توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث مع الصورة: سبعة رجال بمراكش وسبع سقايات بتارودانت


مادة مشتركة: علي هرماس/ مروان تومنار
ظل الانسان على الدوام مرتبطا بمنابع الماء حيثما وجد، وجدت معه الحياة، هو سر آية أودعه الله في هذه المادة الحيوية " وجعلنا من الماء كل شيء حي" بل الانسان نفسه "خلق من ماء دافق" ، لهذا في جميع أحوال الزمان والمكان يعمل الانسان جاهدا على تحقيق مطلب الحفاظ على الماء للحاجة وتعهده بالنظافة
الدائمة وحسن تدبير استغلاله بشكل أمثل ومعقلن وهو ضرورة شرعية قبل أن يكون مطلب اجتماعي. عُرفت تارودانت مند دولة السعديين بل ربما قبل ذلك بجريان دائم لأربعة سواقي ضخمة تعد في الواقع أخاديد مائية، هي تافلاكت من مشيدات المهندس السعدي الفلاكي وترميم اسمنتي فرنسي تنساب شمالا بباب الخميس ثم داخل سور المدينة لتخترقه عند نقطة "الخريجات" قرب باب اولاد بنونة، ثم ساقية تملالت كان مجراها جوار سور القصبة وتخترقه بمحاذات باب السلسلة ، مقطع منها عملت فرنسا على تشييد مجراه تحت أرضي بالخرسانة ما بين دار البارود مرورا بالشارع العام أمام مدرسة عبد الله بن ياسين وعمارة السميدة وصولا الى "تبحرين" بدرب الخيرية لتتفرق بعدها مصاريف مائية صغيرة لسقي الأجنات والعراصي وسط المدينة حتى سقاية سيدي وسيدي بحومة تركالت ملالت، وتوجد وثائق فوتوغرافية تاريخية وتدوينات عدلية حبسية وظهائر سلطانية لها، ثم ساقية تفوكت وساقية تارغونت خارج باب الزرقان جنوبا لسقي أملاك الزياتين والأفدنة الفلاحية، أربع سواقي ضخمة تحمل أسماء حرفها الأول والأخير تاء مما يحيل على مدلول أمازيغي وحارة وباب سمّيا على ساقيتين مما يفيد قرينة تواجد المجرى المائي قبل الموقع المكاني.
السِّقَايَةُ منشأة معمارية تقوم باستقبال وجمع وتخزين وإعادة توزيع المياه التي تأتيها من المجاري المائية الطبيعية، وهي اسم مكان مؤنث يفيد حرِفَةُ السَّقَّاء وهو من يحتَرفُ توزيع الماءِ على البيوت أو تقديم الخدمة للعموم ، والسِّقاءُ يكون للبن أو الماء والقربة تكون للماء خاصة تصنع من جلد الماعز ، أما استعمالات الماء في الغالب الأعم ثلاث : الشرب والتوريد ثم الغسل وأخيرا الري بالفيض أو الرش، لجمع الماء وتحديد مكان عام لسقيه عند الحاجة والضرورة، شيدت بتارودانت مند أمد غابر أربع سقايات موزعة حسب التجمعات السكانية المذكورة في المدونة السابقة وهي سقاية رْبع القصبة وسقاية رْبع أم الأحباب وسقاية رْبع جامع الكبير وسقاية رْبع الزاويات بسيدي وسيدي، وهو تأكيد لدور هذه السقايات بتارودانت في الحفاظ على الأمن المائي ونشر قسمات الحياة والبركات، كما يمكن اعتبار السقاية نافورة وسط فناء رياض سكني او فناء جامع أو مجرد حوض يسقى منه الماء بالغرف أو الجدب بالحبل.
