د . قيس النوري مراكز أبحاث ومواقع إعلامية أميركية نشطت بتسريب تقارير تتحدث عن دول عربية مرشحة لأضطراب سياسي ، على حد وصف تلك التسريبات، كما حصل في تونس ومصر مؤخرا ، ثم تتصاعد الأصوات الأميركية هذه إلى سقف أعلى من الخطاب وصولا لتحذير وزيرة الخارجية الأميركية في مؤتمر الأمن الدولي المنعقد حاليا في ميونخ بمطالبتها دول المنطقة الحليفة لها بأجراء أصلاحات سياسية تفاديا لحدوث العاصفة الهوجاء التي تجتاح الشرق الأوسط كما قالت الوزيرة الأميركية .. أن تحليل مضمون هذا النمط من الخطاب الأميركي يتطلب وقفة تأمل لفهم خلفيات التسريبات أولا والدعوة لأجراء أصلاحات في النظم العربية المهترئة ثانيا .. ماذا وراء كل هذا ولماذا هذا الخطاب الأن ؟ المغزى الأول وراء هذه التسريبات بتسمية عدد من الدول المرشحة للأضطراب السياسي ، كما يسميه الخطاب الاميركي ، يأتي في سياق ما تريد الولاياتالمتحدة من أشاعة الوهم بأنها تقف وراء المطالبة بالأصلاح السياسي ، ومن ثم فأنها تتعاطف مع الدعوات الرامية إلى التغيير نحو مناخ ديمقراطي في الشرق الأوسط ، لكن حقيقة الأمر ليست هكذا ، أو بعبارة أصح أنها تقف بالضد تماما من أي تحول جدي نحو الديمقراطية لأن الديمقراطية في نهاية المطاف تثمر تحسن في الأداء السياسي العربي وهذا ما لا تريده السياسة الأميركية ، خاصة وأن المصالح القومية العربية تصتدم بالتوجهات الأستعمارية الأميركية وأذرعها العربية والإسرائيلية .. القراءة الموضوعية لأحداث تونس ومصر تشير أن هذا الغليان الشعبي العفوي والعنيف أنما يأتي تعبيرا دقيقا عن رفض الشعب العربي للسياسات الأميركية والمعبر عنه بسياسات وسلوكيات النظم العربية الحليفة لها ، ومن هنا يأتي التخوف الأميركي من نجاح الحركة الشعبية العربية بالوصول إلى أهدافها بكنس هذه النظم مما يرتب في نهاية المطاف شهادة الفشل للتوجهات الأميركية عموما ويسبب لها أنتكاسة خطيرة على صعيد تأثيرها الدولي خاصة وأن المنطقة العربية هي الأكثر أهمية وحساسية في مجمل حركة السياسة الدولية.. لقد لاحظ المتتبع لتطورات الموقف الأميركي تجاه ما يحدث في مصر نوعا من التباين في ذلك الموقف الذي تدرج في مراحله الأولى من الذهول أو الصدمة ثم لاحقا تبني خيار رحيل مبارك عن السلطة ( الأن وليس في سبتمبر ) بعد أن أمنت وضع الرقم الثاني في موقع نائب الرئيس وبما يؤمن أستمرارية التوجهات المصرية السابقة ، وحين أصرت جماهير الشباب الغاضبة على رحيل مبارك وبوادر فشل سياسة الاحتواء الأميركية للأزمة ، عادت مرة أخرى لبلورة موقف جديد مناقض للأول ( الأن وليس سبتمبر) بالتصريح ببقاء مبارك مستعينة بحجج ضرورات تشريعية ودستورية مستعينة بتخاذل بعض قوى المعارضة المصرية وخيانتها للثورة الشعبية بأستعدادها للحوار مع رموز النظام المصري المنسجم بنويا مع التوجهات الأميركية .. التخوف الأميركي الأكبر من أحتمالات تطور الأحداث في مصر نحو مسارات أكثر جذرية تنبع من أحتمالات ألغاء دور مصر التخريبي في المنطقة وألغاء تحالفها المعلن مع العدو الصهيوني فيما يتعلق بقضايا عربية رئيسية ،منها وهو الأكثر أهمية الموقف من الإحتلال الاميركي للعراق حيث قدم النظام المصري والجامعة العربية بقيادتها المصرية لهذا الإحتلال وحكوماته في العراق دعما سياسيا كبيرا أضفى على سلطة الإحتلال شرعية مزيفة سحبت ورائها باقي النظم العربية بأتجاه تقديم المزيد من الدعم السياسي والدبلوماسي والأقتصادي حتى وصل الأمر بالدعوة لأنعقاد القمة العربية القادمة في بغداد المحتلة وهذا ما يتعارض مع القانون الدولي وميثاق جامع الدول العربية .. القضية الأخرى التي يلعب فيها النظام المصري دور الوكيل الأميركي النشط هي القضية الفلسطينية ، حيث ينحاز هذا النظام وبشكل سافر ومستفز لسلطة محمود عباس لصالح تخاذله وتواطئه وتنازلاته المفرطة للعدو الصهيوني ، ولعل ما كشفته الوثائق مؤخرا يؤكد صحة ما نذهب أليه بعد أن أكتسبت الرؤى التحليلية مصداقيتها من مضامين تلك الوثائق .. أن خسارة النظام المصري بالنسبة للولايات المتحدة تعني أكثر من هزيمة لسياسة أميركا في المنطقة ، أنها تعني تحديدا الكارثة بكل ما تعني الكلمة من معنى وهذا ما أراد المبعوث الأميركي إلى مصر ( فرانك ويسنر ) التعبير عنه بقوله : ( المخاطر ما تزال قائمة ) أنه يعني مخاطر عطب القاطرة الأميركية ( مصر ) عن سحب العرب نحو مزيدا من الأرتهان للأرادة الأميركية التي تعيش أعمق أزماتها ، تلك الازمات التي كانت فاتحتها المقاومة العراقية الباسلة بما أوجدته من بؤرة رفض مقاتلة ما كانت أميركا وذيولها في المنطقة تتحسب له