ذ المحجوب حبيبي كان حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي قد وجه نداء تاريخيا منذ إبريل 1989 إلى جميع القوى الوطنية لتشكيل جبهة للنضال من أجل الديمقراطية ...وتوالت الكتابات حول الموضوع، حيث كتبت في بداية التسعينيات غداة المؤتمر الوطني الرابع للحزب، موضوعا حول جبهة يسارية للنضال الديمقراطي وكنت أهدف رسم أسس ومنطلقات تحدد للجبهة طبيعتها وتماسكها من حيث التنظيم إذ تتشكل النشأة من نواة صلبة من اليساريين الديمقراطيين الذين يتفقون اقتناعا ومسؤولية حول مجموعة من المبادئ الفكرية الاختيارات والأهداف السياسية والمقومات التنظيمية... وأن تكون هذه الجبهة منطلقا تحكمه رؤية إستراتيجية تقتضيها الشروط والظروف العامة التي عاشتها البلاد وتعيشها، في واقع قمعي استبدادي لا تشكل الديمقراطية الحقيقية اختيارا من اختياراته، وإنما وفقط أشكال انتخابية مفرغة من أي محتوى جوهري في المشاركة الشعبية الفعلية في التشريع والتسيير والحكم الذي يضمن المساواة وضمان مختلف الحقوق والمتطلبات لحياة كريمة... ولقد جرت تلك التجارب المسماة ديمقراطية الكثير من الويلات على الشعب المغربي حيث توالى تناسل الحرمان والقمع والتجهيل والتضليل والتجويع... والتي اكتوى اليسار بنارها وامتحنته معاناتها وتذوق مراراتها وعرف خلال مسيرته كل أشكال المؤامرات بمختلف مستوياتها... وتزامنت الكتابة المشار إليها مع كتابة للمرحوم عبد الغني بوستة تحت عنوان الجبهة الوطنية الديمقراطية وكانت كتابة تفصيلية حيث تناولت العديد من المحددات والمتطلبات والمفاهيم نذكر منها في عجالة : المحددات المنهجية التي تشمل الإستراتيجي المتمثل في ديمقراطية بمضمونها الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي... والمرحلي الذي يعتبر الإجابة على المقتضيات الراهنة وظروفها الذاتية والموضوعية مع مراعاة موازين القوى ووسائل تعديلها وتغييرها لمن لهم مصلحة في تحقيق الديمقراطية الشاملة ... ويرتبط تحقيق الديمقراطية الشاملة كهدف وكوسيلة كونها عمليات تغيير يمس ويفكك مختلف البنى والمكونات الاستبدادية المخزنية بمفهوم النضال الديمقراطي الذي هو منهاج متكامل من العمليات التربوية والتثقيفية والحقوقية والمطلبية والتنظيمية... المتغلغلة في أوساط الجماهير لأجل وعيها ومعرفتها ومشاركتها ليس فقط بالتهافت على الانتخابات واقتسام الحصص والمناصب ضمن مؤسسات بلا مصداقية ... وإنما جعل مختلف المناسبات النضالية عمليات تعبوية بإشراك أوسع الجماهير في النضال النشيط من أجل فضح وإيقاف أي محاولة تستهدف تزوير الإرادة الشعبية أو قيام مؤسسات تجعل الاستبداد واقعا مقبولا... ولم تكن الاستجابة لتلك الدعوة الجدية والصادقة بنفس القدر من التوقع وهذا مجرد توضيح لأولئك الذين يتحدثون عن تشرذم اليسار وتفككه وأقصد منهم الذين يعجبهم أن يتحاملوا أو يفتروا لسبب أو آخر...