ارتباط السقاية بالحياة العامة في بعض الأحياء العتيقة بالمدن المغربية جعل الدرب ينسب الى السقاية كما هو حال درب السقاية في حومة جامع الكبير بتارودانت ودرب السقاية بمراكش يسار الداخل لرياض الزيتون القديم من جهة ساحة جامع الفنا ، أو العكس، السقاية تنسب الى الحارة الحرفية كما هو حال سقاية الخرازين بتارودانت وسقاية سوق العطارين بفاس تؤرخ للعهد المريني . بشفشاون سقاية مشهورة عند أهل المنطقة باسم "ما فوق ما" وبمراكش سقايات عديدة أشهرها سقاية "شرب أشوف" من عمارة دولة السعديين تتميز بزخرفة راقية غنية وعريقة في الاصالة، بمكناس سقاية "سبع عنابب" غير بعيدة عن صهريج السواني الأثري، في الرباط سقاية "المارستان العزيزي" بالسويقة ما بين مسجد مولاي سليمان وباب الملاح ،،، هذه السقايات بأسمائها تعد بحق خاتم فوق طابع فوق ظرف بريدي يحدد للسائح المحلي قبل الأجنبي مكان عنوان هوية أثرية تاريخية مغربية أصيلة، الشيء الذي يتطلب منا جميعا كرودانيين غيورين على تراثهم المحلي أن تتظافر الجهود ونفكر بجد لرد الإعتبار للسقاية اليتيمة المتبقية بالمدينة بمدخل القصبة السلطانية التاريخية، وهو أيضا من صميم عمل جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالبيئة وما أكثرها بالمدينة، بل منها التي تتبنى الحفاظ على الثقافة والتراث لكن من غير اكتراث، مرات عديدة وأقولها بصدق، أخجل من نفسي وأتأسف على تربيتنا المدنية، وجدتني في حرج من أمري أن أرى شباب ذكور وإناث دون الثلاثين من جنسيات فرنسية وبريطانية، رأيتهم عدة مرات يقومون بالأشغال الشاقة كتهيئة مدخل باب ترغونت، وترصيف حومة الرحبة، بداية رمضان الأخير في عز الحرارة بتارودانت يبنون مجسم شلال جبلي كبير ومشتل وحديقة بمدرسة البساتين، حتى اذا عطش أحدهم يدخل لقاعة كي يشرب احتراما لمشاعر من هم صائمون، هل نحن عاجزون على أن نكون مثلهم وقد أعطونا دروسا عملية تطبيقية من الناحية التربوية، وقدوة من الناحية الإجتماعية كي نكشف عن سواعدنا ونشمر على أكتافنا ونقوم باعادة الإعتبار للسقاية اليتيمة بالقصبة السلطانية ؟؟؟ هل هو كسل التفكير أم هو خمول الضمير الذي يقف حاجز وحجاب أمام إعادة تشييد سقاية "مراح البكر" بمجمع الأحباب ؟؟؟ ما هي وجهة نظر النخبة المنتخة بالمجلس الإقليمي للسياحة والمجلس الحضري المحلي ومجلس عمالة الإقليم ومجلس جهة سوس ماسة درعة ومندوبية الثقافة وأعيان "الشكارة" ؟؟؟
بالوقوف على السقاية اليتيمة المتبقية بتارودانت بحومة القصبة ومقارنتها مع نظيراتها من خلال الصور التاريخية نلاحظ تطابق جميع السقايات الرودانية في هندستها المعمارية ومواد البناء حيث تتكون من قوسين محدبين باتجاه الرأس قطرهما الأفقي متسع لتأمين الخدمة الجماعية بالدفعة وليس بالتوالي، تحيط بهما تشيلات هندسية عمودية وأفقية، والقرميد الأخضر العريض يعلو الكل، هو نمط العمارة الرودانية في بنيان اللبن الطيني الأصيل، على مستوى الأرض عند موقف الأرجل يرتفع حاجز قصير بنفس مواد البناء اهمها آجور الفخار المسطح واللبن الجيري، لكن عامل الاندثار الذي كان من المفترض حصوله بفعل تعاقب السنون والقرون، حصل على يد البشر مما نتج عنه طمس معالم سقاية المسجد الجامع العتيق وهي التسمية الأصلية/الكبير والمسجد الجامع الجديد بأم الأحباب فيما السقاية الثالثة بحومة سيدي وسيدي ترامى عليها الأغيار إما بتزكية أوغض الطرف من نظارة الأوقاف وحولت الى أعشاش تجارية ، هذا ما جعل بحوث الإجازة تخصص التاريخ بكلية الآداب التابعة لجامعة ابن زهر باكادير، خلال عقد التسعينات اهتمت أكثر بسور المدينة وبقية المعالم التاريخية بتارودانت، ولا وجود لبحث ولا في مجموعها أدنى إشارة بالإسم للسقايات، لأن البحث العلمي يتطلب عينة محددة وعناصر موجودة تخضع للدراسة والبحث، ان هذه المنشآت التخزينية المائية ارتبطت بالمآثر التاريخية المذكورة مند عهد الدولة السعدية في مرحلتها الأولى بتارودانت بل قبل ذلك، وأجريت لها أوقاف مائية مدونة بعقود عدلية حبسية ابتغاء وجه الله ومرضاته.

