(الرئيس الأميركي أوباما، كأسلافه، يعد العرب بما لا يستطيعه، لأنه سيظل عاجزا عن الوفاء بوعوده، طالما ظل أمن إسرائيل له الأولوية على كل ما عداه على أجندة السياسة الخارجية الأميركية). لقد أفشلت دولة الاحتلال الإسرائيلي الزيارة التي قام بها لها لمدة ثلاثة أيام مؤخرا نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، كما أفشلت الزيارة التي قامت بها لها وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أواخر العام الماضي، بالإعلان في تزامن مع الزيارتين عن توسيع البناء في المستعمرات الاستيطانية اليهودية غير الشرعية في القدسالمحتلة بخاصة، لكن الزيارتين انتهتا ليس فقط بتراجع الرئاسة والإدارة الأميركيتين عن تعهداتهما المعلنة للعرب والفلسطينيين تجاه "عملية السلام"، بل بتكرار تأكيد الالتزام الأميركي، قولا وفعلا، بإسرائيل واحتلالها وأمنها وباستمرار الدعم الأميركي لتفوقها النوعي والكمي عسكريا على كل محيطها العربي والإسلامي، بالرغم من تكرار صناع القرار العربي والفلسطيني إثبات ثقتهم في حسن النوايا الأميركية، والتي يؤكد تطور الأحداث المرة تلو الأخرى منذ عام 1967 أنها ثقة ليس في محلها. مما يؤكد أن استمرار التحالف الأميركي – الإسرائيلي وصنع السلام في "الشرق الأوسط" هما نقيضان بقدر التناقض بين صنع السلام وبين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، ومما يؤكد كذلك أن الرئيس باراك أوباما، كأسلافه، يعد العرب، وفي مقدمتهم الفلسطينيون، بما لا يستطيعه، إن افترضنا حسن النية، أو بما لا يريده فعلا إن افترضنا سوء النية لديه، لأنه بحكم الأمر الواقع عاجز عن الوفاء بوعوده، حتى لو توفرت لديه النوايا الحسنة، طالما ظل أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي له الأولوية على كل ما عداه على أجندة السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة. وكان قرار اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية بالموافقة على "مباحثات تقارب" لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية هو أحدث ما وصفه رئيس وزراء/وزير خارجية قطر، الشيخ حمد آل ثاني، ب "فرصة" جديدة أرادت "المجموعة العربية" أن تعطيها "للوسيط الأميركي"، وهذا الوسيط "هو الذي طلب أن يعطى فرصة" كما قال، مضيفا مع ذلك بأنه "حتى الآن يوجد أمل لدى الوسيط الأميركي الذي سنسانده ونساعده ولكن ليس على حسابنا". وإذا كانت الأسباب غنية عن البيان لكي يظل لدى الوسيط الأميركي "أمل" كالوهم يواصل تسويقه لدى صانع القرار العربي والإسلامي، المثقل بعجزه بقدر ما هو مثقل بأعباء رهانه على هذا الوسيط أو بأعباء تحالفه أو صداقته معه وهو وهم لم يعد يجد له مشترين في السوق الشعبي العربي والإسلامي فإن أسباب استمرار الرهان العربي على الوسيط الأميركي والأمل فيه وفي قدرته على الوفاء بوعوده لم يعد له إلا واحد من تفسيرين: إما أن صانع القرار العربي قد أصبح مرتهنا لرهانه هذا لا يستطيع الانفكاك منه، وفي هذه الحالة لا حول ولا قوة إلا بالله، وإما أنه يرتضي الاستمرار في هذا الرهان الخاسر باختياره طوعا، وفي هذه الحالة سوف يجد نفسه عاجلا قبل آجلا في مواجهة نفاد صبر شعبي لم يعد يطيق استمرار بيع السراب له باعتباره ماء. وهذا هو على وجه التحديد الوضع الذي يجد صانع القرار الفلسطيني نفسه فيه حاليا. صحيح أن توقيت الإعلان عن القرارات الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة ليتزامن مع زيارة بايدن كان فيه إهانة لبايدن، لكن الصحيح قبل ذلك أن ذاك الإعلان كان رسالة إسرائيلية قوية إلى حليفها بأنها مصممة على مواصلة الاستيطان وتوسيعه، في القدس بخاصة. والتجربة العربية مع الرد الأميركي على هذا الاستيطان منذ عام 1967 تؤكد عدم الاعتراض الأميركي عليه إلا لفظيا باعتباره يؤثر سلبا في التجاوب العربي مع عملية السلام، وكانت "إدانة" بايدن الأخيرة في هذا السياق، أما هيلاري كلينتون فاعتبرت قرارات الاستيطان الأخيرة مجرد "إشارة سلبية للغاية" في السياق ذاته، دون أن أي إشارة إلى عدم شرعيته وانتهاكه للقانون والشرعية الدوليين أو إلى كونه جزءا من عملية الاحتلال. فالموقف الرسمي الأميركي يعتبر الأراضي المحتلة أراض "متنازعا عليها" يتقرر مصيرها بالتفاوض الثنائي فقط دون أي تدخل من المجتمع الدولي ويعتبر المستعمرات الاستيطانية اليهودية "أمرا واقعا" يتم حل الخلاف عليه عبر "تبادل الأراضي". وهذا الموقف الأميركي المبدئي في حد ذاته سبب كاف لرفض أي وساطة أميركية في حل الصراع، أما الرهان على أي