غير أن هناك قصوراً لدى البعض في الإطلاع لضعف التواصل وشح وسائله عند الحزب واليسار بصفة عامة... ولم يكن خيار بناء الجبهة خيارا متسيبا أو شعارا معلقا في الفراغ يعبث به من يشاء بل وضعت مرتكزات وأسس على قاعدتها يتم الانضمام للجبهة أو غير ذلك اعتبرت خطوطا فاصلة بحيث لا يمكن أن يكون عضوا في الجبهة النضال الديمقراطي قوى لا ديمقراطية أو قوى رجعية أو كل من زكى الاستبداد أو ارتبطت مصالحه بالمخزن أو كل من تلوثت يداه بدماء أبناء الشعب الكادح أو من ساهم في قمع الشعب... أو من لا مصلحة له أساسا الحرية والمساواة والديمقراطية ... وبعد الخلط الذي عشناه منذ أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثالثة وما عشناه من توقعات وانتظارات بسبب موجة من الصخب السياسي انخرطت فيها جوقة من المطبلين (العهد الجديد، الأوراش الكبرى للإصلاحات، المغرب الجديد، المغرب الأخضر، المغرب الأزرق، التنمية البشرية، إصلاح العدالة... وغيرها ولما تأكد بالملموس أن الأمور تسير سيرا متعثرا... بل أمور السياسة والحكم تعود إلى أصولها... واتضح أن من لهم مصلحة السيطرة والاستحواذ على مقدرات البلاد وأن المستفيدين من الريع والذين تجدرت مصالحهم في تربة الاستغلال والاستبداد وانه لا يمكن للأمور أن تستمر على ما هي عليه (وأن دوام الحال من المحال) وخصوصا لما صارت الحركات الإسلامية تتحرك وأن لها في الدين والشريعة وما ينتشر من عقائد وهابية حيث صار المجتمع (مؤخونا أو مؤسلما) على الطريقة الوهابية لغة وتفكيراً وهيئةً وممارسةً...، وصلت حد تصفية المخالف وأصبح الإرهاب (الوهابي السلفي الإخواني) يطول المجتمع ويعلن حضوره من خلال فقهاء التكفير وفتاويهم التكفيرية ومن خلال خلاياه وتفجيراته الإرهابية 16 ماي 2003 فكان من الضروري أن نعيد التذكير بضرورة أن يتوحد اليسار وقد كتبت موضوعا تحت عنوان: ( وحدة اليسار وقوى الديموقراطية والعلمانية خيار دونه السير اتجاه الكارثة) نشر على الحوار المتمدن بتاريخ 26 يونيه 2005 [1] وبعد المقدمة التي تناولت أوضاع اليسار أمام انتشار الظلام بديلا للفراغ الذي أحدثته العديد من الهزات المدمرة أشدها انهيار الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية المعسكر الاشتراكي الذي كانت تستقوي به الحركات الاشتراكية في العالم، وبعد هذه المرحلة من التراجعات التي لم تعرف ما تستحقه من مراجعات للأصول والأفكار والمبادئ والأدبيات وطرق التنظيم ومساراته وبناء التكتيكات والمنهجيات بقصد الخروج من المأزق... كنا نعرف ما معنى أن نتوحد في أي شكل يكون مقدمة مهما كانت أقل من خيار الجبهة ولكنها قد تكون نواتها الصلبة، لأنها هذا الاختيار ضرورة وليست مجرد أمنية وطبعا فقد كانت ملامح الإستراتيجية تجيب عن واقع قائم حافل بالمخاطر يقتضي بالضرورة بل وإجباريا على كل يساري ديمقراطي وليس مجرد اختيار لأنه أمام المخاطر التي تتهدد مشروعنا الوطني الديمقراطي يصبح (من المفروض أن تتعبأ كل قوى اليسار قوى التحرر والديمقراطية والعلمانية... باعتبارها مستهدفة كذات ومشروع، في هذه المرحلة التي بدأت تعن فيها ملامح الحرب الدينية التي تأتي نتيجة تراكم هزائم نظام الصلات التقليدية المصاب بداء التخلف حيث تدخل مأزق التنازع بين الجمود والتجديد بين الموت والبقاء بفعل اشتداد التطور التاريخي عليها الذي يأتي هذه المرة من خارج تشكيلاتها الاجتماعية، والذي لم تلتقط خيوطه القوى التقدمية والديموقراطية والعلمانية... حيث لا يزال فعلها معاقا وعدم قدرتها على تأطير الجماهير وعدم اضطلاعها بأدوارها في التربية والتثقيف والتوعية والتعبئة وسقوط بعض قياداتها في الأنانية والتعالي والطموحات الفردية... عوارض تخلفها عن مهامها التاريخية...