حميد الحريزي بعد انهيار الدكتاتورية انتشرت على طول وعرض البلاد المئات من المنظمات المهنية والإنسانية وبمسمى منظمات المجتمع المدني لمختلف الاغراض والأهداف الحقيقي منها والوهمي , ومنها من يتستر تحت هذا الاسم أو ذاك ليقضي نشاطا أخر بعيداً كل البعد عن الهدف والاسم المعلن , وقد برع العديد من متصيدي الفرص في طريقة الالتفاف والاحتيال وابتداع الأسماء والشعارات واللافتات في مختلف المجالات , بحيث أصبحت هذه المنظمات والجمعيات والنوادي وسيلة للكسب المادي والمعنوي والاستحواذ على حقوق ومال الغير والحصول على الهبات والمساعدات من الداخل والخارج . ولكننا في كل هذا الهوس وهذا التدافع باللافتات والإعلانات والمقرات لم نجد مقرا واحدا ولا لافتة واحدة تمت بصلة سواء من قريب أو بعيد إلى الفلسفة , والتي أرى أنها الفقيدة الأولى في عراق اليوم والأمس والمستقبل وكأن وطننا لايطيق الفلاسفة وكأننا الأول في العالم في عدد الفلاسفة ممن يتفكرون في شؤون الكون والعباد فلا حاجة لنا بالفلسفة والفلاسفة . كما إننا لم نشهد لقاء واحدا في فضائياتنا لأي فيلسوف أو شارح فلسفة أو متحدث عن تاريخ أو مدارس الفلسفة ولو 1% من ندوات ولقاءات الشعر الشعبي مع احترامنا للشعر والشعراء شعبيين وغير شعبيين أو 1% من المحللين السياسيين ممن اضجروا شاشات التلفاز ناهيك عن المشاهدين بطلعتهم وفي أكثر من فضائية كأنهم قطط تتنقل بخفة بين صحون الستلايت على سطوح المنازل, ناهيك عن الصحف والجرائد والمجلات، فيبدو إننا شعب لا حاجة له بالفلسفة ؟ ومعلوم من هو الشعب الذي لا حاجة له بالفلسفة ؟ فإما ان يكون متفلسفا بكامله فالفلسفة زاده اليومي ؟ أوهو شعب يغط في حالة الركود والسكون والخضوع وإقفال باب التساؤل والنقد والشك ؟ ولا أظن إننا من النوع الأول ومنذ أقدمنا على حرق كتب ومؤلفات ابن رشد وحاربنا من سبقه ومن خلفه؟؟؟ فلا يمكن ان يكون الشعب منتجا إذ لم يكن شعبا متفلسفا . فان من ارتقى بالشعوب صوب التقدم والتطور والحضارة هم الفلاسفة . العالم يعرف جيدا فضل أفلاطون وأرسطو طاليس وكانت وهيدجر و هيغل وماركس . و.. و .. .،حيث الفلسفة هي العلم الأكثر نقدا وشكا وتساؤلا وأكثر العلوم مشاكسة، الفلسفة تعني الحركة ضد السكون والجمود، الشك والتساؤل ضد اليقين والتحجر , التطلع نحو الامام وكسر القيود بدل التقهقر للخلف والانزواء في كهوف الماضي والرضا بسلاسل الأعراف والتقاليد والاحكام الثابتة والمتكلسة. ويحق لنا ان نسأل كم فيلسوفاً عربياً أو كم فيلسوفاً عراقياً وكم فيلسوفاً إسلامياً عندنا ، مقارنة بما أنجبته وولدته واستولدته الحضارات الحية في العالم ؟ ما هو سبب إصابتنا بالعقم الفلسفي ؟ ومن أخصى عقولنا واقتلع أرحام شعوبنا وحرم عليها ولادة الفلاسفة ، ومن هو المستفيد ؟ أو من هو الذي يقف وراء هذا الاخصاء وهذا الإخفاء والامحاء لدور الفلسفة والفلاسفة ؟ نسال أين هي حصة درس الفلسفة في مدارسنا على مختلف مستوياتها ؟ وأين هي حصة الفلسفة في معاهدنا وكلياتنا الإنسانية ناهيك عن العملية منها؟ وكيف يمكن ان يفكر الإنسان بدون ان يمتلك نهجا فلسفيا علميا وعمليا أي منهجا لحياته حسب قناعته ؟ أليس من الجدير بنا ان نمد أجيالنا ولو بصورة مبسطة أهم المدارس الفكرية والفلسفية في العالم خيالهم وتكون عقولهم رحبة وعارفة بما يدور في العالم ، وهو الطريق السليم لتربية جيل ناقد وعقول فاعلة منتجة ، لنحصنها بذلك ضد جميع أنواع الهرطقات والخرافات والخزعبلات ليكونوا انذاك شبابنا حطبا لنيران الدجالين والمشعوذين. لسنا فلاسفة , ولكننا نرى ان الفلسفة هي الإكسير الشافي والمعافي من دياجير الظلام الزاحف وخصوصا على عقول شاباتنا وشبابنا ، ليكون لقمة سائغة كاملة لذئاب الجهل والخرافة ،ممن لا يمكن ان يكون لها مقام ولا يسمع لهم كلام إلا في بؤر الجهل والجمود والتخلف لذلك نرى ان اشد أعداء الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية على مدى التاريخ هم الفلاسفة والحكماء ، نرى كل فروع العلم مسموح لها بالنمو والانتشار والازدهار إلا الفلسفة لأنها الكاشف لكل زيف والمذيبة في وهج نورها كل قناع يتقنع به المستبدون والديكتاتوريون والظلاميون والجهلة .لأنها تفك كل عصائب التضليل والتجهيل عن عيون الناس المظلومين والمضطهدين والقانتين والمستكينين في ظل دوغما الاستبداد والجهل والظلم والخرافة والسحر .(لايمكن لديكتاتور ان يركب على رقبة شعب واع.وتشكيل الوعي بتكوين العقل النقدي...ولذا كان لابد ن وعي خاص وهذا الوعي يجب ان يكون اجتماعيا...،ويمكن اليوم لأرسطو وزينون لو بعثا ان يشتركا في مناقشة اعقد المسائل الفلسفية والسياسية في برلمانات الحكم وسيجد ان الخميرة الفكرية التي وصلا إليها لم تتطور كثيرا عن أيام أثينا) كتاب كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبدادص181