إن الإعلان عن وجود النفط بتالسينت بالشكل الذي تم به، ثم بعد ذلك السكوت والصمت الذي أحاط بهذه القضية بعد انكشاف جملة من الأمور، ساهم في تجميع شروط، أولها الكثيرون بحضور رغبة عند القائمين على الأمور في هذا البلد السعيد على الإصرار في توضيح الأمور ووضع النقط على الحروف، خصوصا ما يتعلق بكيفية نجاح هذه الجهة أو تلك، محلية كانت أو أجنبية في تسويق "وهم" في ظرفية صعبة. يكاد المغرب يكون البلد الوحيد من بين بلدان شمال إفريقيا الذي لم يصل بعد إلى نتائج حاسمة بشأن وجود النفط بأراضيه، وهذا في ظل تزايد التأثيرات السلبية لتقلبات سعر البترول والمحروقات عموما وانعكاساتها على مردودية المنظومة الاقتصادية الوطنية وكبح دورها في سيرورة التنمية المستدامة. كانت التصريحات التي هزت الرأي العام والمغاربة قاطبة في بداية الألفية الثالثة، فرحى بالإعلان الرسمي عن اكتشاف كميات وفيرة من البترول بتالسينت، آنذاك اعتكف المغاربة، ما عدا النزر القليل منهم، يحلمون بغد الوفرة والبترودرهم المغربي، ودام هذا الحلم الجميل سنة ونصف، بدا معها وكأن بعض الشركات النفطية الأجنبية تتهافت على البلاد للبحث عن نصيب من كعكة النفط المغربي، وبعد ذلك ساد صمت رهيب. ولقد مرت الآن أكثر من ست سنوات عن الإعلان الرسمي عن وجود البترول بتالسينت ولازال السؤال مطروحا: هل يوجد النفط فعلا بالمغرب؟ ومازال البعض إلى حد الآن يتحدثون عن "خدعة تالسينت" أو عن "كذبة تالسينت"، لكن مهما اختلفت التسميات والنعوت، ظلت قضية بترول تالسينت، شوكة في حلق المغاربة، لاسيما وأنه لم يتم الإدلاء بأي توضيح بخصوصها. وفي هذا الصدد يعتقد الكثيرون أنه كان من المستحسن، وربما من الأفيد والأجدى، إعطاء توضيحات بطريقة رسمية كما تم الإعلان عن وجود النفط بالمغرب بطريقة رسمية، وذلك على سبيل المساهمة في ترسيخ الحق في المعلومة ومعرفة ما يجري ويدور بخصوص إحدى القضايا الهامة التي تهم الجميع. الآن والحالة هذه، هل يمكن الحديث عن خدعة أو نصب مؤدي إلى اعتماد الكذب على أعلى سلطة في البلاد لتمرير خطة ساهم في حبك خيوطها مغاربة وأجانب؟ وهل ما قامت به شركة مايكل كوستين يمكن اعتباره خدعة انطلت على القائمين على الأمور ببلادنا والمقربين للملك، الشيء الذي ورط النظام في الإعلان الرسمي عن شيء لم يتم التحقق الفعلي من وجوده؟ وهل الأطروحة القائلة بأن التراجع عن الإقرار بوجود النفط بتالسينت، وبالطريقة التي تمت به، وهو الرامي بالأساس إلى التستر عن هذا الوجود، ترتكز على معطيات مقنعة لا تشوبها شكوك؟ وعموما هل كذب مايكل كوستين، المدير العام السابق لشركة "لون سطار" والمدير العام لشركة "سكيدمور اينرجي" على الملك؟ هذه عينة من التساؤلات التي مازالت تنتظر الجواب إلى حد الآن، بفعل تكريس وترسيخ منهج التعتيم والضبابية حول إشكالية وجود البترول بالمغرب. نفط تالسينت خدعة أم كذبة؟ تم الإعلان عن وجود كميات من البترول تكفي لاستهلاك المغرب على امتداد 35 سنة مقبلة على الأقل، هكذا كانت الانطلاقة، ففي صيف 2000 عاش المغاربة على امتداد أسبوعين أو أكثر وَهْمًا، جعلهم يحلمون بغد مشرق، لكن سرعان ما تأكد أن "زوبعة تالسينت" كانت مجرد سحابة صيف مرت بسرعة، مما جعل الصدمة أقوى، وتحدث البعض عن "خدعة تالسينت" والبعض الآخر عن "كذبة تالسينت" في ظرفية تزامنت مع حديث الجميع، رسميين وغير سميين، بخصوص السكتة القلبية الاقتصادية. بعد الإعلان عن وجود النفط بتالسينت عبر خطاب رسمي، ارتفعت الاستثمارات الخاصة بالقطاع من 1600 مليون درهم إلى 10 ملايير درهم. علما أن الملك محمد السادس شدد في خطابه ليوم الأحد 20 غشت 2000 على أن حدث اكتشاف النفط لن يثني البلاد عن مواصلة مسيرتها في تنمية مختلف قطاعاتها الاستراتيجية الأخرى، السياحة والصيد البحري وتكنولوجيا المعلومات. ساهم تهافت بعض الشركات النفطية العالمية على المغرب في فترة وجيزة بعد انتشار خبر "وهم أسطورة تالسينت"، لاسيما تلك الشركات التي لم تكن تولي أي اهتمام لبلادنا بخصوص البحث والتنقيب على البترول، ومنها الشركات الفرنسية والنرويجية، وبين عشية وضحاها بدأ الحديث عن اهتمام شركات "كونوكو" و"كوكي" و"طوطال" و"فانكو" و"طوروس اينيرجي" و"اينيرجي أفريكا" وغيرها من الشركات الذائعة الصيت على الصعيد العالمي في مجال المحروقات. آنذاك كان "مكايل كوستين" قد خطط لخدعته التي أصبحت، بفعل فاعل، حلم المغاربة قاطبة، لقد تمكن "كوستين"، عبر الشركة التي كان يتحكم في دواليبها في البداية (لون سطار) والتي كانت تشاركه فيها شخصيات وازنة من أمثال محمد بنسليمان و م. عبد الله العلوي، من إقناع القائمين على الأمور بأن المغرب أصبح بلدا نفطيا وتتوفر إحدى مناطقه (تالسينت) على مخزون يقدر ما بين 12 و15 مليار برميل. عندما كان "مايكل كوستين" يروج لكذبته، تسلطت الأضواء عليه وعلى شركته وحظي باهتمام الأبطال الذين أنجزوا "المعجزات"، ولما وصل "حلم" المغاربة بالغد الأفضل أوجه، إذ قيل إن مداخيل البترول المغربي المكتشف ستذر ما يفوق 800 مليون دولار (أكثر من 8000 مليون درهم) في السنة (علما أن المغرب يصرف ما بين 10 و15 مليار درهم سنويا لتغطية فاتورته النفطية). بفعل تلك الأضواء المسلطة على الاكتشاف "العظيم"، آنذاك برزت بعض الأصوات القليلة جدا للإعلان عن تشكيكها الكبير في الأمر وفيما يقوم به "كوستين" وشركته، وكان مردهم في ذلك أنه تم إغفال معطيات وأمور لا يفهم كيف تم المرور عليها مر الكرام، سواء بالنسبة ل "مايكل كوستين"، العارف بمجال النفط وتقنيات التنقيب عليه، أو بالنسبة للمغاربة أهل المجال (المهندسين والمسؤولين في قطاع المعادن بالمغرب)، مما أدى إلى بداية إثارة جملة من الشكوك حول اكتشاف النفط بكمية وافرة بتالسينت، وعن غرض "كوستين" وشركته وراء هذا؟ آنذاك تناسلت عدة تساؤلات تصب كلها في بوتقة تساؤل عريض: هل هي مجرد عملية نصب واحتيال؟ وكيف أكل القائمون على الأمور الطعم بهذه السهولة؟ وهل هناك تواطؤ جهات مغربية مع "مايكل كوستين"، لاسيما وأن شركة "لون سطار" تهافت عليها بعض المسؤولين الكبار والشخصيات الوازنة، كما استقال جملة من الأطر العليا لمكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية (BRPM) آنذاك للالتحاق بالشركة المذكورة التي وفرت لهم رواتب وامتيازات لم يكونوا يحلمون بها من قبل؟ ومن المعطيات التي أدت بالنزر القليل من المهتمين إلى التشكيك في معطى تاريخي سابق. أنه خلال ستينيات القرن الماضي قامت بعض الشركات العملاقة، المتحكمة آنذاك في النفط بالعالم بأسره، (les 7 MAJORS) بمسح شامل وبتنقيب واسع النطاق بجملة من مناطق المغرب في الجنوب الشرقي، وبالصحراء تحت الاحتلال الإسباني وقتئذ، وتبين لها أنه لا وجود للنفط بكميات وافرة في البر المغربي، في حين تأكدت لها جملة من المؤشرات وجوده في البحر، قريبا من السواحل بالمحيط الأطلسي في عدة مناطق، غير أن كلفة استخراجه كانت باهضة آنذاك ومن قبيل المستحيلات. وتم تضمين هذه المعطيات في تقارير سرية تسرب إحداها إلى الصحافة الأنكلوساكسونية، ونشرت إحدى الجرائد بعضها في فجر السبعينيات، ومن المفروض أن تكون تلك التقارير، أو فحواها على الأقل، في حوزة الجهات القائمة على قطاع المعادن بالمغرب. علما أن تلك التقارير تضمنت معلومات ومعطيات وافية بهذا الخصوص لأن الشركات العملاقة اهتمت بجدية بهذا الأمر، وكانت قد انطلقت من فرضية امتداد الآبار الجزائرية إلى التراب المغربي، لكن تبين لها وبالملموس أنها ظلت بالتراب الجزائري ولم تتعداه إلى المغرب. ويبدو أن أبراهام السرفاتي على علم دقيق بتلك التقارير، وهو الذي لم يتردد بنفي ما تم الإعلان عنه بخصوص وجود البترول بكميات وافرة بتالسينت. وفعلا، أصاب السرفاتي، إذ بعد مدة تبخرت الكميات الوافرة للنفط بتالسينت، وبدا أن كل ما قيل وكل ما روج له "مايكل كوستين" ليس سوى مجرد حلم ليلة سرعان ما تبدد ليصبح كابوسا في نظر البعض. ولزميلنا ولد القابلة قصة طريفة مع نفط تالسينت، إذ كان قد نشر في إحدى الجرائد المحلية وعلى شبكة الانترنيت ورقة شكك من خلالها في إدعاءات القائم على شركة "لون سطار" بخصوص اكتشاف النفط، تطرق فيها لبعض المعطيات المستقاة من إحدى التقارير السرية للشركات النفطية العملاقة (شل وطيكساكو) والذي سبق أن اطلع عليه بمحض الصدفة في إحدى الصحف الصادرة بالإنجليزية في فجر السبعينيات، والذي خلص إلى عدم وجود نفط بكميات وافرة بالبر المغربي، لاسيما في منطقة تالسينت، حيث أقر التقرير بأن المعطيات الجيولوجية والجيوفيزيائية تفيد أنه يمكن أن يكون هناك نفط لكنه لا يتجاوز كونه عبارة على مجرد حبوب صغيرة تحوي كميات هزيلة جدا لا ترقى لتحمل عناء صرف أموال طائلة لاستخراجها. وقد نشر زميلنا ولد القابلة ورقته قبل الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب ولم يعرها أحد أي اهتمام. وشاءت الظروف أن كان حاضرا بقصر بلدية القنيطرة ساعة الخطاب، وبمجرد نهايته عاتبه الكثيرون على ما كتبه، وأجمعوا على لومه ونعته بكونه لا يحب الخير لهذا البلد... لكن بعد انكشاف الأمر أضحى هؤلاء الذين استأسدوا عليه بالأمر سذجا صغار. وبعد اكتشاف "الوهم"، اختفى "مايكل كوستين" عن الأنظار واقتنت مجموعة "دلة البركة" (السعودية) حصته بشركة "لون سطار" التي أضحت "موروكو بتروليوم"، وهي الآن في نزاع معه، معروض على أنظار العدالة الملكية حسب ما يدعيه "كوستينن"، واصلت الشركة الجديدة تنقيباتها في منطقة تالسينت، وإلى الحد الآن مازالت لم تعلن لا عن وجود أو عدم وجود نفط بها. مايكل كوستين مهندس الكذبة على الملك كيف بدأت قصة "وجود النفط بكميات وافرة بتالسينت"؟ بدءا قيل إن شركة "مايكل كوستين" اكتشفت الغاز هناك، وكان من الضروري المزيد من تعميق البحث والتنقيب. وهذا كان يتطلب المزيد من الأموال الطرية التي لم تتمكن الشركة من الاعتماد على نفسها لتوفيرها. وكان أسرع سبيل هو إعادة النظر في تركيبة رأسمالها، مع فتح الباب لمساهمين جدد. وإعدادا لشروط ضمان نجاح هذه العملية عدَّد وكثَّف "مايكل كوستين" اتصالاته بشخصيات وازنة ومن اللقاء مع وسائل الإعلام. وفي إحدى تصريحاته الأولى أكد "كوستين" أنه على يقين من وجود البترول بتالسينت، الشيء الذي دفعه إلى تصفية مصالح شركته بالولايات المتحدة، إذ قال: "نريد تخصيص اهتمامنا على المغرب فقط، بل والسعي للاستقرار والإقامة به"، وفي خضم حديثه أشار إلى أنه في طور تشييد إقامته بضواحي العاصمة الرباط، هكذا كانت التوطئة لأسطورة "نفط تالسينت". آنذاك كانت شركته بأمريكا، "سكيدمور إينيرجي" تعيش ضائقة مالية خانقة ومشاكل كبيرة مع إدارة الضرائب الأمريكية، وما دام القانون المغربي يفرض على الأجنبي أن يكون شريكا مع جهة مغربية لإحداث شركة، كانت الشراكة مع محمد بنسليمان ("ميديهولدينغ") و م.عبد الله العلوي أحد المقربين، وهكذا رأت "لون سطار" النور. انطلقت "الأسطورة" ككرة الثلج تكبر كلما طال تدحرجها، فأعلنت "لاسامير" عن استعدادها للأيام القادمة وكشفت عن قيامها باستثمار 400 مليون دولار (4000 مليون درهم) لتوسيع وتطوير طاقاتها الإنتاجية لتكون في موعد استقبال "كميات النفط الوافرة المكتشفة"، ومن المعلوم أن مايكل كوستين أحدث شركة "سكيدمور إينيرجي" بمعية نائبه "جون بول ديجوريا" سنة 1981. وفي فجر الألفية الثالثة ساهمت هذه الشركة في خلق شركة "لون سطار" بالمغرب، وسعى الشخصان إلى التنقيب على البترول بتالسينت ووظفا أموالا لهذه المغامرة (المقامرة على الطريقة الأمريكية)، بلغت 600 مليون دولار (6000 مليون درهم) ثم أضافا 500 مليون دولار (5000 مليون درهم) أخرى، وقبل التأكيد على حجم المخزون، عمل الشخصان على تفعيل جملة من الدواليب بمشاركة بعض المغاربة، من حيث يدرون ومن حيث لا يدرون، في تجميع الشروط المواتية قصد التوصل إلى إقناع القائمين على الأمور بقبول الإعلان الرسمي عن وجود البترول بكميات وافرة بتالسينت، وكل هذا كان في البداية قصد الحصول على المزيد من الأموال الطرية، وفعلا نجحت الفكرة، وتحقق مبتغاهما في ظرف وجيز جدا. وما يدفع إلى الاعتقاد بأن "مايكل كوستين" ونائبه كانا مقامرين بخصوص النفط بالمغرب، هو أن أكثر من جهة غربية ظلت ترى في شركة "سكيدمور إينيرجي" شركة صغيرة جدا في مجال المحروقات، وحسب العارفين بخبايا الأمور، اعتبارا لاحتياجها للأموال للقيام بالتنقيب واستمرار مغامرتها بتالسينت، عملت على الإسراع بالكشف عن وجود النفط بكميات وافرة بتالسينت للحصول على ما تريد من أموال. كما أن "جون بول ديجيورا"، شريك "مايكل كوستين" ونائبه في شركة "سكيدمور" صاحب مسار غريب، إذ بدأ من الصفر بمدينة لوس أنجلس، حيث كان لا يتوفر حتى على سقف يحميه، بدأ مشواره المهني بالعمل على قطاع صناعة "الشامبوان"، وتمكن من إحداث شركة صغيرة تعاظمت إلى أن أصبح رقم معاملاتها 200 مليون دولار (2000 مليون درهم) بعد أن كان مجرد بائع متجول للجرائد وبطاقات التهنئة في آخر السنة، ثم أصبح وكيلا لإحدى محلات بيع التجهيزات المنزلية فوكيل تأمين، إلى أن توصل للمساهمة في شركة "سكيدمور". وقد يتساءل المرء: لماذا اهتمت هذه الأخيرة بتالسينت؟ من المعلوم أنه منذ سنة 1968 برزت مؤشرات ومعطيات تشير إلى إمكانية وجود الغاز أو النفط بمنطقة تالسينت، آنذاك كان مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية قد أنجز ثقبا وقام بأبحاث بعين المكان، واعتمادا على نتائجها وتأويلها اهتمت شركة "مايكل كوستين بتلك المنطقة في البداية دون سواها، وتلتها مجموعة "دلة البركة" التي استمرت على نفس الدرب بعدها. أما بخصوص رواية التستر على وجود البترول بالمغرب، فهي أطروحة ضعيفة جدا ولا ترتكز على أي معطى ملموس ما عدا "مايكل كوستين" الذي يؤسس إدعاءه على فرضيات لا ترتكز على أي معطى يمكن التيقن منه والتحري بخصوصه، ولا حتى قرينة، بل أكثر من هذا، إن مختلف المعطيات المتوفرة الآن وكل القرائن تسير في اتجاه إضعاف رواية "كوستين"، إذ يكفي التساؤل لماذا التنقيبات والأبحاث التي أنجزت بعد" لون سطار"، لم تخلص لأي معطى ولو أولي، بإمكانية وجود النفط بتالسينت، علما أن الشركات العاملة في هذا المجال متنافسة ولا تربطها صلات "تواطئية" بهذا الخصوص، في حين أن "لون سطار" تمكنت بسرعة، واعتمادا على ثقب واحد فقط من اكتشاف البترول والإقرار بتوفره بكميات وافرة؟ وكيف يمكن لأطروحة التستر على وجود التبرول أن تصمد في وقت اهتمت عشرات الشركات بإشكالية البترول، وفي وقت لا يمثل فيه "اللوبي السعودي" ثقلا كبيرا في مجال التقنيات والتكنولوجيا المرتبطة بالنفط والغاز، حتى ولو افترضنا أن السعوديين المتحكمين في شركة "لاسامير" يطمحون في الاحتفاظ بنفط المغرب المتستر عليه لفائدتهم؟ وإذا افترضنا هذا المعطى، ما موقع الموقف الأمريكي في إطار الاستراتيجية الأمريكية المعدة بخصوص منطقة شمال إفريقيا؟ هذه بعض الإشارات التساؤلية التي تبين الضعف البين لأطروحة التستر على وجود النفط بالمغرب التي يؤسس عليها "مايكل كوستين" كل دفوعاته بهذا الخصوص. واعتمادا على تقاطعات ما نشر بخصوص شركة "سكيدمور إينرجي"، يتبين أن "مايكل كوستين" ظل رجل المساومات الغامضة، ويستحسن المغامرة على الطريقة "اليانكية"، إذ يشرع أولا في إثارة ضجة بمكاتبة عدة جهات دفعة واحدة لجذب الأنظار، ويبدأ في تصريف المعلومات جزءا جزءا حسب طبيعة "الحقيقة" التي يريد إبرازها من خلال منظوره، وهذا ما حدث في نزاع شركة "سكيدمور" مع المجموعة السعودية "دلة البركة"، إذ يدعي أن اقتناء السعوديين لشركة "لون سطار" حدث في غياب ممثل "سكيدمور" التكساسية، فقد بعث "كوستين" إلى 113 جريدة كتابات يستنكر فيها عدم مشروعية مساهمة المجموعة في "لون سطار" في ظل أزمتها المالية، ويوضح فيها دواعي مقاضاته لبندر السعودي و م.عبد الله العلوي المغربي أمام قضاء تكساس بالولايات المتحدة. للإشارة، فقد سبق ل "مايكل كوستين" أن هدد بالتشويش على الزيارة الملكية عندما توجه الملك محمد السادس إلى واشنطن، وذلك لمحاولة الدفع إلى طرح نزاع شركته مع "مغرب بتروليوم" في لقاء الملك مع الرئيس الأمريكي حسب مصادر أمريكية. كيف تم عرض اكتشاف النفط بالمغرب؟ إن أول بئر تم الإعلان عنه هو بئر "سيدي بلقاسم 1"، وثقبه أنجز من طرف شركة "لون سطار" بتالسينت، وقدرت كمياته آنذاك بما يناهز 100 مليون برميل، ثم تردد أن المنطقة تحوي في باطنها ما بين 1.5 مليار وملياري برميل، وهذه هي الأرقام التي أعلن عنها وزير الطاقة والمعادن آنذاك، يوسف الطاهري، في ندوة صحفية بعد زيارة الملك محمد السادس لمنطقة تالسينت في شهر غشت سنة 2000، وأكد الوزير آنذاك أن ما تم اكتشافه في بئر واحد، وعلى عمق 3505 متر، يكفي لاستهلاك المغرب من النفط ما بين 25 إلى 30 سنة. آنذاك كان بحوزة شركة "لون سطار" رخص