فهل تستوعب الأطر الشابة وقواعد القوى التقدمية والديموقراطية العلمانية اللحظة التاريخية وتدفع في اتجاه وحدة صف هذه القوى من خلال نضالها الديموقراطي الداخلي من أجل (ثورة اجتماعية) كتحرر وتغيير وتحديث نحو الأرقى على قاعدة النضال الديموقراطي الشامل كخيار أممي بتحالفاته المعقدة والمغايرة للمألوف... إنها مهمة تاريخية لبناء الذات لبناء أرضية الإنطلاق، للتحكم في أسس ومنطلقات التنوير والتغيير والتحديث، لإعادة تنشئة الجماهير على مبادئ الديموقراطية والحرية والنقد والتعددية والمساواة البشرية... ولمواجهة غول العرقلة والإعاقة الكامن في كل زاويا وتجاويف الذاكرة الثقافية التي تم تزييف مضامينها، والذي على الرغم من توهجه وعنفوانه... فهو آخذ في استنفاد مقومات وجوده مهما كانت خطورة وضخامة الشحنات التي تزوده بالكثير من إمكانيات المقاومة والتي أقصاها (القابلية نتيجة تشردمها وضعف فعاليتها للموت).[2] وفعلا يمكن القول أننا والكثير من رفاقنا في الأحزاب الأخرى كنا نجمع على ضرورة أن نخرج من هذه الوضعية المأزق، غير أنه عند التأسيس والذي طال التهيؤ له سنتين كاملتين نقاشا وتدبرا وعلى قاعدة تجربة التحالف ... أهالني ما تناهى إلى معرفتي عند انعقاد المجالس الوطنية بقصد المصادقة على وثائق الفدرالية وإعطائها الانطلاقة لتصبح حقيقة ملموسة تشكل مقدمة لما سيأتي تابعا ونتيجة... أن بعض من رفاقنا وهم قلة على كل حال كان لهم آراء وصلت حد الرفض أو الامتناع عن التصويت وباستثناء رأي الرفيق والصديق أبو العيش المسبب والذي احترمه رغم اختلافي معه فكل المبررات الأخرى غير مسببة وهي قفزات في الفراغ فمنها ما يريد الجبهة ونيته أن يقفز على الخطوط الفاصلة بقصد أن يبني تلك الجبهة مع من تخلى عن حركة 20 فبراير لما أعلنت حكومة بنكيران ليشكل سندا لها تنازلا عند طلب الجهات الامبريالية الراعية لوصول الإسلاميين للحكم بسطوهم على انتفاضات الشعوب وحرفها عن مقاصدها... وسأترك للقارئ أن يقرأ أرضية الفدرالية وقانونها التنظيمي... لكن في نفس الآن أعتبر أن هذه الخطوة الأولى على طريق تفعيل برنامج الفدرالية والنزول به إلى الجماهير خارج الحسابات الإستقطابية والرؤى الضيقة فكل من لله القدرة على الاشتغال في أوساط الجماهير فليفعل ذلك من أجل الفدرالية ومن أجل وحدة اليسار... ولكي تبلور رؤية منهجية وعارفة تتجاوز الفوقي لأجل انخراط القواعد في الممارسة التنظيمية والنضالية المشتركة يقتضي الأمر قيام قادة هذه الفدرالية بتأطير ندوات ولقاءات ونقاشات لقواعد الفدرالية ثم للجماهير مع إنزال البرنامج في النضال الديمقراطي لهذه القواعد وإعطاء الأسبقية لقضية نعتبرها جوهرية وأساسية وذلك بإعداد منهجية وبرنامج وتوفير وسائل نشر المعرفة والتثقيف في الأوساط الجماهيرية، برنامج تثقيفي ونضالي في نفس الآن...