إحتلت الظواهر المسرحية بجهة مراكش تانسيفت الحوز ، مكانة خاصة في الاحتفالات الشعبية، وفي العروض التلقائية في الساحات العمومية في المدينة العتيقة مراكش ، وبالأسواق الأسبوعية في الرحامنة والحوز ومناطق السراغنة وزمران وجماعات إقليمالحوزحيث كانت الحلقات تلتئم ، لتقديم فرجات كان بطلها وممثلها الرئيس ” الحلايقي ” كحكواتي يتوسط حلقة مكونة من الجمهور ، وكان يعرف موضوعه المستمد من ” العنترية ” ومن ” ألف ليلة وليلة ” و” السيرة الهلالية ” ، وكان يلون محكيه بالارتجالات ، ويشرك الجمهور في لعبة الايهام ، ولعبة الترويح عن النفس ، ولعبة تأجيل حل عقدة القصص والحكايات المحكية ، ولعبة توريط المتلقي في لعبة المشاركة في الجو العام للعرض العفوي والتلقائي . وكان الحكواتي ” الحلايقي” بجهة مراكش تانسيفت الحوز يتفنن في أدائه ، ويتقن تقمصه بالأدوارالهزلية والجادة، ويستعمل فيه بعض الأدوات البسيطة لتأكيد مهارته الجسدية والصوتية لتغيير الادوار ، والخروج من حالة للدخول إلى حالة أخرى ، وهو بتعدد الادوار التي يلعبها كان يعتبر أساس الفرجة الشعبية ، ونواة المسرح الذي لم يتطور فنيا وأدبيا ليصل إلى مستوى العروض الفنية الراقية ، مثل باقي الظواهرالمسرحية الأخرى ، كحلقات الذكر وجذبات الصوفية ، وسلطان الطلبة ” و” سيد الكتفي ” و” عبيدات الرما ” و” حفلات السر عند النساء ” و” قصائد الملحون ” القائمة على الحوار ، وعلى الحدث ، وعلى بناء الشخصيات الساخرة بأسلوب متهكم يقدم صورة المفارقات في العلاقات بين الناس والعشاق والطبقات الاجتماعية ، ثم هناك ظاهرة ” البوهو” كشكل من أشكال الفكاهة والمرح . هذه الظواهر المسرحية تعتبر من أبرز مظاهر التمسرح الموجود في الثقافة المغربية ، بجهة مراكش تانسيفت الحوز وتبقى” الحلقة ” مسرحا دائريا يضم فنانا شعبيا يتوسط دائرة العرض ، كفضاء للفرجة ، ويختص في فنون الأداء ، والغناء ، والألعاب البهلوانية . ولم يبدأ الاهتمام بمكونات هذه الظواهر المسرحية الشعبية ، إلا مع الفرنسيين الذين خططوا لمشاريعهم الفنية في المغرب ، لمسايرة خلفيات حضورهم في المغرب ، وقد تنبه كل من ” لوكا ” و ” أندرى فوازان ” إلى أهمية الثقافة الشعبية في بلورة مسرح آخر غير نابع من النموذج الغربي ، وغير رافض لهذه الظواهر وقد بدأ ” فوازان ” في تنظيم تداريب وورشات مفتوحة في وجه المغاربة ، هدفها تلقينهم تقنيات الكتابة المسرحية الشعبية ، ووضع اللبنات الأولى للتأليف المسرحي في صيغته الاورو مغربية ، وحول هذه الأهداف عن هذه التجربة يقول أندري فوازان :”استدعيت إلى المغرب سنة 1950 ، إبان الحماية للقيام بعملية تنشيط ثقافي كانت جد ضرورية ، وكنت عند وصولي قد اندهشت – أولا – فور اطلاعي على الطابع الفوضوي المهزوز الذي يميز فرق الهواة الصغيرة التي كانت تتصدع وتموت مع تجربتها الأولى عموما ، كلما استشعرت ثانيا – الحاجة الماسة إلى ايجاد مسرح شعبي باللغة العربية كان من اللازم أن يتوفر عليه بلد يحتفظ فيه الأدب الشفوي بكل قيمة ، نظرا لشيوع الأمية ، لكن ، كيف لي أن أضع حلولا ، في بضع سنوات ، بل في بضع شهور لقضايا حاولت أوربا إجلاء مغالقها ، أي العلاقة التي تتعلق بالريبرتوار ، وتكوين الممثلين ثم الجمهور ، ثم معمارية المسرح “. ومثل هذه المواضيع التي أثارها فوزان لم تكن متداولة بين المسرحيين المغاربة ، لأن وكدهم من المسرح كان مشروطا – في بداياته – بوظيفة المسرح ، ولم تكن طبيعة هذا المسرح ككتابة