امتياز للتنقيب على النفط في أربع مناطق أخرى: لوكوس والبروج وأسفي والصويرة، وقد تمت الإشارة لتقديرات الاحتياطي بهذه المناطق، إذ قيل إنه يبلغ 12 مليار برميل، وإنه يمكن الشروع في عملية الاستغلال مع حلول سنة 2003. هكذا انطلق حلم "المغرب النفطي"، لاسيما بعد الإعلان الرسمي خلال خطاب ملكي. وفي هذا الصدد تساءل الكثيرون لماذا لم يتم التوضيح اللازم بنفس الطرق والوسائل التي تم بها الإعلان عن وجود النفط، لاسيما وأن القضية استأثرت باهتمام جميع المغاربة، وكان إحباطهم كبيرا بعد إقفال ورش تالسينت. هل يوجد النفط بالمغرب؟ هل يوجد النفط بالمغرب؟ سؤال لازال يحير الكثير من المغاربة، ومن المعلوم أن السلطات الاستعمارية، سواء الفرنسية أو الإسبانية، وكذلك العمالقة السبعة الذين كانوا يتحكمون في النفط بالعالم منذ اكتشافه اهتموا بمنطقة شمال إفريقيا، وقاموا بأبحاث ودراسات أهمها أنجزت في فجر الستينيات من طرف بعض الشركات البترولية العالمية منها "شل" و"طوطال"، وقد خلصت في النهاية إلى عدم وجود النفط في المجالات البرية بالمغرب وبأغلب المناطق الصحراوية، مع التأكيد على احتمال كبير جدا لتواجده بعرض البحر بالمياه الإقليمية في الجنوب والوسط والشمال. والآن يبدو أن الجهة الأكثر تأهيلا بالمغرب للجواب على السؤال الذي لازال يحير المغاربة، هو المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، وفعلا توجهنا إليه وحاولنا أكثر من مرة لقاء السيدة أمينة بنخضرة وبعثنا لها بأكثر من كتاب لطرح السؤال عليها، لكن، كالعادة لازالت الجهات الرسمية غير متعاونة في مجال تمكين الصحافة من مصدر المعلومة، وغالبا ما لا تستجيب لأية دعوة في هذا الصدد، ومهما يكن من أمر فمن خلال تصريحات جملة من المسؤولين وذوي الاختصاص العارفين بمجال المحروقات والمعادن ببلادنا، ومن ضمنهم أمينة بنخضرة مديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، أن الاكتشاف الوحيد إلى حد الآن هو ما تم كشفه بتالسينت والتداعيات التي ارتبطت به، وما هو مؤكد ولا يحتاج لبرهان أن جملة من الشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات، اهتمت بإشكالية النفط ببلادنا، ومنها الشركة الفرنسية إلف طوطال فينا، التي لم تكن تولي الاهتمام لهذا الموضوع خلافا للشركات الأخرى، علما أن "طوطال"، الشركة الأم، كانت من ضمن الشركات التي أنجزت أبحاثا وتنقيبات بالمغرب في فجر الستينيات. فهل يوجد النفط بالمغرب؟ لازال المغاربة ينتظرون الجواب على هذا السؤال، لاسيما بخصوص المغرب البري. حاولنا الاتصال بجملة من الجهات لتسليط الضوء على تداعيات إشكالية وجود النفط بالمغرب وبعض القضايا المرتبطة بها، وبعثنا بكتابنا لوزير المالية ولمستشار الملك ولوزير الطاقة والمعادن ولرئيسة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن ولم نتلق أي جواب، لا بالقبول ولا بالرفض ولا بالاعتذار ولا بالأسف، وظل مآل أغلب مراسلاتنا لجهات رسمية بخصوص طلب معلومة أو إجراء لقاء، مجرد سراب حتى كدنا نؤمن بأن هناك إصرارا على الاستمرار في الدوس على الحق في المعلومة. علما أنه كان من المفروض على هؤلاء، الذين مازالوا يمانعون ويمنعون أنفسهم من التواصل مع الصحافة ويتكلمون مع من يريدون ويحجبون المعلومة على من يريدون، أن يعلموا أن للشعب المغربي كامل الحق