نتيجة التزايد السكاني المحلي وتوافد القوافل المتبضعة الوافدة من النواحي القبلية المتاخمة لتارودانت كهوارة ومنتاكة وأولاد يحيى وكطيوة، حفرت ثلاث سقايات جديدة في مواقع استراتيجية تقريبا للماء من الظمآن ليروي عطشه ويوَرّد دابته، هذه الحفر تكون على هيئة فوهة بئر بعمق مترين أو ثلاث مفتوحة على حفرة كروية الشكل تسمى "المعْدة" وتجمع على" المعْدات" وهي نقطة التقاء ماء جاري لأكثر من عين مائية، في اللغة العربية الفصحى تسمى النطفية وثم تحوير النطق ليصبح "المطفية" وارتبط الاسم بعدها في تارودانت بمكان جمع وتخزين قطر زيت الزيتون، المعدة/السقاية المستحدثة الأولى كانت بساحة أسراك جوار النخلة الحالية، والثانية بجنان جامع يسار الداخل اليه من جهة تالمقلات خلف المستوصف الحالي، والثالثة بسوق الخرازة أمام المدخل الغربي للمسجد، هذه الأخيرة حين ينعكس بداخلها بعض ضوء الشمس صيفا يبدو للعيان جريان الماء مما يجعل ماؤها بارد عذب زلال على الدوام، بخلاف "المعدة" الأولى والثانية فهما عبارة عن جيب مائي يتجدد صبيبه ببطيء كلما هبط مستوى الماء بفعل كثرة الجدب بالحبل والصطل، في وقت لاحق ثمرت سقاية/معْدة الخرازة وشيدت مكانها سقاية "عصرية" قام المجلس البلدي باغلاقها بعدما اتضح أنها أضحت تستغل في غير ما أعدت له أصلا ومنه استغلال مائها في تجديد بناء المتاجر الحبسية بالإسمنت هناك. تجدر اشارة التنبيه أنه الى غاية 1970 كان مستوى الفرشة المائية بتارودانت المدينة على مستوى 6 أمتر صيفا و4 أمتار شتاء تقريبا، في فصل الشتاء حيث جريان نهر سوس بدون انقطاع، يحضر الناس من أولاد الحلوف الى تارودانت طلبا للتزود بماء للشرب وغسل الثياب والاستحمام، بعدما يرتفع عندهم مخزون النطفيات بماء بني مخلوط بالطين ويصعد حتى يقارب مستوى الأرض، هذه هي سقايات تارودانت أربعة تراثية تاريخية أصيلة وثلاثة مستحدثة ، في مجموعها سبع سقايات حسب افادة الذاكرة الموثق المرحوم محمد بن سليمان العدناني من لا يعرفه ليس روداني.
