- فندق «المنزه» على لسان الجميع. ما الذي يصنع تميزه؟ < هناك أكثر من عامل لهذا التميز. لقد واكب هذا الفندق العديد من الأحداث العالمية المهمة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. المنزه كان مكانا رئيسيا لتلك الأحداث التاريخية، وأيضا لمرحلة ما بعد الحرب واستقلال طنجة وعودتها إلى المغرب. ثم هناك تركة هذه المدينة وتاريخها المهم جدا في القرن الماضي، والذي قد يفوق في قيمته وتفاصيله مئات السنوات لتاريخ مدن أخرى سواء في المغرب أو خارج المغرب. لقد زار المنزه رجال السياسة في العالم، كما زاره كبار نجوم الفن من هوليود، وأسماؤهم كثيرة جدا تفوق المائة اسم. هناك أيضا الكثير من الكتاب والمبدعين الذين يجدون في «المنزه» متنفسهم حيث يحفز قدرتهم على الإبداع. إنه مكان لإلهام الكتاب وليس مجرد مكان للمبيت. - هذا رغم وجوده في وسط المدينة وبمنطقة صاخبة نسبيا؟ < على الرغم من زيادة الصخب الذي تعرفه طنجة، إلا أن «المنزه» يبدو مثل جزيرة هادئة. إن الزائر يحس بأجواء أندلسية بين الحدائق والنباتات. لدينا أشجار يفوق عمرها مائتي سنة، والمنزه استطاع أن يحافظ على سماته الأندلسية المغربية. من السهل اليوم أن تبني فندقا عصريا بمئات الملايين من الدولارات وأن يكون جميلا أيضا، لكن هذه الفنادق لا تمتلك التاريخ ولا الجو الفني الذي يمتلكه فندق المنزه. حاولنا أن يكون لنا داخل الفندق ثروة من الأعمال الفنية وصلت إلى أكثر من مائة لوحة أصيلة لرسامين معروفين من المغرب وخارجه. وعندما يدخل الزائر الفندق فإنه لا يهتم فقط بالوصول إلى الغرفة، لأن هناك عدة محطات توقف تجعله يحس بأنه في معرض فني ويحس بالاختلاف فعلا. حتى جدران الممرات غلفناها بالحصير المغربي التقليدي، وهي من التراث القديم التي تجعل الزائر يحس بأنه في أجواء جديدة ويشعر بعبق التاريخ. إننا بهذه الطريقة لا نوفر فقط تميزا خاصا للفندق، بل أيضا نشجع الصناع التقليديين ونوفر لهم فرصا أكبر لبيع منتوجاتهم. إن الطابع المعماري للفندق، بحدائقه وممراته وغرفه، تجعله شبيها بالسكن الشخصي، عكس السكن في الصناديق الكنكريتية. - عندما تستضيفون مشاهير أو زعماء الدول مثل رئيس الحكومة الإسباني السابق خوسي ماريا أثنار، أو فيليبي غونزاليس أو ملك السويد، هل تتغير أشياء في الفندق؟ < بالتأكيد، هناك نوع معين من الاهتمام بالناس المهمين والضيوف الكبار. لكن هذا الاهتمام شيء مضاف إلى اهتمامنا بنزلاء الفندق. كل النزلاء ضيوف لنا ونحرص على سعادتهم. بالنسبة إلى فيليبي غونزاليس فهو مختلف. إنه صديق الفندق ويأتي من دون موعد ويجلس في الفندق حتى من دون أن يقضي هنا ليلة. إنه رجل يحب المدينة. الآخرون نجعلهم موضع حفاوة ونشعرهم بالضيافة العربية التي لا يجدونها في فنادق أخرى في مدن أوروبية. وخلال زيارة عبدو ضيوف، الرئيس السنغالي السابق، طلب التقاط صور تذكارية مع كل طاقم الفندق وسلم عليهم واحدا واحدا، ووعد بالعودة بفضل حسن الضيافة. ربما تكون في أماكن أخرى غرف أفضل من التي نزل فيها، وقد تكون هناك تكنولوجيا أحسن، لكن نوعية الضيافة هي التي جعلته يعد بالعودة إلى الفندق. - أغلب نزلاء فندق المنزه من الشخصيات الكبيرة ورجال الأعمال والوجوه المعروفة في المجتمع. لكن هل هناك نزلاء من طبقة وسطى؟ < هناك تنوع كبير في الزوار. هناك الأسماء الكبيرة والشخصيات المتميزة، وهناك رجال أعمال وفنيون ومهندسون في شركات، وسياح آخرون بغض النظر عن مستواهم المادي، وسياح يطوفون العالم في البواخر الكبيرة، وهم أثرياء جدا، ويزورون فندق المنزه للاستمتاع بتناول فنجان قهوة عندما يزورون طنجة. إن 80 في المائة من نزلاء المنزه أجانب، وهذا ناتج عن التغيير في التركيبة الاقتصادية لطنجة بفضل المشاريع الكبيرة التي تعرفها. ورغم ما يتداوله البعض من إمكانية تعرض المدن الشاطئية لأزمة سياحية سبب غلاء أسعار البترول، خصوصا إذا وصل إلى 200 دولار للبرميل، إلا أن طنجة ستكون أقل تأثرا لأن الوصول إليها عبر البواخر سهل عبر مضيق جبل طارق، وسيسهل على الزوار الوصول إلى المدينة. إن القرب الجغرافي من أوروبا سنستفيد منه بالتأكيد مستقبلا. - ما الفرق بين أن تكون مديرا لفندق المنزه وأن تكون مديرا لفندق آخر؟ < أنا دائما أستعمل كلمة «أسرة المنزه»، ومدير الفندق يجب أن يكون فردا من هذه الأسرة والتي هي مجموع العاملين في هذا الأوتيل. مثلا احتفلنا منذ أيام بمرور 45 سنة على اشتغال أحد العاملين بالفندق. وهناك أشخاص أمضوا أكثر من 30 عاما هنا ويشعرون بأنهم جزء من هذا الفندق ويؤدون عملهم بتفان وحب، ليس فقط من أجل الأجرة الشهرية، بل لأنهم يعتزون بعملهم لأن ذلك جزء من حياتهم. لهذا السبب فإن مدير «المنزه» يجب أن يكون جزءا من هذه الأسرة. أنا ألاحظ أن بعض العاملين لا يحملون ساعة حتى يعرفوا متى بدؤوا العمل ومتى سينتهون، وكل ما يهمهم هو أنهم يشتغلون في هذا المكان الذي أصبحت حتى علاقاتهم الاجتماعية مبنية على العمل فيه، لأن هناك احتراما خاصا لهذا المكان بين الناس. أنا مدير لهذا الفندق منذ 1992 كشركة مالكة، وبالتالي علاقتي مع العاملين عمرها 18 سنة، لقد كبر عمال الفندق أمامي وكبرت أمامهم. تعلموا مني وتعلمت منهم. - ما هي نوعية الأزمة التي يمكن أن يعاني منها فندق المنزه، هل هي كثرة الزبائن أم قلتهم؟ < إننا نحقق نتائج إيجابية فترة بعد أخرى. نتقدم من دون قفزات وبطريقة صحية، وهذا هو المطلوب. لقد ابتعدنا عن فكرة كون هناك موسم ذروة أو موسم انخفاض. إن أعلى فرق بين أعلى شهر وأقل شهر لا يتجاوز 25 نقطة، عكس ما كان يحدث في السابق من بون شاسع بين موسم الصيف وموسم الشتاء. - هناك مشكلة تتمثل في هجرة اليد العاملة المؤهلة في المجال السياحي؟ < هذه مشكلة عانينا منها الكثير. فنحن نؤهل خريجين لسنوات وبعد امتلاكهم القدرة الجيدة يهاجرون، بشكل شرعي طبعا، وبالضبط إلى إسبانيا. بعد ذلك نضطر إلى استقبال آخرين، ويحدث نفس الشيء. وأعتقد أن فنادق أخرى تعاني نفس المشكلة. نحن نعرف أن الفنادق الإسبانية تطلب هذا العام أزيد من 8000 للعمل في مجال السياحة، وأعتقد أن كل مدارس السياحة ليست قادرة على تخريج حتى 800 خريج وليس 8000. إن هذا الهدر سيكون على حساب مصلحة الفنادق. ربما نكون نحن في «المنزه» أقل تضررا من فنادق أخرى لأن لنا طاقما قضى أفراده فترة طويلة من عمرهم هنا. لكن جيل الشباب مستعد للتضحية. إن الدولة تتحمل أكثر عبء ناجم عن هذا الهدر أو الهجرة لأنها تكونهم وتؤهلهم وبالتالي يهاجرون في النهاية. - عشت بالتأكيد مواقف طريفة في عملك هذا؟ < أكيد، مثلا خلال زيارة دوق لكسمبورغ سنة 2006، وقبل مغادرته، اتصل بي وطلب أن نشرب قهوة معا تحت الأقواس، الموجودة في مطعم الفندق. شربنا القهوة وتجاذبنا أطراف الحديث وخرجنا. وفي البهو كان معرض للوحات فنية لفنان شاب من طنجة هو زيدان. أعجبته إحدى اللوحات وقال لي ما هي الإجراءات التي ينبغي لي القيام بها للحصول على هذه اللوحة؟ قلت إن الحياة عندنا بسيطة وليس مثلكم في أوروبا، يعني آخذ اللوحة من الحائط وأسلمها لك وتأخذها معك. استغرب من ذلك وسألني كيف ذلك؟ قلت له: يعني هذه اللوحة هدية مني إليك، وينتهي الأمر. بعد ذلك أرسلنا إليه اللوحة إلى قصره في لكسمبورغ عبر مكتبنا هناك. واليوم توجد لوحة لفنان طنجاوي شاب في قصر دوق لكسمبورغ.