درامية وركحية قد بدأت تعلن عن وجودها في السؤال المسرحي المغربي ، عند الرواد ، لأن التأليف المسرحي كان خاضعا لجودة الوظيفة ذات الحمولة السياسية المباشرة أو ذات الخطاب المسرحي الذي يضع قناع التراث على كل وضوح تمليه المباشرة في الظرف الاستثنائي الذي فرضه الاستعمار الفرنسي والاسباني على المغرب دون الالتفات إلى شكل المسرح أو الاهتمام بطرق الاخراج والتمثيل. و مقابل هذه الوجهة التي سار نحوها المسرح الوطني ، هناك وجهة أخرى أثار فيها الفرنسيون انتباه المغاربة إلى بعض قضايا المسرح ، يقول عنها الدكتور محمد الكغاط :”وعلى الرغم من أن التداريب الأولى أقيمت بالمعمورة كان يديرها مدربون فرنسيون في الجملة ، فإنها حملت معها بذور البحث عن مسرح مغربي ، وذلك من خلال معمل التأليف الذي اتخذ وسيلة لايجاد وسيلة لايجاد نص مسرحي يتم فيه تطبيق ما تلقاه المتدربون من دراسات نظرية ، ومن خلال اهتمام المدربين الفرنسيين أنفسهم بالتراث المغربي ، والتنبيه إلى أهميته ، بالإضافة إلى اطلاعهم على التيارات المسرحية التي عرفتها خمسينيات هذا القرن ، هذه التيارات التي دفعتهم بوعي ، أو بدون وعي ، إلى اتخاذ المسرح المغربي حقلا بكرا لاجراء تجاربهم “ . وقد ساعدت هذه التداريب على ترسيخ الاهتمام بالتأليف المسرحي ، وساعدت على رسم أفق للكتابة المسرحية التي تعرف كيف تبني كيانها وفق خصوصيات الكتابة الدرامية ، اعتمادا على التراث الشعبي المحلي ، وهو ما كرس شكل ممارسة واضحة المعالم في التأليف وفي الاخراج القائمين على الرؤية الفرنسية.و في الوقت الذي كان المسرح المغربي الوطني قبل الاستقلال يسير بالتأليف المسرحي نحو عروبيته وقوميته ومواضيعه الوطنية ، كان المسرح الشعبي يتأسس بالتداريب التي وضع لها الفرنسيون اختيارات مشروطة بوجودهم في المغرب . ومن أهم الاختيارات التي تولدت من هذه التداريب ، وهذه السياسة الفرنسية ، العودة إلى الاقتباس ، والاستفادة منه في الكشف عن أسرار الكتابة في النصوص الأصلية ، والعمل على تقبل هذه النصوص كنماذج مكتملة البناء والهيأة والابداع ، وقد اختلف الباحثون والنقاد – والمبدعون أنفسهم – حول فعالية هذا الاقتباس في ملءالفراغ الموجود في الكتابة المسرحية المغربية،وتحويل هذا الفراغ إلى وجود مستورد من وجود سابق له في الكتابة هو المسرح الغربي بكل ما يزخر به من مدارس وتجارب ومبدعين صاروا يهيمنون بزمنهم الابداعي على زمن آخر يبحث عن وجود له في التأسيس المسرحي ، فهل لعب هذا الاقتباس دورا هاما في تفعيل الوعي المسرحي الغربي للدفع به إلى الدخول في تجربة التأليف المسرحي ، أم أنه يشد إلى الوراء ويقيد الكتابة بقيود تمحو أصالتها وتميزها؟.
الكتابة الحيوية في التأليف المسرحي المغربي لقد تخلصت الكتابة الحيوية في الكتابة المسرحية الطليعية في المغرب من الأخذ والتقليد وتقديم دهشة النصوص الغربية باللغة العربية الفصيحة أو باللهجة الدارجة ، وأحضرت سؤالها أو أسئلتها أثناء قراءة الذخيرة المسرحية العربية ، وأعادت النظر في أشكال التعامل مع هذه الذخيرة ، وتحررت من الوهم الكاذب الذي راج مع المسرح الذي اعتمد في تأسيس المسرح المغربي على الكتابة الكائنة بدلالاتها الموجودة في النص الكائن ، وقد مثل مسرح الهواة في المغرب المدرسة الفنية والجمالية والفكرية بطروحات جرئية في التعامل مع أشكال تبني الالتزام السياسي في الكتابة الواقعية أحيانا ، والرمزية أحيانا أخرى وهي تتحدث عن الواقع المختل بكتابة تضبط