مصطفى المانوزي تكللت أشغال المؤتمر الوطني الرابع للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف بنجاح منقطع النظير ، غير أن التخوف الذي رافق الإعداد النهائي للمؤتمر ظل يتطاوس بظلاله ، منذ حصول بعض قدماء المعتقلين السياسيين على بطاقة العضوية ك " جواز " لولوج رحاب المنتدى لأول مرة في تاريخه ، أي منذ تأسيسه في نونبر 1999 ، ومن بوابة العاصمة التي تفتقر إلى مقومات فرع تنظيمي ، ينتمي بعضهم إلى قيادات في جمعية مماثلة وآخرون امتداد إلى " معتصمين " ينشطون وفق مقتضيات "الاستقلال الذاتي " عن قنوات المنتدى التنظيمية والأدبية ، ليكون عمرهم الافتراضي داخل المؤتمر وبالأحرى في حضن المنتدى تحت يافطة " مؤتمرين " لا يتجاوز نصف شهر ، ولم يكن هدفهم " الأسمى والنبيل " سوى العمل على محاولة "فسخ" علاقة المنتدى بالمؤسسات الدستورية والعمومية وقطع الصلة بالأساس مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان كشباك فريد تتنفس من خلاله مطالب الضحايا ، في وقت قطعت الدولة ومعها الحكومة كل قنوات التواصل ، منذ تقديم شكايات باسم عائلات المختطفين السياسيين ومنذ إبرام صفقة مع حزب محافظ ليتولى تدبير الشأن العمومي ضدا على سياق وثمار حركة عشرين فبراير المفترضة والمحتملة ، هاته الحكومة التي غازلت العقل الأمني بإهداء الجلادين المفترض فيهم المسؤولية عن انتهاكات سنوات الرصاص الجسيمة ، قانونا يشرعن لإفلاتهم من المساءلة الجنائية ومن العقاب ، حيث تمت معاقبة الضحايا مرة أخرى في شخص قيادة المنتدى التي تعاملت بحياد تام خلال أشغال المؤتمر ،دون توجيه ، ما عدا الإلحاح على ضرورة إشراك الجميع في المداولات والقرارات والتوصيات في توافق وائتلاف مفيد لمصالح المنتدى السامية ، غير أن رئاسة المؤتمر الوطني الرابع لم تتوصل بالبيان العام في صيغته النهائية ، كما أن السجل والملف الخاص بلجنة البيان العام خال من لائحة المؤتمرين الذين شاركوا في أعمالها بغض النظر عن خلو سجل المحاضر من أسماء المقررين ورئيس اللجنة ، ليصير التقرير المنسوب إليها والمنشور في مواقع الكترونية مجهول الهوية والمسؤولية ؛ وعلى اثر ذلك أصدرت هيأة رئاسة المؤتمر بلاغا توضح فيه بأن " عمل لجنة البيان العام لم يتم تسليمه لها فور تلاوته في الجلسة العامة ، كما كان منتظرا وكما هو معمول به ونظرا للخلل الواقع بشأنه وعدم قدرتها على ضبط عناصره ، فقد قررت إحالة الموضوع على المجلس الوطني في دورته الأولى ." ولقد تم تأويل موقف الرئاسة القانوني على أنه محاولة للالتفاف على مقتضيات البيان العام " الثورية " والحال أن الأمر لا يخلو من مجرد تقويم مسطري ، والجهة الوحيدة المخول لها مهمة فحص شرعية المقررات هي الرئاسة التي لم تؤشر على ما تم نشره ، بصرف النظر عن المحتوى . ولعل ما حاول به البعض تعزيز مزاعمهم هو الادعاء بضرورة تحصين " القرار التاريخي " الصادر حول مراجعة العلاقة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، وهو موقف لا نختلف حوله سوى في أسلوب صياغته ، فالمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف راكم وأبدع معجمه وهويته ومقاربته الخاصة ، عبر مسيرته النضالية ، والتي لم يشارك في بلورة معالمها هؤلاء الملتحقون به عشية الاحتفال بمرور 14 سنة على تأسيسه ، مناسبة يطرح فيها سؤال الحاجة إلى الانفتاح دون المساس بالهوية والإستراتيجية والمبادئ ، وهو الخلل الذي شاب " التقرير " المزعوم أنه صدر عن لجنة البيان العام ، فمحرروه لم يمتلكوا بعد تقنية الصياغة بمعجم المنتدى المعمد بروح التأسيس والتراكم النضالي الحقوقي وفق خصوصية تروم التمرين على الانخراط في مسلسل العدالة الانتقالية وفق المعايير الكونية بالتفاعل مع التجربة المغربية وبالحفاظ على جميع المسافات الضرورية سواء مع الدولة ومؤسساتها أو مع الأحزاب ونزعاتها الإلحاقية التي تعتبر العمل الحقوقي مجرد ورقة للضغط والتفاوض والمساومة أحيانا ، لذلك نؤكد بأن الصياغة "المستوردة " والدخيلة على قاموس المنتدى والتي كان من المفترض اغترافها من الأرضية التوجيهية وبيانات المكتب التنفيذي وكذا كلمته خلال الجلسة الافتتاحية ومن التقرير الأدبي الذي كان بمثابة نقد ذاتي للتجربة ، وعلى الخصوص في العلاقة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ؛ لذلك افتقد التقرير إلى لمسات المنتدى وروح نواياه المبدئية ؛ من هنا فإن تقييم تلك العلاقة والذي استدعى تلك العملية "الفدائية " التاريخية ، ينبغي أن يتم من زاوية اعتبار هاته المؤسسة الوطنية وسيطا وهيأة استشارية ، في إطار نقد العلاقة التفاعلية والرقابية والنقدية ، دون اختزالها والرهان عليها كآلية تسدي خدمة عمومية بناء على مقاربة مطلبية إحسانية ، والحال أن المطلوب هو التعاقد على أساس كريم وتشاركي يتطلب المرافعة اليومية واللصيقة نظرا لطبيعة الملفات المعاشية / الإنسانية ، وتأطيرها بمرافقة نقدية اعتبارا من التخطيط إلى التنفيذ ثم التقييم والتقويم ، وفي هذا الصدد لا يعقل أن يقتصر دور المنتدى ،فقط ، على التدخل لفائدة الضحايا والعمل على حث المجلس الوطني لحقوق الإنسان على حل المشاكل الفردية والخاصة للضحايا ، على شاكلة ما يجري من تقديم طلبات تحويل السكن بالأذونيات أوالعكس ،وإنما يتطلب الأمر أن يلعب المنتدى دور الرقيب الحاضر في كل عمليات "التقدم والانتقال " كقوة اقتراحية وكشريك حقيقي ، وفي هذا الصدد يمكن استحضار التقارير الموازية التي يحررها المنتدى بين الفينة والأخرى وكذا المذكرات التي بواسطتها ينتقد نتائج متابعة تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، انطلاقا من مقاربة الملفات العالقة في مجال الحقيقة والكشف عن مصير المختطفين السياسيين ورصد مؤشرات التكرار وترسيخ ضمانات عدم التكرار والمجسدة في محتوى الشق السياسي من التوصيات ، ثم الشق المتعلق بجبر الضرر الفردي والجماعي / المناطقي ، كما يمكن استحضار الدور الطلائعي الذي يلعبه المنتدى من خلال مرافعاته ومبادراته وحواراته في الإعلام والندوات والوقفات والمسيرات من أجل الحيلولة دون الطي التعسفي وغير المنصف لملف ماضي الجمر والقمع ، وذلك عبر المطالبة بافتحاص أدبي ومادي لجميع برامج التعاون المشترك بين المجلس الوطني والاتحاد الأوروبي حول مشاريع حفظ الذاكرة والأرشيف والتاريخ وجبر الضرر الجماعي ،والتي تقدر الاعتمادات المرصودة لها بالملايير ، وكذا إجبار الدولة على سن إستراتيجية وطنية شاملة للحد من الإفلات من العقاب ، فلنتذكر المعركة المشتركة التي خاضها المنتدى إلى جانب المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبعض الفرق البرلمانية من أجل تطهير قانون حماية العسكريين ، من المقتضيات التي من شأنها شرعنة الإفلات من العقاب وتمتيع الجلادين الحقيقيين والمفترضين بصكوك البراءة من الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة ، الماضية والحاضرة والمحتملة ، في ظل انعدام إرادة حقيقية لإعمال تدابير وضمانات عدم التكرار ، وقد توج النضال المشترك أيضا مع باقي مكونات الطيف الحقوقي بإلغاء المادة السابعة من القانون المذكور ،والتي كانت تعدم المساءلة الجنائية ؛ ليبقى المطلوب هو النضال باستمرار وإصرار من أجل إلغاء المادة السادسة والتي تتعارض والحق في معرفة الحقيقة وحرية التعبير والتنظيم ،وذلك في سياق تطهير الترسانة القانونية وخاصة قانون الحق في الوصول إلى المعلومة وقانون تنظيم الأرشيف الوطني ،من كل ما من شأنه اعتراض هذا الحق المكفول كونيا . وإذا كنا مضطرين والحالة هاته إلى تقييم علاقتنا مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ،فإننا نلح على ضرورة الحرص على مدى أهمية خضوع هاته المؤسسة الوطنية للرقابة البرلمانية والقضائية أيضا ، على اعتبار أن الإجراءات والمقررات والاستشارات المقدمة كمنتوج ، تشكل وعاءا مهيكلا ومؤسسا لمراكز قانونية تؤثر في وعلى المسار