تناقلت وسائل الإعلام الرسمية بكثير من الفخر تدفق الاستثمارات الخارجية على المغرب والتي بلغت 2.5 مليار دولار سنة 2007. هذه أنباء مفرحة ولا يمكن إلا أن تسر كل مغربي. لكن السؤال المطروح هو: هل كان بإمكاننا أن نحقق أكثر من ذلك الرقم؟ بالطبع نعم، فالمغرب يتوفر على إمكانات طبيعية وموقع جغرافي يحسد عليه وخاصة قربه من أوربا. فما الذي يمنع أن تكون هذه الاستثمارات بحجم أربعة أو خمسة ملايير دولار أو ما يزيد؟ ما يمنع هو ما تحدثنا عنه وسنواصل، من غياب مناخ استثماري شفاف وطاهر يحفز على الاستثمار ودخول المشاريع بثقة وطمأنينة. إن السؤال الذي يجب أن يطرح هو ليس كم جلبنا من استثمارات، لكن كم ضيعنا على أنفسنا من الفرص الاستثمارية؟ كم من مستثمر هرب إلى وجهات أخرى؟ وما هي الأسباب؟ وإذا عرف السبب بطل العجب. أو ليست معرفة الداء نصف الدواء؟ والداء في المغرب يمكن تلخيصه في كلمة واحدة... المزاج. نعم، أمور كثيرة تسير بالمزاج ومن بينها إدارة الاستثمار. في كل بلدان العالم التي تحترم اختياراتها الاستراتيجية توضع الإمكانات الكفيلة بتحقيق أهداف تلك الاستراتيجية، وفي المغرب يخيل إلينا أحيانا أن التدبير بالمزاج يتحول إلى سيكوزفرينيا مَرَضية. فما معنى أن يُستقبل مستثمرون بكل الترحاب ويوعدون بإنجاز مشاريعهم في أفضل الظروف وبعد ذلك تنقلب الأمور رأسا على عقب ويرفض حتى الوالي استقبالهم ويفوت مشروعهم إلى مجموعة أخرى محظوظة و«محظية» وكل ذلك لأن «مزاج» إحدى الشخصيات النافذة أملى على الجميع هذه «الفتوى»! هناك مشكل حقيقي اليوم مع اختياراتنا الإستراتيجية. تعلن الجهات المسؤولة بهالة إعلامية غير مسبوقة عن جعل قطاع ما ضمن الأولويات ورصد الإمكانيات لذلك وبعد مدة قصيرة يخفت الحماس ويكرس الواقع ممارسات تضرب في الصميم الخيارات الاستراتيجية. عندما قلنا قبل مدة إن نفس المزاج الذي تحدثنا عنه هو من أفتى بتفويت مشروع ضخم لصندوق الإيداع والتدبير بالمضيق ضدا على إرادة مستثمر سويدي وشريكه المغربي اللذين كانا يعتزمان استثمار 300 مليون يورو، فإننا كنا ندق ناقوس الخطر ونقول إن هكذا ممارسات تدق مسامير في نعش الاستثمار بالمغرب، وهاهو مشروع روسي ضخم بمنطقة واد لاو بإقليم تطوان كان سيتوقف لأنه لم يرق جهات ما، لولا أن صاحبة المشروع زوجة عمدة موسكو التي حركت السفارة الروسية والدبلوماسية «الثقيلة» ونزلت بحملة إعلامية أحرجت تلك الجهات المغربية وجعلت مزاجها «يبرد» هذه المرة. فهل يفترض في كل مستثمر أجنبي أن يتسلح بدبلوماسية بلده وثقل وزن دولته ليستثمر في المغرب، بهكذا سمعة، ندق مسمارا آخرا في نعش اقتصادنا. المغرب بلد مريض بالرشوة في الإدارة والعدالة والصحة... كما قال فيلالي مكناسي رئيس منظمة ترانسبرانسي المغرب. وإذا لم تكن هناك إرادة سياسية قوية على أعلى المستويات، فلنقرأ السلام على الاستثمار وعلى الاقتصاد. إن أول الغيث قطرة. والقطرة هنا هي أن نواجه نفسنا وأن نرى وجهنا في المرآة وألا نعاند. نعم المغرب بلد مريض، لكن دواءه بأيدينا ونحن من في أيديهم الاختيار.. إما النهوض، أو...