في معرفة ما وقع من منظور تعددي وواقعي وليس من منظور واحد أوحد، كما عليهم أن يعلموا أن المعلومة حق لا يقل قيمة أو أهمية أو حيوية عن الحق في التعبير والحق في الشغل والحق في الحياة الكريمة. كما عليهم أن يعلموا، علم اليقين، أن سبب انزلاق الصحافة والصحفيين أحيانا وتناسل الإشاعة، ما هو في نهاية المطاف إلا نتيجة لحرمان المغاربة من حقهم في المعلومة، أي معرفة ما يقع، فكل حدث يهم البلاد لابد من تفسيره، وفي ظل غياب المعلومة ورفض المصادر الاستجابة لطالبها تنشط آليات التأويل والظن، وهذا ليس في صالح الصحافة ولا الصحفيين، وليس في صالح القائمين على الأمور أنفسهم. فمتى تترسخ عندنا آداب إلزامية الجواب على طلب المعلومات أو إجراء المقابلات ولو بالاعتذار أو الأسف أو التستر وراء كثرة الانشغالات وعدم توفر الوقت، وذلك حتى يسود شعور بحضور هاجس احترام الحق في المعلومة ببلادنا. هل يوجد النفط بالمغرب؟ جواب غربي جاء في الصحيفة الالكترونية "واشنطن فايل"، التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، أن شركات تكتشف كميات وافرة من البترول في سواحل المغرب.. وتضمن موقع الصحيفة المذكورة تصريحا ل "فان ديك"، المدير العام لشركة "فانكو إينرجي"، التي تقوم بالتنقيب عن النفط في "الأفشور" (السواحل)، أن بلادنا تتوفر على مخزون مهم من المحروقات في أعماق البحار، ومن المعلوم أن شركة "فانكو اينرجي" تقوم بعمليات التنقيب عن المحروقات، وقد أكدت أنه بإمكان الساحل الإفريقي في الأمد المتوسط أن يعوض الشرق الأوسط كممون رئيسي للولايات المتحدة في مجال المحروقات، إلا أن استكشاف المخزون من المحروقات في أعماق البحار، لازال في بداياته وأن نسبة نجاح عمليات التنقيب في أعماق السواحل الإفريقية تصل إلى 50 في المائة مقابل 10 في المائة فقط في باقي "الأفشورات" المماثلة في مختلف أنحاء العالم. في نهاية المطاف هل يوجد النفط بالمغرب؟ بعد "كذبة تالسينت" تم تغيير المسؤولين في قطاع المعادن، إذ عينت أمينة بنخضرة على رأس المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن الذي سهر على منح امتيازات التنقيب لعدة شركات أجنبية، لاسيما في الأوفشور (السواحل). وبعد التعيينات الجديدة في قطاع الطاقة والمعادن، تعرف المغاربة من خلال الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيقية الخاصة بالأحواض الرسوبية البرية شرق المغرب والمناطق البحرية في جنوبه الغربي على احتمال وجود ثروة نفطية. آنذاك اهتمت أكثر من 20 شركة عالمية بالتنقيب على النفط بالمغرب، وهي شركات من فرنسا وإسبانيا وهولندا والولايات المتحدة وأستراليا، استفادت من أكثر من 70 تنقيبا، 85 في المائة منها تهم الأوفشور (المناطق البحرية) باعتبار وجود مؤشرات قوية، تقنية وجيولوجية عديدة تشير إلى وجود النفط في أكثر من نقطة بالسواحل الأطلسية المغربية. وفي تقريره لسنة 2001 أحصى المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن أكثر من 50 ترخيص للبحث والتنقيب على النفط، منها 38 خاصة بالأوفشور (المجال البحري) همت أكثر من 66.5 ألف كيلومتر مربع و9 خاصة بالأونشور (المجال البري) همت 15 ألف كيلومتر مربع. ومن المعلوم أنه قبل وبعد "كذبة تالسينت" تضاربت جملة من التصريحات بخصوص وجود النفط بالمغرب من عدمه. في البداية أعلن