كل المغاربة الذين تابعوا عبر القنوات الفضائية حفل الاستقبال الحار الذي حظي به الصحافي السوداني سامي الحاج في مطار الخرطوم، تساءلوا لماذا لم يقم إعلامنا العمومي بتغطية وصول المواطن المغربي سعيد بوجعدية إلى مطار القنيطرة قادما إليها من معتقل غوانتنامو السيئ الذكر. ببساطة لأن المواطن السوداني سامي الحاج كان في استقباله وزيرا العدل والداخلية، فيما المواطن المغربي كان باستقباله رجال المخابرات. وفي الوقت الذي انتقل المواطن السوداني سامي الحاج مباشرة من المطار إلى المستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة وزاره في غرفته رئيس الدولة عمر البشير شخصيا، انتقل المواطن المغربي سعيد بوجعدية إلى معتقل تمارة الرهيب، حيث سيخضع لجلسات طويلة من الاستنطاق والتحقيق، ربما سيتحسر معها على أيامه في غوانتنامو. عندما سأل صحافي الجزيرة وزير العدل السوداني هل ستتم متابعة سامي الحاج كما درجت بعض دول شمال إفريقيا على ذلك (يقصد المغرب تحديدا)، كان الجواب هو أن سامي الحاج لم يرتكب أية مخالفة على أرض السودان يستحق عليها المتابعة، ولذلك فهو حر يستطيع أن يذهب إلى حيث يشاء. المواطن المغربي سعيد بوجعدية ليس متابعا من طرف القضاء المغربي بأية تهمة داخل تراب المملكة. ومع ذلك يتم حرمان أسرته من رؤيته ويأخذه رجال المخابرات رأسا إلى معتقل لا يقل وحشية عن معتقل غوانتنامو ولا يختلف عنه سوى في كون الأول علني تتداول وسائل الإعلام صوره فيما الثاني سري ينفي الجميع في الدولة وجوده أصلا. وإذا كان سامي الحاج وسعيد بوجعدية قد اقترفا حسب قانون الإرهاب الأمريكي ما يستحقان عليه العقوبة، فقد قضيا ست سنوات في سجن غوانتنامو وقررت السلطات الأمريكية إطلاق سراحهما. بمعنى أن السلطات الأمريكية التي اعتقلتهما من أفغانستان بقانون الإرهاب قد اقتنعت أخيرا بلا جدوى بقائهما معتقلين لديها. فهل يريد المغرب أن يكون أمريكيا أكثر من الأمريكيين أنفسهم. أم أن الأمريكيين الذين لا يستطيعون حتى في معتقل سيئ الذكر كمعتقل غوانتانامو استعمال وسائل تعذيب وحشية ضد المعتقلين لانتزاع اعترافات منهم، يفضلون منح تفويض لزملائهم في معتقل تمارة الرهيب للقيام بالأعمال القذرة مكانهم. ففي أمريكا هناك رقابة شديدة على الطريقة التي يعامل بها المعتقلون بقانون الإرهاب، وهناك ضغط لوسائل الإعلام ولأعضاء الكونغريس. أما في المغرب فإن رقابة البرلمان لا تطال حتى السجون المعترف بها، فالأحرى أن تطال المخافر والمعتقلات السرية كمعتقل تمارة. وقد أجاد المخرج «غافان هود» تصوير ظروف الاعتقال والاستنطاق في معتقل تمارة، دون تسميته بطبيعة الحال، في فيلم «Détention secrète». وفضح الفيلم الحضور المخجل لعميل المخابرات الأمريكي داخل سراديب المعتقل ومتابعته لبعض جلسات التعذيب التي خضع لها أحد المعتقلين المصريين الحامل للجنسية الكندية اشتبه الأمريكيون في كونه عضوا في خلية إرهابية. ولعله من المفيد التذكير أن المغرب لم يسبق له أبدا، على خلاف كل الدول، أن طالب في يوم من الأيام الإدارة الأمريكية بإطلاق سراح المعتقلين المغاربة في غوانتنامو. مثلما صنعت ذلك حكومات أوربية كثيرة لديها رعايا معتقلون عند الإدارة الأمريكية. ولعل الحكومة المغربية مدعوة لتأمل موقف وزير الخارجية البريطاني الذي طالب خلال غشت الماضي رسميا واشنطن بإخلاء سبيل خمسة معتقلين من سجن غوانتنامو رغم أن هؤلاء السجناء الخمسة لا يحملون الجنسية البريطانية. وطالب وزير الخارجية البريطاني دافيد ميليبان نظيرته الأمريكية كونداليزا رايس بإطلاق سراح المعتقلين الخمسة لأنهم كانوا ذات وقت يحملون بطاقة الإقامة في مملكة إنكلترا. وهو ما تم بالفعل حيث تم إطلاق سراحهم استجابة لمطالب الخارجية البريطانية. هكذا تدافع وزارة الخارجية البريطانية عن معتقلين لا يحملون حتى