الحقوقي وتشكله وهندسته ، وترهن ديناميكية التخطيط والتشريع وتوجه السياسات العمومية ، التقائيا ، في مجال الحريات وحقوق الإنسان والتربية على المواطنة ، الشيء الذي يقتضي تأهيل أداء المنتدى لكي يلعب دوره الريادي في نقد جميع المقاربات ذات البعد والخلفيات الإحسانية والاختزالية ، ومن أجل تحويل شعار مؤتمرنا الرابع " من أجل الكرامة وضد التكرار " ، إلى مقتضيات مادية وآليات عملية تتناغم مع مطلب ملاءمة التفعيل الديمقراطي للدستور ، كوثيقة انتقالية ، مع المعايير الكونية المؤطرة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ،ضمن إستراتيجية شاملة ومندمجة مؤطرة بالشفافية والحكامة ؛ الشيء الذي لا يحول دون تثمين كل ما أنجز وأجازه الضحايا على المستوى الشخصي ، لكن لا مناص من ضرورة التأمل في أهمية الاعتراف بفشل المقاربة التعويضية في تحقيق مرامي العدالة الانتقالية ،مع الإعداد والإبداع في خلق بدائل للتجاوز والاستدراك والتقويم ،وعلى سبيل الاقتراح ، إنشاء صندوق عمومي يتولى مهمة مأسسة جبر الضرر الفردي والجماعي / المناطقي وفق روح شعار المؤتمر واختيارات المنتدى الاستراتيجية التي تروم تحقيق عدم التكرار مع حفظ الكرامة ورد الاعتبار للضحايا ،إنسانيا ومجاليا ، ضدا على كل إرادة لاستمرار أثار العقاب الجماعي ، على امتداد الوطن من أقصى تخوم الصحراء إلى أقصى الريف ، ولنطرح سؤال الاستمرارية وإشكالية التماهي بين المجلس الحالي وبين نسخ المجلس الاستشاري ، سؤالا يستحضر التوفيق بين الإمكانيات الذاتية للمنتدى ،كمنظمة إصلاحية ،بنفس حقوقي محض ، والشرط العام الموضوعي ، مما يعنيه بالضبط نقد وتطوير العلاقة مع الفاعل الاجتماعي والسياسي ومدى انخراطه في تفعيل توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة كثمرة مجهود وطني وكحد أدنى مشترك فيما بين مكونات الحركة الوطنية والديمقراطية ؛ وعلى الخصوص الفاعلين السياسيين الذين اختاروا العمل المؤسساتي والمشاركة في صناعة القرار السياسي والأمني ، مع استحضار توجهات الحكومة الحالية التي انبثقت كنقيض لسياق الحراك الاجتماعي ومفارق لقانون التحول والتطور ، وما نتج عنه من إبرام صفقات هنا وهناك فيما بين الحزب الأغلبي ، الرافض قطعا لمسلسل القطيعة مع الماضي القريب والقاصي ، وبين جهات لها نفس الهدف والمصالح في وأد أية تسوية عادلة تروم المصالحة الوطنية المقرونة بالحقيقة والإنصاف .لقد واجهنا كل محاولات إقبار الملف ، حيث كنا نلمس تبلور إرادة على مستوى رئاسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان تروم إغلاق ملف معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، والحال أن هذا الملف ، كقضية سيادية ومجتمعية وتدخل ضمن المجال المحفوظ للملك ويخضع لمسؤوليته والتزامه في الطي طيا عادلا ، هو علة وهدف وجوده وتأسيسه ؛ فإن الأمر يقتضي تأهيل انخراطنا في دواليبه وتوسيع العضوية كميا ونوعيا ، بما يبيح ويتيح إمكانية خلق آليات مرافقة الضحايا أو ذويهم صحيا ونفسيا وقانونيا وقضائيا ،إن اقتضى الحال ،وآلية الوقاية من التعذيب مستقلة ومشتركة ،ثم آلية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري وكذا جميع الآليات المفيدة لمواكبة وتتبع الممارسة الاتفاقية الدولتية وتقييم وتقويم أدائها وخلق شراكات وتحالفات إقليمية ودولية ،وان تطلب الأمر إعادة قراءة مسار العدالة الانتقالية في سياق ترسيخ عدالة الانتقال الديمقراطي في العلاقة مع دول الجوار ودول الاستعمار ، قراءة تروم إعادة كتابة التاريخ الوطني والمغاربي والمتوسطي وتحول دون تزكية عقدة تجزئة المغرب الكبير ، وذلك بتصفية الدين التاريخي سواء بحفظ الذاكرة الجمعية / الجماعية على أساس استكمال رسالة التحرر والتحرير مع رد الاعتبار واستصدار صكوك الاعتذار عن كل ما تم اقترافه من جرائم ضد الإنسانية باسم الأمن والحماية والمساعدات " المالية " و"التعاون الاستراتيجي المشترك " .