يوسف الطاهري، وزير الطاقة والمعادن في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، عن وجود كميات وافرة من النفط بالمغرب، وأكد آنذاك أن احتياطات آبار تالسينت تقدر ما بين 1.5 وملياري برميل، وأن استغلالها سيكون سنة 2003، وستؤمن الكميات المستخرجة مدة استغلال ما بين 25 و30 سنة، وبذلك سيتخلص المغرب من "عقدة" النفط التي ظلت ترهقه وتكبل منظومته الاقتصادية إلى درجة الاختناق. لكن بعد أسابيع تبين أن كل ما أعلن عنه الوزير كان مجرد كلام ليس إلا. آنذاك أعلنت بعض الجهات الخارجية الوازنة في قطاع النفط والمحروقات على الصعيد العالمي عن شكوكها بخصوص تصريحات الوزير، لاسيما وأن عدة تنقيبات أجريت بالمنطقة منذ عدة سنوات لم تبين أي مؤشر إيجابي لوجود النفط هناك بكميات وافرة. أما الوزير الحالي للطاقة والمعادن، محمد بوطالب، فقد سبق له أن صرح بأن المغرب يتوفر على ثروة نفطية مهمة وأن مجموعة "دلة البركة" السعودية، بعد اقتنائها لحصة الشركة الأمريكية "لون سطار إينيرجي" تعمل على اكتشاف النفط في كل من منطقة تالسينت وفي مناطق أخرى في الأوفشور، وإلى جانبها توجد شركات أخرى تقوم بالتنقيب في جهات أخرى من المغرب لاسيما بالأوفشور. ويقول خبراء دوليون في مجال التنقيب على المحروقات، استنادا إلى التحاليل الجيوفيزيقية، أن المناطق البحرية المغربية تشبه خليج المكسيك وغرب إفريقيا حيث توجد كميات هائلة من النفط والغاز. كما أن موقع "واشنطن كابل"، التابع لوزارة الخارجية الأمريكية كشف تصريحا لشركة "فانكو إينيرجي"، التي حصلت على رخص للتنقيب عن النفط في الأوفشور أن المغرب يتوفر على مخزون كبير من المحروقات في أعماق البحر، وقد ذهب مديرها العام إلى القول إنه بإمكان الساحل الإفريقي في الأمد المتوسط أن يعوض الشرق الأوسط كممون رئيسي للولايات المتحدةالأمريكية في مجال المحروقات، ومن المعلوم أن "فان ديك" القائم على شركة "فانكو إينيرجي" يعتبر خبيرا ذائع الصيت عالميا في هذا المجال. ومهما يكن من أمر إن أقوى المؤشرات تشير إلى نحو تأكيد وجود النفط بالأوفشور وتظل مؤشرات وجوده بالأونشور (المناطق البرية) قليلة جدا، لا تكاد تبين، مقارنة بالأولى، وهذا يؤكد مرة أخرى أن نفط تالسينت كان مجرد "أسطورة" اتخذت شكل خدعة وأكذوبة لم يكن من الممكن أن تنطلي على أعلى السلطة في البلاد إلا عبر مساهمة أيادي خفية مغربية لتجميع الشروط المواتية ليتمكن مايكل كوستين في الأخير من الكذب على الملك، ليكون وجود النفط بتالسينت بمقتضى إعلان رسمي من طرف أعلى سلطة في البلاد وفي مناسبة وطنية خاصة، ثورة الملك والشعب. الظرفية التي تم فيها الإعلان عن وجود البترول متى تم الإعلان عن وجود البترول بكميات وافرة بالمغرب؟ سؤال قد يبدو بديهيا، لكن من شأنه، حسب البعض الإفادة بخصوص انفجار حلم جملة من المغاربة بغد تسود فيه الرفاهية. كان الإعلان عن وجود البترول في صيف سنة 2000، أي في وقت شكلت فيه نسبة البطالة 18 في المائة وخصص فيه 52 في المائة من الميزانية العامة لميزانية التسيير و33 في المائة منها لخدمة الدين الخارجي، آنذاك كانت الاستثمارات الخارجية قد بدأت تنخفض بشكل ملحوظ منذ سنة 1997. في هذه الظرفية برز الإعلان عن وجود البترول بكميات وافرة بالمغرب كعصا سحرية ستحول المغرب إلى بلاد الوفرة والرفاهية في رمشة عين. ""