جنسيتها، وتطالب رسميا بإطلاق سراحهم لمجرد أنها ذات يوم منحتهم بطاقات إقامة على ترابها. في الوقت الذي لا تعير وزارة الخارجية المغربية معتقليها القابعين منذ سنوات في غوانتنامو والذين يحملون جنسيتها، أية أهمية تذكر. وحتى عندما تقرر الإدارة الأمريكية من تلقاء نفسها إطلاق سراحهم وتحملهم إلى المغرب بالطائرة على حسابها، لا تفعل الدولة المغربية أكثر من إرسال رجال مخابراتها لاعتقال مواطنيها من جديد وإعادتهم إلى أقبية التحقيق المظلمة. مع أن هؤلاء المعتقلين لم يقترفوا جرائم ضد النظام والأمن العام المغربي. اللهم إذا كان السفر إلى أفغانستان يعتبر في القانون المغربي جريمة. وإذا كان الأمر كذلك فيجب على رجال المخابرات أن يعتقلوا المئات من المغاربة الذين شجعوهم خلال الثمانينات على السفر إلى أفغانستان، وسهلوا لهم السبل، بمباركة من إدارة رولاند ريغن التي كانت تخوض أشرس حروبها ضد الاتحاد السوفيتي، وكانت سباقة إلى نشر لقب «المجاهدين» في كل وسائل الإعلام الدولية على الأفغان وضيوفهم المحاربين العرب. طبعا قبل أن يكسب الأمريكيون حربهم ضد الروس التي خاضها المجاهدون بالوكالة عنهم بفضل صواريخ «شتينغر» التي كسرت شوكة الطيران الحربي الروسي ونثرت أشلاء طائراته فوق قمم جبال طورا بورا وواد بانجيش، ويتحول المجاهدون في نظر CNN وفوكس نيوز إلى إرهابيين، وتأتي طائرات B 52 الأمريكية لكي تدك جبال طورا بورا دكا بقنابلها الثقيلة. في بريطانيا قام المعتقل السابق في غوانتنامو، طارق درغول السنة الماضية، برفع دعوى قضائية ضد مصالح الاستخبارات البريطانية الداخلية والخارجية متهما إياها بالتقصير في حمايته. خصوصا وأن أفراد من هذه المصالح زاروه عندما كان معتقلا في غوانتنامو وأخبرهم بأنه تعرض للتعذيب على أيدي محققين أمريكيين، لكن هؤلاء الأفراد التابعين للمخابرات البريطانية لم يقوموا بشيء لصالحه. وفي فرنسا بمجرد ما عاد أحد المعتقلين السابقين بغوانتنامو تلقفه برنامج تيري أرديسون الشهير «Tout le monde en parle» واستضافه للحديث حول ظروف اعتقاله من طرف القوات الأمريكية في أفغانستان، ومعاناته داخل معتقل مكشوف على مدار الساعة. هل يجرؤ معد برنامج حواري واحد في المغرب على مجرد التفكير في استدعاء سعيد بوجعدية للحديث عن تلك السنوات الست التي قضاها في معتقل غوانتنامو. وهل هناك وكيل واحد للملك يقبل أن يتابع المخابرات المغربية بتهمة عدم التبليغ عن الممارسات المشينة التي تعرض لها المعتقلون المغاربة في غوانتنامو. إن الفرق بين الديمقراطية وضدها يبدو واضحا عندما نقارن بين الطريقة التي تتصرف بها البلدان الديمقراطية مع مواطنيها، سواء كانوا أحرارا أو معتقلين في الخارج، وبين الطريقة التي تتصرف بها البلدان غير الديمقراطية مع هؤلاء المواطنين. هل يجب التذكير هنا بأن الخارجية المغربية لم تكشف إلى حدود اليوم عن مصير المواطنين المختطفين في العراق بوعلام والمحافظي، ومنذ أن أزالت القناة الثانية صورتهما من الزاوية العليا لشاشتها نسيهم الجميع. عندما نرى ساركوزي وحكومته يسارعون إلى التشاد للوقوف إلى جانب مواطنين فرنسيين يعرف الجميع أنهم مذنبون في حق أطفال التشاد، وعندما نرى كيف تتفاوض الحكومات الأوربية مع الإدارة الأمريكية من أجل إطلاق سراح مواطنين معتقلين لديها، مع أن هؤلاء المعتقلين مسلمو الديانة، وفي مقابل ذلك نرى كيف يتجاهل المغرب أبناءه المرميين في السجون، من غوانتنامو إلى سجون العقيد في ليبيا إلى جزيرة «كيش» على الحدود الإماراتية الإيرانية حيث مئات الفتيات المغربيات محاصرات بدون وثائق. عندما يحترق العشرات من المواطنين المغاربة مثل الخرفان في معمل مغلق، بينما قنواتهم التلفزيونية ترقص طربا ومديرها يقضي عطلة نهاية الأسبوع في باريس. نعرف القيمة الحقيقية للمواطن المغربي في نظر دولته.