إيقاعها وصوتها وجرأتها بحيويتها الغاضبة . هذه الجرأة أهلت التأليف المسرحي المغربي مع الهواة ، كي يتبنى عمليتي الهدم والبناء، أي هدم القوالب الجاهزة التي لا تحضر فيها مقومات كتابة النص الدرامي ، وبناء النص الجديد ليكون أكثر جرأة ، وأكثر اقترابا من المسار الثقافي الطليعي في المغرب الذي نما وكبر بوعيه بدءا من السبعينيات من القرن الماضي ، فكان أكثر حوارية مع باقي الأجناس الأدبية الأخرى التي كانت تولد له إمكانات تعبير مغاير للسائد ، بأدبيتها التي تميزت بها مسارات التأليف والابداع وتحولاتهما في الابداعية المغربية . وأهم ما أفرزه هذا المسار المسرحي مع مسرح الهواة ، إذ باختلاف التجارب فيه ، وباختلاف المنطلقات ، والاهداف ، وأشكال البناء الأدبي في التأليف المسرحي ، استطاع توحيد التعدد والاختلاف في المشروع المسرحي بالنص المسرحي الذي تم تأليفه ، أو شرع في إعادة النظر في وجوده ، دون الانغلاق على المغلق ، ودون البحث عن طوق نجاة مستوردة من النصوص الموجودة لانقاذ ما يمكن انقاذه في هذا المسار الذي لا يصارع من أجل البقاء المجرد ، ولكنه يصارع من أجل إحداث رجة حقيقية في أشكال الكتابة التي كانت صدى لصوت لا يمكن لوجوده أن يستقيم في الخصوصية التاريخية والاجتماعية والفكرية المغربية إلا إذا أوجد شعرية للتأليف للكتابة عن التاريخ المتخيل للعالم وللوطن . لقد عمل المسرح الهاوي في المغرب على التأليف المسرحي ، وعمل على تجويد الاخراج ، فكان تجديد نص مؤلف النص إبداعا لدى مخرجين مجربين نقلوا عملية الترئية المسرحية من سكونيتها ، ومن بعدها الواحد ، وخطابها الواحد ، إلى مستويات متعددة كونوها تكوينا جماليا تعددت فيها الأصوات والرموز والعلامات التي كونت ظاهرة إخراجية للمسرح المغربي تميزت بجماليتها في تاريخ المسرح المغربي المعاصر بسبب كون التأليف المسرحي كان محفزا موضوعيا للاخراج كي يجدد أدواته لصناعة الفرجة . ومن الأسماء التي رسخت هذه المعاصرة بالتأليف المسرحي ، نجد محمد مسكين وعبد السلام الحبيب ، ورضوان احدادو ، ومحمد الكغاط ، والمسكيني الصغير ، وعبد الحق الزروالي ، والزبير بن بوشتى ، ومحمد معزوز ومصطفى رمضاني وعبد الكريم برشيد عبد اللطيف فردوس والشاب الواعد المتميز حسن فوطة. لقد كانت ركائز حيوية التأليف المسرحي عند هؤلاء قائمة على مقومات الخاص في حواره مع العام ، وقائمة على تطوير خصوصيات كل مؤلف وفق شروط الاختلاف الذي يلغي المطابقة والتشابه بين التجارب ، ومن خصوصيات هذه الحيوية 1. أن النص المسرحي المغربي صار يقول قوله ببنائه الخاص ، وفق شروط الكتابة الدرامية المغامرة بحثا عن المغاير والمختلف ، وخلق لوحات وتركيبات يتحدد بها النص المسرحي من خلال مفهوم التناص. 2. صار الانفتاح على المدارس المسرحية الغربية مختلفا عما كان عليه الشأن في السابق ، وذلك بالاستفادة من الكتابة المسرحية الطبيعية التي رسخت وجود المسرح الملحمي ، والمسرح التسجيلي ، والمسرح الواقعي دون نفي جمالية التأليف عن جمالية الذاكرة والتراث المغربي والعربي . 3. في التأليف المسرحي المغربي لم يعد وكد الكتاب المسرحيين نقل التراث كما هو ، أو الاعتماد على شكل واحد من هذا التراث بل صار التراث دوالا جديدة بأساطير الأولين والآخرين صار معه هذا التأليف يستفيد من النبض الحي لهذا التراث الذي اكتسب وظيفة حيوية جديدة برؤية جديدة في بناء جديد . 