محمد السعيد مازغ كان بودي أن أجعلها رسالة مفتوحة إلى كل من يهمه الأمر، عسى أن تتلقفها أذن صاغية، وإرادة صادقة تؤمن بأهمية الإرث التاريخي، وترفض العبث به، أو طمسه من الذاكرة الجماعية، تلك الذاكرة التي مازالت تتحسر على ما يحاك ضذ مآثرنا التاريخية من مؤامرات ناجمة عن جهل بقيمتها المادية والمعنوية، وأقلها تحويل بعضها إلى شبه " مراحيض " مفتوحة في وجه العموم للتبول وقضاء الحاجة أسوار مراكش نموذجا.وبععضها إلى فضاءات تجمع المتسكعين وعاقري الكحول نذكر على سبيل المثال لا الحصر : مارستان سيدي اسحاق، خلف بريد ساحة جامع الفناْء، وهلم جرا . معالم ذات قيمة تاريخية، تعاني من الاهمال، وتنتهك فضاءاتها بشكل يومي، دون أن تكلف الجهات المسؤولة عناء في سن قوانين زجرية لكل من سولت له نفسه التبول على تاريخ مدينة مراكش التاريخية ، أو تحسيس المواطن بأهمية الإرث التاريخي، وضرورة صيانته وحمايته من الاندثار والتشويه، وأيضا من الزوال وطمس معالمه كما هو الحال بالنسبة لبريد جيليز مراكش تتعرض بناية البريد الواقعة بشارع محمد الخامس /جيليز مراكش لتشويه ممنهج، وإلى ترميم واعادة بناء لا يستندان للمعايير العلمية المطابقة باعتبار مرجعيتها التاريخية كشامة عمرانية في الذاكرة الجماعية. وللتذكير فقط، فبناية البريد بجيليز ليست مجرد بناية عادية، يمكن مسح معالمها بسهولة، وإنما هي إرث تاريخي ، ومرجعية عمرانية تؤرخ لحقبة معينة، كأول مكتب بريدي أسس بمراكش، وكان ذلك سنة 1914، وتولى ادارته الفرنسي G.BASSIER . أما البناية بشكلها الحالي فقد فتحت للعموم سنة 1959 بعد سنتين من البناء ، ومن تم فالبناية تدخل في إطار الذاكرة الجماعية للعمران الحديث ، وكل تصرف فيها يتطلب الرجوع إلى الخبرات المختصة، والالتزام بدفتر تحملات ينسجم مع خصوصيتها ، تجنبا لاي مس بقيمتهاالتاريخية، والثراث العمراني الذي كان وما زال مفخرة للأجيال . وخلاصة القول أن كل تصرف عشوائي غير مقيد بالرجوع إلى ذوي الإختصاص يعد جريمة وجناية في حق مدينة مراكش وسكانها، ووصمة عار في جبين مسؤولي البريد محليا ووطنيا, وعليه، من حق مدينة مراكش ان تتساءل : هل إدارة البريد وهي تشرع في تغيير معلمة البريد، عفوا في تشويه وتحريف البناية، هل استندت الى رأي الخبراء ، وأستوعبت القيمة التاريخية والعمرانية لهذه المعلمة؟ هل السيد المدير العام لبريد المغرب على علم بما تتعرض له بناية بريد المغرب بجيليز من تحريف وتشويه لمعالمها ؟ أليس من حق مدينة مراكش ، المدينة العريقة الحاملة للتاريخ والمصنفة دوليا من طرف اليونسكو ، أن تفتخر بذاكرتها الجماعية، وتحتفظ لنفسها بأحد المراجع التي تؤرخ لبداية الاستقلال ؛ ورغم حداثة العهد مقارنة بباقي المعالم التاريخية بمراكش / العاصمة المرابطية ذات الألف سنة من عمرها الحضاري .