«ممنوع الدخول»، بهذه العبارة الصارمة يستقبلنا أحد الجنود المغاربة المتمركزين في الحاجز العسكري لمدخل غابة بليونش، وهي الغابة التي اكتسبت شهرة عالمية لكونها كانت معسكرا خاصا للمئات من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين. لقد تحولت الغابة الشهيرة إلى قاعدة عسكرية، وأصبح تواجدها يزعج الإسبان، خصوصا أنها لا تبعد عن مدينة سبتة سوى بكيلومترين على طول امتداد السياج الحدودي الفاصل بين سبتة والفنيدق. «لا يمكن لك المرور دون التوفر على ترخيص من القيادة الجهوية للقوات المسلحة الملكية بتطوان». يقول ل«المساء» عسكري رفض الكشف عن هويته، مضيفا أن «هدف المغرب من تشييد ثكنة عسكرية على مشارف سبتة هو «فقط» وقف تسلل المهاجرين الأفارقة إليها، ولا تشكل الثكنة أي تهديد لإسبانيا». ووفقا لمصادر رسمية، فإن القوات المسلحة المرابطة في المنطقة مجهزة بمناظير وبنادق للتصدي لأي محاولة اختراق محتملة من طرف المهاجرين الأفارقة نحو السياج الحدودي. توجهت الأنظار العالمية مباشرة إلى الغابة، باعتبارها «قاعدة» استراحة للمهاجرين الأفارقة، بعد عمليات الاختراق الجماعية التي قام بها مئات المهاجرين الأفارقة في شهر شتنبر من سنة 2005، والتي أسفرت عن مقتل خمسة منهم بعيارات نارية. تحولت الغابة من قاعدة استراحة للمهاجرين إلى قاعدة عسكرية. شاحنات وسيارات الدفع الرباعي وألواح للطاقة الشمسية لتأمين الإمدادات الأساسية والنظم المركزية للاتصالات وهوائيات التقاط، مصادر مطلعة في اسبانيا قالت ل«المساء» إن الجيش الإسباني يشعر بالقلق من هذه القاعدة وهي الثانية بعد الميناء العسكري في القصر الصغير على بعد كيلومترات قليلة من إسبانيا وخصوصا في هذه الظرفية التي تعرف فيها العلاقات نوعا من الفتور بعد تأجيل زيارة خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو للرباط. لكن المغرب، وفي محاولة منه لتفادي انتقادات أوربا بخصوص عدم تعاونه الكامل معها في محاربة الهجرة غير الشرعية، قام بتشييد جدار أمني داخل الغابة استوحى فكرته من الجدار الأمني بالصحراء، «علو الجدار المزدوج متران فيما يتوسطه خندق عمقه متر واحد»، وفي اتصال ل «المساء» بسفارة إسبانيا بالمغرب، رفضت هذه الأخيرة التعليق على تشييد المغرب لقاعدة بليونش العسكرية، فيما أفاد مسؤول من وزارة الدفاع الإسبانية بمدريد، رفض الكشف عن اسمه، أن بناء الثكنة العسكرية المجاورة لسبتة، وبعدها تشييد قاعدة بحرية بمنطقة القصر الصغير أصبح «يطرح تساؤلات إسبانية حول التكتيك العسكري الجديد للجيش المغربي شمال المغرب»، مضيفا أن «إسبانيا تراقب بحذر هذه المشاريع العسكرية الجديدة». سيادة مشتركة على سبتة ومليلية بوادر القلق الإسباني الخفي من ثكنة بليونش يجد مبرره في عزم وزارة الدفاع الإسبانية تقليص عدد العسكريين في سبتة ومليلية بحوالي النصف، ما أثار معه مخاوف إسبان مدينة سبتة، الذين شرعوا في تنظيم وقفات احتجاجية بالمدينتين المحتلتين كوسيلة ضغط على السلطات الإدارية لإرغام وزارة الدفاع الإسبانية على إلغاء مشروع القرار. وأشار عدد من المراقبين الإسبان إلى أن الأمر يدخل في إطار «التمهيد» لاتفاق مغربي إسباني يدخل ضمن دراسة ملف السيادة المشتركة على سبتة ومليلية، وأن تقليص حجم القوات الإسبانية، هو مجرد خطوة أولى ضمن مسودة مشروع إنهاء الوجود الأحادي الإسباني في المدينتين. ورغم نفي وزيرة الدفاع الإسبانية، كارمي تشاكون، لتطبيق قرار تقليص عدد الجنود الإسبان بالمدينتين، فإن مصادر مطلعة أكدت أن «مدريد لم تكن لتسمح بإقامة قاعدة عسكرية في المنطقة لولا وجود اتفاق مسبق بين الطرفين وضمانات مغربية بخصوصها». إن تزامن تدشين الملك محمد السادس لأول قاعدة بحرية بمنطقة القصر الصغير قرب مضيق جبل طارق في 24 من مارس الماضي، على بعد 25 كيلومترا عن سبتة، يعتبره المراقبون نقطة انطلاق لخطة عسكرية جديدة في المضيق.