محمد بن ادريس الكاتي من مواليد مراكش ، بدأت علاقته بالمسرح في جمعية شبيبة الحمراء أواخر الستينيات ، عين معلما بالدار البيضاء في بداية السبعينيات ساهم في تأسيس جمعية السلام البرنوصي بنفس المدينة ، أخرج بها مسرحية " علاش وكيفاش " تأليف جماعي وأيضا مسرحية " الگفة " تأليف محمد قاوتي ، انتقل الى مراكش سنة 1975 والتحق بجمعية الضياء التي أخرج بها مسرحية " القطار " تأليف جماعي . عاد الى جمعيته الأم شبيبة الحمراء التي أخرج بها مسرحية " الأرض " تأليف جماعي والتي تركت صدى كبيرا اعتقل ضمن مجموعة 77 ولما أفرج عنه التحق بجمعية شبيبة الحمراء حيث أخرج بها سنة 80/ 81 مسرحية " البارح واليوم " تأليف جماعي . التحق بالمركز التربوي بمراكش سنة 1982 وتخرج منه سنة 1984 وعين أستاذا بالدار البيضاء ، ومن يومها توقف عن مزاولة النشاط المسرحي ويعود اليوم كمؤلف . من مؤلفاته : - مسرحية باقي الخير الگدام - دليل عملي لإخراج نص مسرحي وقيد الطبع مسرحية جديدة بعنوان : دارها البوعزيزي وصدقات الاستاذ محمد الكاتي مرحبا بك في هذا الحوار مع نشرة " المسائية العربية " الالكترونية.
المسائية العربية : بين عقد سبعينيات القرن الفارط ، وهذه العشرية من القرن الجاري مسافة تشغلها شروط و معطيات واقع سياسي و سوسيو ثقافي بالغ الحركية ، و ضمن الوضعين كان للمسألة الثقافية من موقع اليسار مكانة و دور تمخض عنهما آثار على صعيد الوعي السياسي ، سيما في أوساط المثقفين و الشبيبة التعليمية . و باعتبارك مجايلا للمرحلتين ، ما هي تمظهرات التماثل و التفاضل بين الخطاب و الممارسة الثقافية بين هذين الزمنين ؟ محمد الكاتي : تميز عقد السبعينيات بمد نضالي قوي ، كان من أبرز الفاعلين في تغذيته ودعمه نخبة من المثقفين الذين عملوا على نشر المبادئ والقيم الانسانية النبيلة ، وشارك عدد كبير منهم في تأسيس تنظيمات اليسار التقدمي الذي حمل شعار الثورة على كل مظاهر استغلال الانسان لأخيه الانسان ، فالتقت ارادة المناضل الثقافي بإرادة المناضل اليساري في اختيار طريق بناء وعي التغيير نحو مجتمع العدل والمساواة ، فوظف المثقف لهذه الغاية أسلحته من مقالات وقصص وروايات ومسرحيات وقصائد وأشرطة سينمائية ولوحات تشكيلية ، فظهرت الأندية السينمائية في أغلب مدن المغرب ، وكثرت الندوات الفكرية والأدبية والفنية، وازدانت الأكشاك والمكتبات بالعديد من المجلات التقدمية التي كان يكتب فيها المثقف والمتحزب ، كما عرفت هذه الفترة سلسلة من الاعتقالات والمحاكمات والزج بالعديد من المناضلين في السجون واستشهاد العديد منهم . أما العشرية الأخيرة فقد اتسمت بالتراجع وسيادة الفساد والتضليل والتنكر للمبادئ الانسانية التي كان يدافع عنها مثقفو السبعينيات الذين فضل العديد منهم، تحت تأثير اغراءات المخزن الانضمام الى دوائر النفوذ ومؤسسات التبرير،أما البعض الآخر فقد انزووا في مساكنهم ، ولم تبق صامدة إلا القلة القليلة كان الله في عونها . المسائية العربية : شكل المسرح احدى واجهات الممارسة الثقافية التي أنعشت و أثرت الفكر الديمقراطي من خلال تجربة "مسرح الهواة " ، اليوم هل انتفت شروط استمرار هذه التجربة المسرحية الرائدة ؟ أم ان ثمة تحول في القيم طال رؤية الممارسين من داخل حقل الثقافة ؟ أم ان للمسألة تفسير بقدر ما يبعد عن هذا و ذاك بقدر ما يدخل ضمن استدماج النخب في البنية المخزنية للارتقاء بإنتاجها الثقافي ؟
المسائية العربية : شكل لك " مسرح الهواة " كما لقطاع هام من الفاعلين الثقافيين الفضاء الحر للتكوين و التجريب ، اليوم ظهرت بدائل و واجهات اخرى للممارسة المسرحية ،ما الذي انتفى مع انتفاء مسرح الهواة ،و ما القيمة المضافة التي حملتها الممارسة المسرحية الراهنة ؟ محمد الكاتي: جوابا عن السؤالين 2/3 أرى أن " مسرح الهواة " ازدهر في السبعينيات والثمانينيات تبعا للثقافة التي عرفت بدورها تقدما وازدهارا في تلك المرحلة ، وظل منفلتا نسبيا من هيمنة المؤسسة الرسمية وتدخلها ، لأن الممارسين لهذا المسرح أغلبهم من البسطاء والمهمشين ، لذلك نجده من البداية معانقا لهموم ومتاعب وقضايا البسطاء من أبناء الشعب ، فهو أي المسرح فن تعبيري مرتبط في جوهره بالحرية وقول الحقيقة ، انه يعري الواقع ويكشف اختلالا ته ، ف"الهواة" وظفوه للتعبير عن اوضاعهم ،ومعاناتهم التي هي في نفس الوقت أوضاع ومعاناة بسطاء هذا الوطن ، وقادهم طموحهم وتطلعهم نحو الأفضل الى ممارسة كل أنواع المسرح ،والتعامل مع جميع المدارس ، حتى صاروا رواد التجريب بامتياز ، فقد خبروا وأبدعوا في المسرح الكلاسيكي ، والمسرح الملحمي ، والمسرح الفقير ، والمسرح الاجتماعي ، والمسرح السياسي ، ومسرح الحدث ، ومسرح الشخصية ، ومسرح الفكرة ، ولم يكن في تلك الفترة أي وسيط بين " مسرح الهواة " والجمهور ، لذلك حرص " الهواة " على انتاج مسرح يحترم ذكاء الجمهور ويساهم في تثقيفه ، والرفع من مستوى وعيه . أما في أيامنا هاته،فقد تمت الاساءة الى هذا المسرح وذلك بفعل التلفزة التي أصبحت لا تقدم في المجال الدرامي إلا الرداءة والابتذال... وبفعل سياسة الدعم كذلك وانعكاساتها السلبية ، واختفاء النقد والنقاد...مما سهل على مؤسسة الدعم احتواء العديد من الفرق والجمعيات التي أصبحت تنتج مسرحا على مقاس معايير مؤسسة الدعم وتم التنكر للجمهور الذي أصبح حضوره كعدمه وهي القيمة المضافة التي تسألون عنها ، لكن الأمل كبير في أرضنا المعطاء . ملحوظة : ورد في السؤال 3 عبارة : اليوم ظهرت بدائل وواجهات أخرى للممارسة المسرحية ، ما الذي انتفى مع انتفاء "مسرح الهواة "...؟ لإزالة اللبس : - " مسرح الهواة " لم ينتف بل تم احتواؤه من طرف المؤسسة التي تدفع ثمن التحكم - الممارسة المسرحية تبقى هي هي . - اذا كان المقصود بالبدائل هو توظيف التكنولوجيا الحديثة في صناعة العرض المسرحي فهذا التوظيف موجود ومنذ مدة تفرضه طبيعة العرض والأهداف المتوخاة من ورائه . - أما اذا كان المقصود هو التلفزة والإنترنيت فهذه كلها وسائل لإيصال العروض المسرحية الى المتفرج . المسائية العربية : تم التعرف عليك مسرحيا كمخرج ، وكان نص التأليف الجماعي"البارح و اليوم " آخر ما اشتغلت عليه ، مع صدور مسرحيتك " باقي الخير الگدام " يطرح سؤال وسائط و دواعي اختيار الانتقال من الاخراج إلى التأليف للمسرح؟