عرفت ساحة أسراك تهيئة تمثلت في هدم صف الدكاكين مكان الأشجار الحالية وتسوية فناء دار الدباغ، ساحة المقاهي حاليا، وتحويل الزاوية الحمدوشية مكانها النافورة، وسويت أرضا الزاوية البونونية ما بقي منها هو النخلة اليتيمة وترابها ثمرت به السقاية/ المعدة القديمة لتشيد عوضا عنها سقاية عصرية غرب الساحة على جدار المراحض العمومية الحالية ، كانت حقيقة سقاية اسمنتية جمعت بين الأصالة والمعاصرة لها حاجز نصف دائري مرتفع نسبيا خشن بقطر متر واحد وعلوي يتجاوز المتر بقليل بينما الأسفل يضيق حول بالوعة الصرف المائي – نموذج الدوّاز- بها صنبور نحاسي أصفر قياس صبيب 1 بوصة مصقول يتلألأ دائما بفعل الماء وكثرة احتكاك راحة الأيادي، وزليج " فيانس" أخضر لامع على الجدار؛ هذه السقاية كنا من حين لآخر ونحن في طريقنا مطلع السبعينات الى مدرسة "قبور ليهود" ابراهيم الروداني حاليا، نرتع ونلعب ونحفظ سقايتنا عند الشرب دونما حاجة لذلك سوى رشق بعضنا البعض بالماء، كانت كذلك مورد ماء وحيد لكثافة سكانية مهمة لا تتوفر على بئر منزلي تسكن درب الجزارة ودرب كسيمة ودرب أقا ودرب الحشيش ودكاكين السوق الكبير وبعضا من الرحبة...
اما سقاية المسجد الجامع الكبير جزء منها داخل ميضأة المسجد عبارة عن حوض أرضي مكشوف لسقي الماء تحيط به الصاريات، وجزء خارجي مطابق لهيكلة بقية السقايات الثلاث التاريخية مكانه قوسين أحدهما حوّل الى مدخل النساء ، بعد الإصلاحات التي شهدها الجامع الكبير ثم طمس معالم السقاية الأثرية التاريخية الخارجية وامتدادها الداخلي، وبنيت عوضا عنها أخرى عصرية بالاسمنت ملاصقة لجدار المدرسة الجشتمية جنوبا، نسخة مطابقة للهندسة المعمارية لسقاية أسراك الجديدة مما يفيد قرينة بنائهما في نفس التاريخ، ولا زال بعض معالم هيكلها الأصلي موجود رغم ما أصابه من تخريب وتغيير الزليج الأخضر القديم اللامع بآخر عصري ملون، يمر يوميا صباح مساء العشرات من الرودانيون والمئات من غيرهم جوارها دون أن تثير فضولهم بنظرة أو تساءل !!!
بنفس المنوال كانت تستغل ثلاثة من السقايات العمومية التاريخية الملاصقة بالمساجد، حيث تربط بالعنابيب وهي قناة بألواح الصخر المنجور المبني بأتم أحكام وأكمله أو عبر المساريب الباطنية المرتبطة بالسواقي، يمر بها الماء مطلعا من القادوس إلى القدر العظيمة مصنوعة من النحاس الأحمر، حيث يسخن ماء الوضوء ليمر ثانية عبر ميزاب النحاس أو الحديد يغلق مصبه "باللزاز" وهو قطعة خشب منحوتة الرأس وعند تلفها يستعاض عنها "بالكبوسة" وهي بقايا محصول الذرة بعد فرك الحب، لإحكام غلق فوهة الميزاب، ومن الميزاب يسقى ماء الوضوء أو الإغتسال.
سقاية مجمع الأحباب كان يسقى منها ماء الوضوء وتنظيف الجامع وتوْريد قطيع البهائم التي تجمع ببراح البقر"مراح البكر" عند الرواح يتم توريدها من السقاية، التي طمست معالم أثرها وسوي مكانها أرضا "كأن لم تغن بالأمس" أما ميضأة المسجد المجاورة فقد هدمت ولم يظهر أثر لقدر النحاس الأحمر العظيمة، كان من المفروض تثبيتها في فناء المسجد حفاظا عليها كتراث روداني محلي ريثما يحدث متحف أو معرض دائم، أما اذا سرقت كما حدث للمدافع جوار دار المخزن فهذا أمر آخر، علما أن تارودانت داخل مدار السور تضم ازيد من 30 مسجد بعضها قديم قدم التاريخ جميعها كان يتوفر على قدر النحاس الأحمر لتسخين ماء الوضوء، وتم إعادة بناءها من قبل سكان الحارات المجاورة مطلع الثمانينات بموافقة نظارة الأوقاف ،،، دون أن يظهر أثر للقدور النحاسية الضخمة التي يسقى منها الماء للوضوء.