نزاهة أو عدالة في أي وساطة أميركية فإنه سيكون من قبيل العمى السياسي، بسبب الموقف الأميركي في حد ذاته بغض النظر عن سياسة الاستيطان الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، لو لم تعلن حكومة دولة الاحتلال عن أي قرارات استيطانية جديدة، فإن زيارة بايدن ما كانت ستتمخض عن نتائج مختلفة جوهريا، لأسباب عديدة هي أسباب أميركية أساسا، لا إسرائيلية. فزيارة بايدن ومن سبقوه من كبار المسؤولين الأميركان كانت، أولا، تستهدف في المقام الأول "التأكد من أننا جميعا على الصفحة نفسها ومن أن ألأمور واضحة لنا جميعا حول إيران"، كما قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بالكونغرس الأميركي، جون كيري، الذي سبق بايدن إلى دولة الاحتلال بأيام فقط، وقد اختير بايدن لتنسيق المواقف الأميركية – الإسرائيلية تجاه إيران لأنه المسؤول الأرفع مستوى الأكثر تأييدا لإسرائيل في إدارة أوباما كما قالت وسائل الإعلام الأميركية. وبايدن بالتأكيد، ثانيا، يفتقد صفة الحياد في الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي فإنه سيكون آخر المسؤولين الأميركيين الذين يمكن أن يقوموا بوساطة نزيهة في حل هذا الصراع، فهو قد كرر الإعلان بفخر عن كونه "صهيونيا" ("أنا صهيوني، فالمرء ليس بحاجة لأن يكون يهوديا لكي يكون صهيونيا")، وهو اعتبر إنشاء إسرائيل من ألانجازات العظيمة للبشرية في القرن العشرين الماضي، وكان راعيا رئيسيا ل"قانون مكافحة الإرهاب الفلسطيني" عام 2006، ومروجا للدعوة الإسرائيلية إلى تفتيت الوطن العربي على أسس عرقية ودينية وطائفية ومن هنا دعوته إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول، وهو يفتخر بسجله في دعم إسرائيل في الكونغرس طوال 34 عاما، لأنه "كلما تعزز أمن إسرائيل كلما زادت قوة أميركا" ولأن هذا الدعم "يخرج من أعماقنا، وينتقل إلى قلوبنا، وينتهي في رؤوسنا"، كما قال. وثالثا، لأن المهمة الفلسطينية الإسرائيلية الثانوية لبايدن لها إطار عمل محدد ب"رؤية بوش" التي تبناها بحذافيرها تقريبا خلفه باراك، والتي أثبتت فشلها بعد أكثر من تسع سنوات، لا بل إن إدارة أوباما قد خفضت سقف التوقعات العربية منها لكي تتساوق مع "السلام الاقتصادي" الذي تدعو له حكومة دولة الاحتلال الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو. ففي الحادي عشر من شهر شباط / فبراير الماضي حددت هيلاري كلينتون في بيان بعد اجتماع مع ممثل اللجنة الرباعية الدولية، توني بلير، إطار العمل لعملية السلام التي تسعى إدارتها إلى استئنافها، وقد حدد بيانها مهمة بلير في أربع نقاط: 1) حشد الدعم للقدرة المؤسساتية والحكم لدولة فلسطينية في المستقبل، بما في ذلك حكم القانون (حيث ما زالت قوانين الاحتلال هي الحاكمة). 2) تحسين حرية الحركة والوصول للفلسطينيين (ما زالت كلينتون ومعظم المسؤولين الأميركيين يتحاشون استخدام عبارة "الشعب الفلسطيني"). 3) تشجيع المزيد من استثمار القطاع الخاص (تحت الاحتلال طبعا). 4) إحداث تغيير في ظروف معيشة الناس في غزة (وليس إنهاء الحصار المفروض على القطاع). وهذه الوصفة الأميركية للمستقبل الفلسطيني المنظور هي الإطار العام لأي مباحثات تقارب غير مباشرة تستهدف استئناف المفاوضات المباشرة ، وهي بالتأكيد قاصرة عن تلبية الحد الأدنى من المطالب الوطنية الفلسطينية والعربية، وهي كما هو واضح وصفة أميركية خالصة، لا إسرائيلية. ورابعا، لأن بايدن قد كرر معارضته علنا لتوصيات تقرير "مجموعة الدراسات حول العراق" برئاسة جيمس بيكر ولي هاميلتون عام 2006 بالربط بين استقرار الوضع تحت الاحتلال الأميركي في العراق وبين حل الصراع العربي – الإسرائيلي عبر تسوية إقليمية، مما يتناقض مع الرؤية المعلنة لإدارة أوباما التي يكرر المبعوث الرئاسي جورج ميتشل إعلانها باعتبارها الهدف لمهمته. وهذه الرؤية تسعى إلى "سلام شامل في الشرق الوسط" أساسه مقايضة الوساطة الأميركية في حل الصراع العربي – الإسرائيلي بالدعم العربي لمشروع الاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان وبإنشاء جبهة عربية -- أميركية – إسرائيلية في مواجهة إيران. لكن ألم تكن هذه هي بصفة أساسية الرؤية الأميركية التي انعقد مؤتمر مدريد للسلام على أساسها عام 1991 والتي يتأكد بعد عشرين عاما اليوم أنها قادت فقط إلى تعزيز الاحتلال الإسرائيلي وإلى احتلال العراق وأفغانستان بينما ما زال السلام سرابا سوف يظل الأميركيون يبيعونه للعرب حتى يكتمل المخطط الأميركي – الإسرائيلي للشرق الأوسط وفي القلب منه الوطن العربي؟!