محمد الكاتي : ليس المهم عندي تبرير الانتقال من الاخراج الى التأليف، بل عودتي الى المسرح بعد تجميد نشاطي في هذا المجال مدة 25 سنة تقريبا ، فبعد العودة وجدت نفسي أخوض غمار كتابة نص " باقي الخير الگدام " ربما يكمن السبب في كون أخطبوط الفساد قد طال جل مرافق حياتنا ، بما في ذلك الانتخابات التي راهنا على كونها ستضمن الانتقال الى الديمقراطية ،وقيام العدالة الاجتماعية ، وسيادة حقوق الانسان ، لكن الواقع كان عكس ذلك ، فالانتخابات في معظم بلدان العالم الثالث لا تتعدى كونها غطاء للممارسات القمعية ، وتمييع الصراع بتحويله من الأصل الى الفرع مع العلم ان المؤسسات الرسمية هي المسؤولة عما لحق كل الانتخابات من تزوير وتلاعب، كما أنها مصدر كل أنواع الفساد والشرور التي تنخر المجتمع وتعطل تطوره وتقدمه ، ولم أجد في الساحة وقتها نصوصا تعري هذا الواقع وتفضح المسؤولين عن أساليب التزوير والتشويه، فوجدت نفسي منقادا الى كتابة هذا النص ليكون شاهدا على ما اقترف من جرائم في حق هذا الشعب الطيب الذي يستحق كل خير ، ولأن من أهم مميزات المسرح انه يتحقق بأبسط الامكانيات ، فيكفي أن يتوفر الانسان ليكون المسرح ، فالمسرح كما نعلم نشأ من قول كلمة (لا) وقد توخيت من وراء هذا النص الذي تعذر تحويله الى عرض : 1- تحسيس الجمهور القارئ للنص ، أو الحاضر في صالة العرض أنه شارك بشكل أو بآخر في جل العمليات الانتخابية ، وأنه يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية فيما لحق هذه الانتخابات من تزوير وتلاعب . 2- انهاء مرحلة المعارضة حيث استطاع الماسكون بخيوط اللعبة تحويل المعارضة الى أغلبية وتحويل الأغلبية الى معارضة ، فأصبحت لدينا عملة واحدة ذات وجهين . 3- اعتبار البرلمان مؤسسة لتوظيف أصحاب المصالح والراغبين في تنفيذ تعليمات وتوجيهات المتحكمين في خيوط اللعبة . 4- قبول العديد من الذين كانوا محسوبين على اليسار الدخول الى هذه المؤسسة بعد اهتزاز قناعتهم ، وتنكرهم للمبادئ التي كانوا يؤمنون بها فصاروا يختلقون الأعذار لتبرير رغبتهم في الانخراط في لعبة المرحلة بهدف الاستفادة من الهامش الذي قدمه المخزن لمن يريد الكوب في قطاره ، وضمان مقعد مريح مقابل التأييد والتطبيل لما هو سائد ورسمي . 5- كشف زيف العديد من الطروحات والأفكار والشعارات . 6- كشف آليات الاشتغال الحقيقية المستعملة في عملية الانتقاء والتزكية والتضليل ... 7- كشف أساليب الخداع والمكر والتحايل المستعملة لتضليل البسطاء. 