سقاية سيدي وسيدي التاريخية، وأغلب الظن أنها ترجع للعهد الموحدي لارتباطها بضريح الولي محمد بن صالح بن وندلوس الملقب سيدي وسيدي المتوفي سنة 989ه، تحولت الى أعشاش فعلا وليس مجازا ما دامت لا تستجيب لمواصفات المتجر ولا حتى الدكان مما سهل على العناكب نسج خيوطها والتفريخ بسقوفها . عقارات الأوقاف المفترض وجود من يقف على حسن تدبيرها ورعايتها كادت أن تتحول مقبرة المحراب قبالة المسجد الجامع الكبير هي الأخرى الى دكاكين لولا تدخل المرحوم الحاج أحمد بن صالح وآخرون ، نفس المصير أوشكت عليه المقبرة الملاصقة لدار لعشور بحومة القصبة، ادن اذا كانت هذه هي النظرة الى حرمات المقابر فأهون أن تمتد اليد الطويلة الى المنشآت العريقة المتجذرة في التاريخ الروداني !!!
سقاية حومة القصبة كانت على وشك التحول الى دكان في إطار صفقة انتخابية مع شخص غادر تارودانت لاحقا ليعيش الآن في المهجر، لولا تدخل رجل شهم واعتراضه، رحمة الله عليه بعدد قطرات المطر، لكانت آخر السقايات التاريخية الرودانية في خبر كان هناك ، انه المرحوم الشيخ اليزيد العرفاوي شيخ رْبع القصبة أيام الحماية الذي وقف في وجه الوصوليين لأجل إنقاد السقاية من الإجهاز عليها وهو أعلم الناس بقيمتها التاريخية وخدماتها الإجتماعية، خاصة أيام السيبة لما يهرب الرودانيون من البطش والتنكيل والتقتيل ويلتجؤون داخل حرم القصبة ويغلقون عليهم مصاريعها لشهور ويؤمنون الحراسة من بين الشرفات والابراج، جاء الحادث في خضم احدى الحملات الانتخابية وخوفا من تأثير الخلاف على كفة حشد الأنصار وجلب الأصوات أستعيض عن السطو على السقاية بدكان ملاصق لها بالجوار، ثم "نبتت " لاحقا جواره هو الآخر سقاية اسمنتية عشوائية ،،،
يجرنا حديث الصورة والكلام عن السقايات الى الحديث عن الحمامات العمومية التقليدية أو ما يسمى تداولا في تارودانت بالحمام البلدي، منها ما يرجع تاريخ بناءه لأربعة قرون وهو حمام جامع الكبير شيده السلطان العلوي عبد الرحمان بن محمد بنعبد الله سنة 1085ه وجعله وقفا حبسيا للجامع، وحمام السعديين بزنقة الحلايسية ودريبة الحدادة هدم مؤخرا، وحمام سيدي وسيدي أغلق نهائيا وحمام مجمع الأحباب لازال يؤدي الخدمة واخيرا حمام التونسي آخرهم تشييدا هو صَرْحُُ معماري اعتبارا لقبته العالية وصالاته الفسيحة المحدبة السقوف ، جميع هذه الحمامات كان يجلب اليها الماء من السواقي أو يسقى في عين المكان بواسطة الخطارة بجانب موقد النار، بداخل الحمامات سقايات عبارة عن صهاريج أرضية سعة حمولتها متوسطة يصب فيها الماء الغليان للاستحمام، مراعات لشرط النظافة وطهارة الماء وأخذا بأسباب الوقاية واحتياطات السلامة تم إغلاق تلك السقايات/الأحواض داخل الحمامات وتعويضها بصهاريج من حديد خارجية خلف الجدار ومد القنوات وربطها بالصنابير.
صبرا جميلا يا ردانة كل زمن وتراثك الأثري بألف خير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.