسابق للحفاظ على تراثها، وتتفانى للإبقاء على آثار مجدها وتراثها، بل وتسعى للحفاظ على كل تراث بشري، وإرث إنساني، باعتبار أن ما أبدعه الإنسان إرث لكل إنسان! والمغرب يزخر بالآثار، ومظاهر المجد والازدهار بما يحق له به أن يرفع الرأس عاليا، ويميس بذلك بين الناس زاهيا، لما له من تاريخ تنطق على علوه بقايا التراث المبثوث في شرقه وغربه، وشماله وجنوبه؛ فحيثما وليت عثرت على ما يعرفك أنك بين يدي شعب له ماض عتيق، وتاريخ عريق!! وأن أبناء اليوم هم أبناء أناس بنوا للحضارة حضارة، وأسهموا في التاريخ بتاريخ، وضربوا بسهم وافر في البناء والتشييد. ولكن؛ يا للحسرة ما أن تلقي نظرة على تراث أولئك الأجداد الذي تشد إليه البشرية الرحال من كل أقطارها، ويصرف آلاف بل ملايين السياح الكثير من المال للظفر بطلعة منه، ولحظة للتعرف عليه، بالمقابل نجد الأحفاد يطمسون معالم ما بناه وخلفه الأجداد، وَوَرثةُ هذا الكنْزِ الثمين، يبعثرونه عن الشمال وعن اليمين!!! وتختلف مظاهر الاحتقار والدمار الذي يتهدد ذلك الماضي العتيد، وبقايا تاريخنا المجيد من مدينة لأخرى، بل ومن مكان إلى مكان، حسب وسائل الهدم، ومعاول الدمار البشري اللامسؤول الموجودة فيه، وسأكتفي بالكتابة عن نموذج قريب مني، أدري خفاياه، وأسمع أناته ومعاناته كل يوم كل ساعة بل كل دقيقة، من خلال ما يتعرض له من إهانة وإتلاف، وما يتهدده لو بقيت دار لقمان على حالها من نهاية وموت! المدينة العتيقة لعاصمة المملكة تتعرض للتفريط طيلة أربع وعشرين ساعة أجل، إذا كانت المدينة العتيقة لمدينة الرباط تتميز بجملة من الأبواب التي كانت أبوابا حقيقة ومجازا، فمن لا يعرف أحد المداخل الرئيسة للمدينة العتيقة، المعروف ب"باب البويبة"، الباب الذي -كما ذكر بعض المؤرخين المغاربة - مدخل السلطان الأعظم المولى سليمان، ذلك المدخل الذي ما أن تتجاوز فيه بعض الأمتار، حتى يستقبلك مسجد المولى سليمان الأعظم بشموخه، وعزته وكرامته، ليحييك من التاريخ بتحية الإسلام، كما أثث المدخل بجملة من الدكاكين المختلفة عن اليمين والشمال، إلى أن تصل إلى التقاطع مع زنقة "السويقة" التي يدل اسمها على أنك أساسا في مكان خاص بالتموين المختلف، فتجد ثم كل ما يحتاج الناس من أكل ولباس، ثم شارع سيدي فاتح الذي يسمى بشارع رجال الصف لكثرة أضرحة الأولياء والعلماء وفي مقدمتهم شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي دفين ضريح مولاي المكي رحمهم الله أجمعين! من أمام ضريح ومسجد مولاي المكي وكان بإمكان المسؤولين عن إدارة الشأن العام، والسلطات المحلية أن تحيط هذا المدخل الذي يبتدئ بثلاثة أضرحة يتوسطهم مسجد الملك العالم مولاي سليمان إلى أن تصل إلى ضريح سيدي فاتح، وسائر المداخل الرئيسية للمدينة بكاملها بما تستحقه من نظام يعكس ما يستوجب من تقدير لها واحترام!! من خلال تقنين المداخل، والسهر على نظافتها، وإحاطتها بكل المقومات، ومدها بكل المستلزمات، إلا أن شيئا من ذلك لم يكن، بل وكأن المسؤولين كانوا على موعد مع كتاب الأضداد! في تأثيث هذه الأبواب والمداخل التي تمثل المعالم الرئيسة