8- تقديم نموذج للشرفاء المخلصين العارفين بما يجري في البلد ، والمتشبثين بالقيم والمبادئ التي يؤمنون بها ، والمستعدين لمواجهة كل أساليب الاغراء، والمساومة، صونا للكرامة وعزة النفس ، وهذا من أبسط الحقوق التي لا يجوز لأي كان مصادرتها . . المسائية العربية : أصدرت مؤخرا دليلا في الاخراج المسرحي و يستفاد من قراءته أنه خطة عمل أو بالأحرى خارطة طريق الممارسين المسرحيين المشتغلين على الانتقال بالنص المسرحي من مستواه الأدبي إلى الدرامي ، فما هي الغاية المتوخاة من وراء هذا الاصدار؟
محمد الكاتي: بالرغم من كون صيغة السؤال تتضمن الجواب ، وبالرغم من كون جزء هام من الكتاب يتضمن الجواب كذلك أجد نفسي مضطرا في اطار المرونة والمسايرة ، وإتمام العملية ،أن أجيب . فقبل الحديث عن الغاية من وراء اصدار هذا الكتاب ، لا بد من سرد أسباب ودواعي كتابته ، التي من أهمها : 1- استغلال سذاجة وجهل العديد من المواطنين البسطاء لإنجاح عمليات التزوير التي طالت كل الانتخابات التي عرفتها بلادنا . 2- احتكار وسائل الاعلام الوطنية من طرف سلطة لا تقيم وزنا لاحتياجات المواطنين الحقيقية ثقافيا وفنيا . 3- ما شاب العرض المسرحي من تشويه وتدني نتيجة الدعم الذي أحدث شرخا كبيرا في العلاقة بين الجمعيات المسرحية والجمهور . 4- ايماني الراسخ بان الفرق المسرحية تستطيع من خلال العرض المسرحي الاسهام في التأثير على الوعي ، وخلق شروط القدرة على الفعل ، والقدرة على التحدي ، اذا كانت هذه الفرق حقيقة تنشد التقدم والنمو . 5- اقتناعي كذلك بأن خشبة المسرح هي شاشة حية كبرى ، من خلالها يساهم العرض المسرحي في تربية الجمهور، وتعليمه ، وتثقيفه ، وتوعيته ،والارتقاء بذوقه وبسلوكه ، وبمستوى وعيه بقضايا مجتمعه وعصره . ان الأهداف المتوخاة من العرض المسرحي لا يمكن ان تتحقق إلا بالتوظيف السليم والجيد لكافة مكونات العرض المسرحي، من تشخيص ، وديكور ، وملابس ، وإنارة ، وموسيقى ، وغناء ، ورسوم وألوان ، وملحقات ،وإيقاع ، وانسجام ، وتوجيه ، والتي تمت الاساءة اليها عموما كما سبقت الاشارة الى ذلك ، والإيمان الراسخ بأن مبدأ التنازلات مرفوض عند الفنان الذي يحترم نفسه ، ويحترم فنه، ويحترم جمهوره . في خضم هذه المعطيات تبلور هذا الدليل العلمي والعملي كحد أذنى مما ينبغي التسلح به، لتجاوز ما يعانيه العرض المسرحي ببلادنا من ابتذال وتدني ، فهو مرشد مختصر في الاخراج والدراماتورجيا والسينوغرافيا ، والتمثيل ، وقراءة النص ، انه يتوخى استرجاع ثقة الجمهور بالمسرح وبالفرق المسرحية، ولن تتحقق هذه الثقة إلا باختيار نص جيد ، وإخراج جيد ، وأداء جيد، يحترم ذكاء وإنسانية الجمهور ، ويحقق الوعي بالواقع ، ويوفر شروط تغييره نحو الأفضل ، انه يكسب الممارسين القدرة على تقديم عروض مسرحية تحترم أسس وقواعد العرض المسرحي والجمهور الذي تستهدفه، وأن تقطع مع العبث والفوضى التي لا يحكمها منطق ولاعقل ، ولا قواعد ، والتي تولد لدى الجمهور السخط والتبرم .