ثمة أشياء تسير بالمزاج... بالمغرب قد تجد الآية معكوسة في كثير من الأحايين. ففي الوقت الذي تستقبل فيه كل الدول المستثمرين بالأحضان، هناك من يضع العصا في عجلة الاستثمار ومن تم النمو والتقدم بهذا البلد. الامثلة كثيرة... لنأخذ مثلا أحد المستثمرين المغاربة المعروفين والذي يجد اليوم نفسه أمام تسعة مشاريع، كلها رهينة تراخيص إدارية. تسعة مشاريع تهم مئات المساكن والعديد من الوحدات الفندقية والسياحية، وذلك بقلب المغرب.. أي عاصمته الرباط. ذنب هذا المستثمر أن مزاجه لم يرق السلطات الإدارية، وبالتحديد مجلس مدينة الرباط، فقررت «حفظ» المشاريع في ثلاجة النسيان. الرجل مصر على أن كل ملفاته الادارية سليمة وأنه لن يسلك طريقا غير طريق المساطر السليمة، والرسالة واضحة.. والطرف الآخر مصر كذلك على أن تلك المشاريع ستبقى حبيسة الأدراج، على الأقل حتى تنتهي ولاية المجلس... ومن يدري فقد تعود نفس الوجوه! وكم أتمنى أن يتحرك مجلس المدينةالرباط لينفي أو يكذب... لأن هذه الملفات موجودة وجاهزة وليست من نسج الخيال. هكذا، إذن، يصبح بإمكان موظف (مهما كانت درجته) إيقاف مشروع استثماري بعشرات الملايير، في الوقت الذي يقطع فيه الملك بنفسه آلاف الكيلومترات بحثا عن منابع الاستثمار المنتج وتشجيعا للمستثمرين المغاربة والأجانب. هل هي مفارقة أن يكون كل هذا الانفصام هو طابع المغرب الاقتصادي؟ هل من المعقول أن تكون الإرادة السياسية العليا في واد.. وممارسات مسؤولين ترابيين في الاتجاه المعاكس؟ حقيقة، ثمة أشياء غير سوية بالمغرب. ومازلت أتذكر كيف شدد الملك على كون المساهمة في انتشار السكن غير اللائق جريمة في حق الوطن، ومع ذلك وحتى هذه الساعة مازال هناك مقدمون وشيوخ وقياد يصنعون كل توابل خلق مدن قصديرية تنبت كالفطر في أطراف المدن! المسكين توفيق احجيرة، وزير السكنى، يكاد يجن، فمنذ أكثر من خمس سنوات وهو يصرخ بأن أزمة السكن العشوائي تجد جذورها في مسؤولين محليين فاسدين.. لكن صرخاته كانت صيحات في واد. الغريب أن زميله في الحكومة، والذي يشرف على كل ذلك العالم المعقد من السلطات المحلية، يبدو غير معني بالأمر! وكأن لسان حاله يقول: ابحثوا عن الدخيل في مكان آخر! هل هناك تسيير بالمزاج أكثر من ذلك؟ ثم كيف يمكن للدولة كدولة أن تنزع ملكية خواص دون أي مبرر قانوني يدفعها إلى ذلك؟ في قضية المضيق التي تحدثتنا عنها سابقا، تم «اختطاف» مشروع مغربي اسكندنافي ليمنح، في رمشة عين، لصندوق الايداع والتدبير بعد نزع الملكية لأسباب غير مقنعة. وسيكون على العدالة أن تتحلى بكثير من الشجاعة وهي تعالج ملفا المتهم فيه هو.. الدولة! ويبدو أن مدينة الدارالبيضاء ستعرف قضية مماثلة، يقف فيها أحد الخواص في مواجهة مجلس المدينة الذي حرك مسطرة نزع ملكية أرض قرب كورنيش الدارالبيضاء (وما أدراك ما كورنيش الدارالبيضاء) في الوقت الذي ينوي فيه صاحب الأرض إقامة مشروع سياحي فوقها... ثمة فعلا أشياء تسير بالمزاج... مزاج يضر بالتنافسية... مزاج لا يفهم في الفكر المقاولاتي والاقتصادي. مزاج يخرب سمعة البلاد.