للمدينة العتيقة لعاصمة المملكة! ساحة مسجد مولاي سليمان السابعة صباحا ساحة مسجد مولاي سليمان السابعة مساء إن خرق القانون هو السمة البارزة في هذه المنطقة طيلة النهار. ويدخل في ذلك جملة من الدكاكين الغير المرخصة، في مدخل باب البويبة مثلا والذي أصبح عبارة عن سوق من أسواق البوادي بعد ما كان مدخلا خاصا لتجارة الذهب والأثواب والذين تتعرض تجارتهم للإفلاس يوما بعد يوم، هده الدكاكين تشوه مدخلا رئيسا من المداخل الأثرية، ومنفذا مهما لساكنة المدينة، ومدخلا مفضلا للسياح الأجانب وننتظر-كما هو المعتاد- أن تحل بنا كارثة من الكوارث، بسبب دكاكين لا تتوفر على المتطلبات القانونية لا من ناحية الأمتار المخصصة للمطاعم ولا من ناحية النظافة حيث يتطاول أصحاب هذه الدكاكين المكتراة بأثمنة خيالية على الطريق العام ومنع الساكنة من المرور إلى أماكن سكناهم، ووضع قارورات الغاز في وسط الطريق مع الروائح المنبعثة والتي تزكم الأنوف، عندئذ نتحرك ونتابع ونلوم..! بدل أن نبادر بقطع الداء من أوله، ونجتث الضرر من أصله!!!! باب البويبة مدخل مسجد المولى سليمان صباحا ولا يخفى أن الزحام الذي تتسب فيه هده الدكاكين باحتلالهم الطريق العام وكذلك عربات البيع المختلفة، والفراشة والتطاول على الطريق العام من طرف أكثرية التجار، ابتداء من باب الجديد والسويقة بدعوى منع الفراشة من أمام متاجرهم، يولد ازدحاما زائدا عن الزحام الطبيعي بين الناس، وخصوصا في المداخل الرئيسية كشارع محمد الخامس "الجزاء" وساحة السوق المركزي وباب البويبة وباب الأحد أمام مرآي السلطات المعنية وباتفاق القواة المساعدة وهو ما يكون بيئة خصبة، وظروفا مثالية للصوص الجيوب، الذين يعيثون في أموال الناس فسادا ! اصحاب العربات، وإغلاقهم لمنفد من المنافد الرئيسية لساكنة المدينة العتيقة باب البويبة الساعة السابعة مساء هذا وما أن تخف حركة الناس مساء شيئا بعد شيء، حتى يحل نوع آخر من الباعة متفلت كسلفه من كل رقابة، وله زبناء الليل الخاصين، ونظرا لأن أغلب هؤلاء ليسوا من ساكنة المدينة العتيقة، إضافة إلى المتسكعين والمتسولين المحترفين و"الشمامين"... فلا يحتاج المرء إلى كبير ذكاء ليدرك المخاطر الأمنية التي يتسبب فيها هؤلاء. إن المركز اليتيم المتواجد ب"باب الجديد" بشرطي واحد أو اثنين ليلا عاجز عن تغطية المدينة بكاملها خصوصا في الساعات المتأخرة من الليل، هذا من جهة، كما لا يخفى ما يتعرض له من سولت له نفسه من المواطنين والمواطنات المحترمين من سكان المنطقة، أن يتأخر ليلا لسبب من الأسباب ويضطر للمرور من هناك، فلا يستقبل سوى بباقة من العبارات التي تتفنن في صياغتها أخلاق هذا الصنف من الناس. ومن جهة أخرى فالتصميم الذي أخذته على عاتقها الجهات المعنية "المجلس البلدي " قصد إصلاح المدينة العتيقة، والتي لا تزال آثار عدم حسن الاختيار فيه بادية، وهو أمر طبيعي بما أن المسؤولين عن تدبير الشأن العام هناك تجاهلوا آراء أهل الدار، من سكان ومهنيين وتجار، وانفردوا بأخذ القرار، فنزعوا الطوارات والأرصفة التي كانت مانعا لعدم التطاول على الطريق العام فأغرقوا المنطقة بأكوام من التراب، وبقايا الهدم والتدمير والخراب، فضلا عن سوء اختيارهم لنوعية الفراش المؤثث "الزليج"، وسوء تخطيطهم لما ينبغي أن تكون عليه المدينة العتيقة، بل لم يأخذوا بعين الاعتبار بعض ما يمكن أن يحصل من كوارث، كالفيضانات والحرائق، بحيث لو-لا قدر الله- حصل شيء من هذا فليس من ممر ممكن للتدخل، مما يعرض الساكنة للموت المحقق إلا أن يشاء الله، ناهيك عن أعطاب الواد الحار المتكررة الذي تم إصلاحه زعموا!! شارع سيدي فاتح بعدما نزعت منه الطوارات والأحجار التقليدية (les paves) أما السور الأندلسي"نسبة إلى المسلمين الأندلسيين الذين فروا بدينهم من بطش المسيحيين مع بداية القرن 17م" والذي يمتد من باب الأحد إلى سيدي مخلوف المجاور لقنطرة مولاي الحسن، مرورا بباب الملاح فقد أصبح التطاول عليه مسألة سهلة، ففتحت فيه الأبواب واستغل للتجارة وبنيت فوقه الأبنية مع العلم أن القانون لا يجيز ذلك بل لا يجوز الاقتراب منه بعدة أمتار سواء من الداخل أو من الخارج، فأين هي مصلحة المحافظة على المآثر، وهل هذا هو التدبير المنشود، أم هو التدمير المقصود؟! وبدل أن نسير خطوات إلى الأمام، رجعنا أعواما إلى الوراء. استغلال السور الأندلسي الممتد من باب الأحد إلى سيدي مخلوف اما السور الممتد بين باب الملاح وقنطرة الحسن الثاني فقد بني فوقه لقد أصبح تموين الباعة بالمواد التي يستوردونها إلى متاجرهم تحمل إليهم عن طريق العربات التقليدية والحمالة، وكذلك نقل المرضي والمسنين من الساكنة، مع وضع إشارات منع الدخول في كل الأبواب، ووضع حواجز حديدية في غياب منطقة خاصة لشحن وإفراغ البضاعة المختلفة، فرجعوا بنا عشرات السنين إلى الوراء، وهو تقدم فريد من نوعه!! إن المدينة العتيقة التي كتب في حقها كبار الأدباء والشعراء، وتغنوا بمعالمها ومآثرها من مساجد وأضرحة ودور بنيت على النمط الأندلسي الرفيع، أضحت تتوافد عليها ساكنة من نوع خاص، ليست لها تقاليد وأعراف أبناءها فأصبحت بعض الدور التي كانت تسكنها عائلة واحدة تكترى غرفة غرفة، الشيء الذي عرض هذه الدور التقليدية الجميلة إلى فنادق غير مرخصة خارجة عن الرقابة الأمنية، وكذلك في غياب الرقابة القانونية أصبح البناء العشوائي سمة واضحة للعيان ، إذ ما معنى أن يرخص أو يسكت على الطابقين والثلاث طوابق في أزقة لا يتعدى عرضها المترين أو الثلاثة. صومعة مسجد السلطان مولاي سليمان وباب البويبة و يترتب عن هذا الاكتظاظ الغير المنظم والتجارة الغير مقننة ابتداء من مداخل المدينة إلى أقصى شارع بوقرون وما أدراك ما شارع بوقرون، والذي أصبح بقدرة قادر سوقا للسمك والخضر بعد ما كانت تعتبره الساكنة من أرقي الأزقة والشوارع وأنظفها، ويوم كان مقصدا للتبضع بأرقى الأثواب والقفاطين، فيترتب عن كل هذا، الأزبال المنتشرة هنا وهناك، في غياب مطارح خاصة لجمع الأزبال، ومثال على ذلك مدخل باب البويبة وزنقة الطاجين، وجل أبواب المدينة. باب الجديد أمام السوق المركزي، السابعة صباحا إن المدينة العتيقة في واقعها الحالي صورة بارزة من صور الموت البطيء الذي يسير إليه تراثنا الحضاري، علما