الأخبار القادمة من عالم المال والأعمال تقول أن البرلماني فؤاد عالي الهمة، صديق الملك، قد بدأ يكشف عن مواهبه الاستثمارية الدفينة. فمنذ أربعة أشهر تقريبا استطاع الهمة أن يشتري أسهم الملياردير السعودي عثمان العمير في شركة «مينا ميديا» المتخصصة في خدمات التواصل، وأن يصبح رئيسها الفعلي. ويبدو أن عالي الهمة لن يجد مشاكل في الاندماج في عالمه الجديد داخل شركة «مينا ميديا»، فقد سمع بها عندما كان وزيرا منتدبا في الداخلية. فالشركة التي أصبح الهمة مديرها العام هي الشركة نفسها التي كانت مكلفة بالتدبير الإعلامي والتواصلي لوزارة الداخلية مع وسائل الإعلام الأجنبية، وأيضا للوزارة الأولى. أكثر من ذلك، فشركة «مينا ميديا» هي الشركة نفسها التي تكفلت بالإشراف التواصلي لحملة عالي الهمة الانتخابية في صخور الرحامنة. وحتى عندما نقلت كاميرا دار البريهي إحدى جلسات مفاوضات مانهاست ظهر أحد مسؤولي الشركة جالسا وسط المفاوضين المغاربة. وبين جلسة تفاوض وأخرى كان يجري بالهاتف آخر اللمسات على الوصلات الإشهارية التي استعملت خلال الانتخابات الأخيرة. وكما يقول المغاربة «الخير ملي كايجي كايجي خطرة وحدة». فالهمة منذ خروجه من وزارة الداخلية وطلبات عضويته في المجلس الإداري لكبريات الشركات تتقاطر عليه. لعل آخرها هي شركة «صوني إريكسون» التي أصبحت تضم بين أعضاء مجلسها الإداري البرلماني فؤاد عالي الهمة. وتردد ألسنة السوء بأن فؤاد عالي الهمة بالإضافة إلى عضويته في المجلس الإداري لشركة «صوني إريكسون» فهو حاضر أيضا في المجلس الإداري لشركة إماراتية كبيرة تشتغل في عالم العقار. عين الحسود فيها عود، كما يقول المغاربة. لكن هذا طبعا لا يمنع من طرح سؤال بسيط جدا يلوح في الأفق بعناد. هل كانت كل هذه الشركات العالمية ستطمع في عضوية النائب البرلماني فؤاد عالي الهمة لو لم يكن صديقا شخصيا للملك. أشك في ذلك. فالبرلمان يوجد فيه مئات الأعضاء وعشرات رؤساء الفرق النيابية وزعماء الأحزاب. ومع ذلك لا نكاد نعثر على اسم أحدهم في المجلس الإداري لواحدة من هذه الشركات العملاقة. الشركات الأجنبية في المغرب تشكو من البيروقراطية وفساد القضاء والحاجة المستمرة إلى الضوء الأخضر القادم من القصر. ولذلك فهناك اليوم تسابق محموم للفوز بعضوية أحد المقربين من الملك ضمن المجالس الإدارية لهذه الشركات العملاقة. فؤاد عالي الهمة ليس برلمانيا عاديا، إنه رئيس فريق «الأصالة والمعاصرة» في البرلمان، ومؤسس «حركة لكل الديمقراطيين» الذي «أنزله» البلاط من عليائه لكي يهبط إلى «الأرض» ويصحح للأحزاب أمور سياستها. فهو بمثابة الساحر الذي يخرج الحلول السريعة من قبعته لكل المشاكل. ومؤخرا رأيناه يأخذ مكان وزير الشغل ويجلس مع المعطلين في مكتبه بالبرلمان ليتباحث معهم أنسب السبل لتشغيلهم. وإلى جانبه محمد الكحص الذي لا يتحمل أية مسؤولية في الحكومة أو الحزب الذي ينتمي إليه. لذلك فوجوده على رأس شركة للتواصل، وعضويته في مجالس إدارية لشركات أجنبية عملاقة يدعو فعلا للتساؤل. هل يريد الرجل أن يكون على رأس حركة سياسية تدعي أنها ستعيد للسياسة مجدها وقيمتها، على الرغم من تواجد أعضاء بين حركته كالطالبي العلمي، لديه قضايا في المحاكم بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد، أو يريد أن يتحول إلى رجل أعمال يلعب بالملايير. عليه أن يختار، لأن صداقته للملك لن تكون فقط نقطة قوته في المستقبل، بل أيضا نقطة ضعفه التي سيتلقى من خلالها أشد الضربات إيلاما من خصومه السياسيين. والواقع أن عالي الهمة ليس وحده الذي وجد ضالته في عالم المال والأعمال الذي تتيحه شركات التواصل. فحتى في حكومة عباس الفاسي أصبح مجرد حك الوزير لرأسه يتطلب منه تعيين شركة للقيام بذلك مكانه. ومن كثرة ولع وزير الفلاحة بدراسات شركة «ماكنزي» مثلا، استقر رأي الشركة الأم على فكرة فتح