بقلم : محمد السعيد مازغ من واجب أي مسؤول وفي أية مصلحة أن يضع نصب عينيه، أن دوره أساسي في توفير وتهييء الظروف الملائمة للسير العادي للمرفق، وأن حسن تدبيره يتجلى في قدرته على الزيادة في الإنتاج وتأمين الجودة، وأيضا في تحسين المردودية والتشجيع على تحقيق الأهداف المسطرة، وقد يجد صعوبة في إخضاع العاملين لأسلوبه الخاص ، ودفعهم للتأقلم مع المخطط او المخططات التي رسمها في مخيلته، او انضباط الآخر إلى التعليمات او الأوامر التي يريدها ان تطبق حرفيا، ودون أدنى استفسار أو ملاحظة.. ومن بين العوامل التي تحول دون بلوغ الاهداف المسطرة، وتشكل فشلا حقيقيا وتحديا كبيرا ، هو اسلوب التعامل التي ينهجه المسؤول ، والذي يتسم بالانفعالية والقسوة واحيانا يتجاوز ذلك إلى السب والقذف والمس بالكرامة ، الشيء الذي يتولد عنه الكراهية، وردود أفعال قد تختلف اشكالها وحيثياتها حسب نفسية المتلقي ، وقوة أو ضعف شخصيته. بعض المسؤولين يلجؤون إلى توقيف الموظف، وحرمانه من راتبه، لا لشيء إلا لأنه لم ينصع إلى الأوامر، والتي تدخل أحيانا في إطار لا علاقة له بالمهمة الموكولة اليه، فمنهم من يختلط عليه الأمر ، فيحول الموظف إلى سائق تحت إمرة الزوجة والابناء، يلبي طلباتهم، ويخدم مصالحهم، وآخرون حولوهم إلى حراس السكن الشخصي او طباخين وعملاء وبعضهم يتحامل على المستخدم، فيشبعه من قاموس الإهانات والتحقير و السخرية و الشتائم الحاطة من الكرامة، والبعض الآخر، طردوا من العمل، وقطعت أرزاقهم، لمجرد الوقوف في وجه الظلم، أو المطالبة بحق من الحقوق التي يسنها القانون، كاحترام ساعات العمل، والانخراط في الضمان الاجتماعي، والتغطية الصحية، والحد الادنى في الاجور، والعطل السنوية…. الأمثلة في هذا الباب كثيرة ومتنوعة، ولا تعني جهة دون أخرى، إنها آفة أصابت الكثير من المؤسسات العمومية والخصوصية، وكل حالة تشكل نموذجا صارخا لما يتعرض له المواطن المغلوب على امره ، العاجز عن إسماع صوته، أو القادر على حماية حقوقه والدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة، وهذا لا يتطلب فقط العزيمة، ولكن أيضا تحمل تبعات العطالة، من عجز مادي ، وتراكم الديون، وغلاء المعيشة… ندرج مثالا واحدا صادفناه يوم 1 مارس خلال تغطيتنا للوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها النقابة الوطنية للصحة العمومية ف د ش ، والتي حضرها حشد كبير من الممرضات والممرضين والاطر العاملة بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش ، حيث وجدنا السيد عبد السلام معزوز ممرض معتصما امام باب الادارة، وفي حالة صحية متدهورة ، أما النفسية فكانت مرتفعة نظرا لإحساسه بأنه لم يرتكب أي خطإ مهني يمكن الاحتجاج به كذريعة تستوجب التوقيف والاعفاء من المهام، كما أن وقوف زملائه إلى جانبه، وإصرارهم على حل المشكل عن طريق الحوار الهادئ والملتزم، بعيدا عن لغة الخشب والتعالي والانانية، وتغليب المصلحة العامة وجعلها فوق اي اعتبار، أعطاه شحنة للاستمرار في الاعتصام، وتكبد كل المثبطات إلى غاية تحقيق العدالة.
مثال آخر ، بالقطاع الصحي وهذه المرة الخصوصي، حيث لجأ المدير المسؤول عن مصحة طبية إلى مطالبة مستخدمة بتوقيع استقالتها ، بدعوى أن مسؤولة لم يعد يروقها " الشغل " ، وبدلا من أن تتم التسوية بتعويض مادي عن سنين العمل التي قضتها المسكينة داخل المصحة، عمدت المصحة إلى تهديد المستخدمة ، وإجبارها على الاختيار بين توقيع الاستقالة ام الايقاع بها في مشاكل لا قدرة لها على مواجهتها، وما زالت القضية في بدايتها، ولم يتحدد بعد موقف المستخدمة التي هي أم لأطفال كلهم متمدرسون. حيث بدا عليها الخوف من أن يقدم رب العمل على نصب كمين يجعلها تندم على عدم قبول الطرد التعسفي والتنازل على حقوقها .