أنه كما جاء في المقدمة، ينبغي الحرص على التراث من الدمار، وإنقاذه من الاحتضار. فاين نحن مما كتب وألف حول هذه المدينة من كتب ومؤلفات!!! يقول صاحب كتاب الاغتباط المتوفى سنة1345ه : والحاصل أن بناء الرباط هو من الأعاجيب التي أجراها الله تعالى على يد السلطان الأعظم، "يقصد المؤلف يعقوب المنصور ألموحدي" الدالة على اتساع دائرة فكرته، إذ قلما توجد مدينة على تلك الصفة إلا وواضعها رجل عظيم حاضري حكيم.......ولقد بنى بها الأندلسيون القصور والدور والحمامات وبهم تمت عمارتها وقصدها الناس من القبائل والمدن القريبة، وهي اليوم من أعظم أمصار المغرب وأحسنها بناء وأفسحها فناء، وأكثرها سكانا وأرفعها مكانا، وأبدعها جمالا، وأعدلها كمالا، وأعمرها أسواقا، وأكثرها إنفاقا، وأوسعها تجارة، وأكملها عمارة، جمع بين أسباب الدين والدنيا والعلم والفتيا والوعظ والخطابة والتأليف والكتابة، وذلك كما قال الشاعر: بها ما شئت من دين ودنيا...........وإخوان تناهوا في الكمال والسبب في تسمية الرباط رباطا، لأنها كانت رباطا لجيوش المسلمين وملوكهم، وبقي هذا الاسم يطلق عليها بعد بنائها، وقيل فيه رباط الفتح تذكارا للفتح الأندلسي الذي كان بناؤه من غنائمه. ويزيد رحمه الله قائلا: متى قلنا أن المآثر والآثار القديمة هي زينة البلاد المتمدنة وحيلة المدن المتقدمة نجد مدينة الرباط في الصف الأول بين المدن المغربية، نظرا لما اشتملت عليه من المعالم والمآثر كعبة قصيد الشاعر والواصف، وصارت صورة صفحة ريشة الرسام، وعبرة للناظر المعتبر، تلك الآثار التي يكون بها للرباط حق الفخر إذا افتخرت كل فتاة بابيها وكل أمة بماضيها، وما من أمة إلا ويعجبها الفخر. ويزيد قائلا : وكيف لا وأثار الأسلاف هي للأخلاف بمثابة مرآة صقيلة يرى فيها اللاحق صورة براعة السابق، فيدرك منها مقدار ما بلغه من التقدم والحضارة والعمارة، وما كان له من قوة الفكر واليراع في سبيل الإبتداع والإختراع. إن آثارنا تدل علينا ...........فانظروا بعدنا إلى الآثار "انتهى بتصرف كلام صاحب كتاب مقدمة الفتح من تاريخ رباط الفتح"
شارع سيدي فاتح ولِما آلت إليه هذه المدينة العتيقة من مآل، وما طالها من فوضى وإهمال، استنجدنا سكانا من ابناء المدينة العتيقة الذين لا زالوا ملتصقين بدور آبائهم وأجدادهم، وتجارا وحرفيين محافظين على حرف وتقاليد أسلافهم، بجميع من ظنناه يرفع عنا الضيم، ويوقف الخراب الذي تتعرض له المدينة العتيقة؛ إذ باتت تفتقر إلى أبسط المرافق العامة الضرورية، فالأزقة والممرات أصبحت مكتظة بالباعة الوافدين من كل حذب وصوب، فأغلقت كل المنافذ والأبواب باستغلال الممرات والأزقة بالترامي على الطريق العام، بعد التبليط الغير المعقلن بالزليج الغير اللائق والذي لا يتلاءم مع البناء التقليدي للمدينة العتيقة لعاصمة المملكة وحسرتاه. شارع محمد الخامس الجزاء من هنا مر محمد الخامس رحمه الله بمعية عدة قادة، جمال عبد الناصر، وخرتشوف رئيس الإتحاد السوفياتي سابقا، وعدة رؤساء سابقين. كان ذلك لما كانت المدينة العتيقة من أجمل المدن المغربية إن لم نقل أحسنها