فرع لها في المغرب. فبعد تكليف صلاح الذين مزوار لمكتب «ماكنزي» بإنجاز دراسة حول مشروع «إميرجونس» عندما كان وزيرا للاقتصاد، والذي كلف خزينة الدولة حوالي 20 مليون درهم، هاهو وزير الفلاحة أخنوش يكلف نفس المكتب بإنجاز دراسة لمشروع «المغرب الأخضر» بحوالي 25 مليون درهم. ويبدو أنه ليس وزيرا المالية والفلاحة وحدهما اللذان يهيمان حبا بالمستر «ماكنزي»، فحتى الوزير الأول عباس الفاسي يستعد لدفع تكاليف دراسة سيعدها المكتب حول نظام رواتب الوظيفة العمومية. مع أن عباس الفاسي لديه في وزارته جيش من الموظفين المكلفين بمهمة، لا أحد يعرف مهمتهم على وجه التحديد. كما أنه ورث مستشاري جطو في الإعلام الذين وجدهم في ديوانه وأضاف إليهم مستشاريه الذين أتى بهم بعد تنصيبه وزيرا أول. ومع كل هؤلاء المستشارين في الإعلام والموظفين المكلفين بمهمة الذين يتقاضون رواتب تصل إلى 30 ألف درهم لكل واحد منهم، يجد عباس الفاسي أموالا يدفعها لمكاتب الدراسات وشركات التواصل. وكمثال على هذا «اللجوء التواصلي» غير المبرر، والذي يسير عكس ما قاله نزار بركة وزير الشؤون العامة للحكومة حول سياسة التقشف التي تستعد الحكومة لتطبيقها على مصاريفها لتوفير التكلفة الباهظة لمصاريف الحوار الاجتماعي، إعطاء عباس الفاسي لشركة «موزاييك» لصاحبتها «مونيك الكريشي» صفقة «الجولة الثالثة من الحوار الاجتماعي» بمبلغ يفوق خمسة عشر مليون سنتيم. والمصيبة أن الشركة وجدت نفسها عاجزة عن فك طلاسم الحوار الاجتماعي في نسخته الثالثة والتوصل حوله مع وسائل الإعلام، فقامت بتفويض «المارشي» لشركة تواصل أخرى يوجد مقرها بعمارة السعادة بالرباط. وبمناسبة الحديث عن «المارشيات»، دعونا نتذكر أن المستشار الملكي مزيان بلفقيه الذي استقدم جيشا من الأخصائيين لكتابة تقرير مطول حول أزمة التعليم، اكتشف في الأخير أن تقريره يصف أزمة التعليم وصفا دقيقا لكنه لا يقدم علاجا فعالا لهذه الأزمة. مما اضطر وزير التعليم الحالي، خشيشن، إلى اللجوء إلى خدمات مكتب دراسات متخصص كلفه ملايين محترمة، وأفتى عليه الزيادة في عدد رجال التعليم والزيادة في عدد المدارس وأعطاه أرقام ومعطيات محددة. وإذا كان المرء يفهم لجوء بعض الوزارات التي يتحمل حقيبتها وزراء سياسيون إلى مكاتب الدراسات وشركات التواصل قبل الشروع في العمل على أي ملف، فإن ما يثير الاستغراب هو أن يلجأ وزراء تكنوقراطيون إلى ذلك أيضا. مع أن التكنوقراط معروفون في كل الدول الديمقراطية بعدم حاجتهم إلى مكاتب دراسات مادام شغل هذه المكاتب هو شغلهم الأصلي. لذلك فإذا كان عباس الفاسي يريد فعلا أن يطبق حمية صارمة على مصاريف حكومته لكي يوفر ثمن «مارشي» الحوار الاجتماعي، فعليه أن يصدر قرارا شجاعا يقيد شهية بعض وزرائه المفرطة للجوء لهذه المكاتب التي تلتهم ميزانيات بالملايير. وعلى الوزير الأول أن يفهم أيضا أن وضع أرقام وأسرار ووثائق إستراتيجية بالنسبة إلى الحكومة بين يدي مكاتب دراسات أجنبية يمكن أن تكون له نتائج غير مأمونة المخاطر في المستقبل. ولعل عباس الفاسي مدعو لتأمل التجربة الكطالانية من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها للمغرب رئيس حكومة كطالونيا خوسي مونتيا، الذي جاء مرفقا بوزيره في وزارة لم يسمع بها عباس من قبل، وهي وزارة «التجديد والبحث». فالوزارة الأكثر أهمية الآن بالنسبة للمغرب هي هذه بالضبط. لأنها ستوفر على ميزانية الدولة كل تلك المصاريف الباهظة التي تلتهمها مكاتب الدراسات الأجنبية مقابل تقارير يذهب بريقها بمجرد تقديم أرقامها في حفلات الكوكطيل بفنادق الخمس نجوم بالاص. نرجو فقط ألا يفكر عباس الفاسي في تكليف مكتب دراسات أو شركة للتواصل لكي تعد له دراسة حول مشروع هذه الوزارة. يكفي فقط أن ينقل النموذج الكطلاني، وأكيد أن جيراننا الإسبان لن يتابعوه بتهمة القرصنة. بشرط أن ينقلها بأمانة.