4. لم يقتصر هذا التأليف بهذا الشكل على المسرح النثري ، بل صار المسرح الشعري تأليفا دراميا مع أبي بكر اللمتوني أحمد بن ميمون وحسن طريبق والهاشمي الخياري ، وعلي الصقلي وبن سالم الدمناتي. أما فيما يخص نص المخرج ، كتأليف لزمن العرض وككتابة للفضاء ، وكاستنطاق لأعماق الجسد وأسراره في إعطاء دلالات جديدة ومعاني أخرى لطقوسية الفرجة فقد أعطى لعمر المسرح المغربي أعمارا جديدة كانت تتحرك بنبض إبداعي لكل من عبد السلام الزيادي ، وعبد المجيد فنيش ويحيى بودلال ، ومحمد بلهيسي ومحمد الكغاط وحسن الامراني حين أكدوا على أن الفرجة المسرحية المغربية كإبداع لنص المؤلف لا تستقيم ولا تسير سيرها في الزمن الافتراضي لمتخيل النص المسرحي إلا بتأليف نص فرجوي قادر على أن يمكن بنية العرض من الخروج من القاعات المغلقة أو من العلب والبنايات المسدودة لوضعها في الفضاءات المفتوحة التي تكون بانفتاح لغة المؤلف الدرامي انفتاحا على العالم وعلى الذات وعلى الانا،و على الآخر. وفي تغيير الخطاب حول الابداع المسرحي في التأليف بدأ الكتاب يتحدثون عن تجاربهم ، وهمومهم واسئلتهم الوجودية ، ورؤيتهم للعالم، وعن التأليف المسرحي عنده في المسرحية يقول عبد الكريم برشيد عن التأليف المسرحي لديه (أية مسرحية في عالمي وفضائي ، لا أكتبها عادة إلا بعد أن تكون قد تمت وانتهت وتهيكلت وتبنينت في نفسي وذهني وفي مخيلتي ، وبعد أن تصبح لي علاقات وصداقات وذكريات مع الشخصيات المسرحية ، وبعد أن تكون لي معرفة شاملة بالأماكن التي تتحرك فيها وبالاجواء التي تعيش فيها ، إن الاحداث – في ذاتها ولذاتها – لا تهمني ، لأن الأساس بالنسبة إلى هي الشخصيات وأهم الشخصيات عندي هي العالمة والحكيمة والشاعرة والقلقة والمغامرة والراحلة والمتشككة والمتصعلكة والمتصوفة والموجودة دائما أمام امتحان أو في مواجهة محنة السؤال الوجودي أو الاجتماعي ). وحين بدأ الكتاب المسرحيون يدخلون عالم التأليف بنظرياتهم التي تجمعت فيها نظريات المسرح ونظريات الدراما ، وخبرات مدارس الاخرج ، ومناهج النقد الأدبي والفني ، صار التأليف يتحول بثقافة كل كاتب إلى إبداع ، وصارت المعرفة لديهم أساس بناء نص مثقف عارف تتعدد فيه الأصوات والدلالات بمتخيل يشتغل بثقافة كاتبه لينطق بثقافة النص في النص ، وهو ما بدا جليا في التنظيرات للتأليف المسرحي في ” ميتالغة ” كل نص عند عبد الكريم برشيد ومحمد مسكين ومحمد الكغاط وحتى عند بعض رواد التأليف المسرحي في المغرب أمثال عبد الله شقرون . وبما أن هذا الاستثناء الذي نتحدث عنه هو الذي يمثل الوجه المشرق في التأليف المسرحي في المغرب ، فإن المؤلفين أنفسهم صاروا ينتقدون خلل التأليف المسرحي في المغرب ، ويرى عبد الكريم برشيد أن أغلب الذين يتحدثون عن الفعل الابداعي لا يعرفون حقيقة الابداع ولا يعرفون شروطه ومعطياته ومقدماته النظرية المختلفة ، إنه لا وجود لابداع يولد من فراغ. هناك دائما تفكير سابق، ووعي سابق، وهذا التفكير الذي يسبق الابداع – هو تنظير بالضرورة سواء تم ذلك بوعي أو بغير وعي ، والذين لا يبدعون انطلاقا من تنظيراتهم الخاصة ، فهم يبدعون بالضرورة – انطلاقا من تنظيرات موجودة وهي تمارس عليهم سلطتها سواء شعروا بذلك أو لم يشعروا ) . بعد مخاضات التأسيس المسرحي مع الرواد ،ومع الجيل الجديد بعد السبعينيات من القرن الماضي،صار وضع المسرح يحفز على طرح السؤال التالي:”هل وصل المسرح المغربي إلى الباب المسدود بعد أن راكم تراكمه ،ولم يعد التأليف سيد الابداع المسرحي لا في جهة مراكش ولا في المغرب؟