وأبهاها، وقبل أن تقلع الأرصفة ( الطوارات)، وتدك المدينة بكاملها بأطنان من الأتربة والزليج الغير اللائق، بعد نزع الأحجار التقليدية كما هو الشأن في سائر المدن العتيقة، وخصوصا الأوربية منها. فمدارس كثيرة تخرج منها الرعيل الأول أغلقت أو صارت خرابا، ومساجد كثيرة خربة يرثى لها، ومعالم تاريخية على غرارها، فالتخطيط العشوائي لم يبق إلا آثارها كما تم التطاول على بعض الأضرحة والمدارس، والمستشفى الوحيد داخل المدينة ففوتت للسكن، وإزاء كل هذا الخراب كانت نداءاتنا كصيحة في واد، أو نفخة في رماد، بل فوجئنا بإقدام من بيدهم تدبير هذا الشأن على مشاريع تتحول بها المدينة إلى مقبرة للمعالم التي خلدها الأجداد والآباء، وسجنا مغلقا تتكدس فيه الأشياء، ويختنق به الأحياء، فثمة مشروع كبير، وتخطيط خطير، بدأ بتضييق وخنق الشرايين التي تتنفس منها المدينة العتيقة الزاد، وتستنشق بها الهواء، فانتقل التخطيط إلى وصد الأبواب، بدءا بباب الأحد، وباب البويبة الذين أغلقوا حقيقة، لتتبعهم أبواب أخرى لاحقا، على أن ما لم يغلق حقيقة أغلق حكما، ليزداد الوضع تأزما. وأخيرا فكلما زار المرء بلدا من البلاد التي لها حضارة تؤثر، وتاريخ يذكر إلا وجده محافظا على رسوم تلك الحضارة، حريص على عرضها بمهارة، تتصاغر في عيون الناظرين عنها القصور، وتغار منها الدور، وتسكن لرؤيتها الأرواح، ويخف لزيارتها السياح، وتكون مرآة من الماضي للحاضر، ومرتع العيون والنواظر. ومن لم يزر تلك البلاد، يجد في صورها ما يفرض عليه احترام أهلها من الأحفاد، لبرهم بما شيد من سبقهم من أجداد، مما يهزه إعجابا بها، ويسلكه ضمن المغرمين الراغبين في زيارتها. فاحترام التاريخ الغابر يفرض احترام الحاضر. وأما إذا رأيت بلدا لبست فيه المآثر الحضارية ثوب البلى، وتعطلت من الحلى، وصارت دارا شاهد اليأس منها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر، فتلك أمارات العقوق، ودليل تفريط في أحق الحقوق، فافهم أن الأبناء لبسوا غير ثياب الآباء، والأحفاد غير جديرين بأولئك الأجداد، ومن نظر إلى حال تراثنا "والصور تغني عن التعليق" لا يجد كبير عناء في الحكم علينا إن كنا من البارين بتراثنا أم من العاقين. لقد تمت عدة اجتماعات من أجل هذا الشأن، مع كل المسؤولين عن الشأن العام للمدينة العتيقة، ابتداء من السيد الوالي والسيد العمدة إلى أخر مسؤول ، كما رفعت جملة من الملاحظات والملتمسات وكتبت عدة شكايات، إلا أننا يمكن أن نجمل ما رد به ممثلو السلطة في عبارة واحدة نحسنها جميعا، وهي "العين بصيرة واليد قصيرة" ولم يبقى لنا إلا اللجوء بعد الله تعالى إلى مولانا أمير المؤمنين وحامي الوطن والدين، إذ نلجأ متشفعين بعد الله لجلالته، وراجين عطفه ولاجئين إلى معروفه، ليرفع عنا الضيم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من معالم تاريخ المدينة العريق لمملكته، مما تتعرض له من تجفيف للعروق، وما يهجم على صفحتها من الخروق، فلا صرف عنه أمل الآملين، ولا وجه إلى سواه آمال الطالبين، وأبقاه ذخرا لنا أجمعين، وحفظه وولي عهده وسائر ذريته في الأولين والآخرين.