كنت أشتغل في معمل يوجد مقره بالسبيت (إحدى ضواحي الدارالبيضاء)، حيث يستغله صاحبه لتركيب ديكورات منزلية باستعمال خشب» الكركاع». كان عددنا يترواح ما بين 10 و20 عاملا. أتى بنا صاحب المعمل كلنا من نواحي أكادير وتارودانت. نأكل وننام في نفس «الكراج» الذي نعمل فيه. نبدأ العمل منذ الساعة السابعة والنصف صباحا بشكل متواصل ولا ننصرف منه إلا بعد الحادية عشرة مساء. أحيانا لم نكن نجد وقتا نتغذى فيه. يتقاضى كل منا أجرا حسب العمل الذي يؤديه. وعموما تتراوح أجورنا ما بين ألف درهم و3 آلاف و500 درهم، وأعلى أجرة يقبضها رئيس العمال. لكن المشغل لم يكن يعطينا أجورنا آخر كل شهر، بل يعطينا المصروف فقط. إذ يأتي إلى المعمل آخر كل أسبوع ويرمي ل»الشاف» (رئيس العمال) بألف أو ألفي درهم ليقتسمها بيننا، فيكون نصيب كل منا ما بين 100 و200 درهم. هكذا يتعامل مع جميع عماله، بدعوى أنه يوفر لهم باقي الأجور ريثما يحين موعد عودة كل منهم إلى بلده. لكن، اتضح لنا فيما بعد أنه لا يفي بوعده في الأخير، إذ إنه لا يعطي لأي عامل يريد زيارة أهله سوى نصف مستحقاته فقط، حتى يضمن رجوعه إلى العمل في ما بعد. أما إذا ما بدرت من العامل ردة فعل ما، كالإصرار على أخذ أجوره كاملة أو التهديد بمقاضاته مثلا، فإنه سيخسر الدعوى لا محالة وسيكون مصيره الإنكار، لأنه لا يتوفر على دليل يثبت أنه مدين للمشغل أو حتى أنه كان يشتغل لديه. ومجرد الاحتجاج على قساوة ظروف الاشتغال أو كثرة العمل كاف ليجد الأجير نفسه مطرودا من ذلك المعمل. وعندما تأتي أية لجنة تفتيش، فإنه يأمر أغلب العمال بالاختباء فوق «السدة» ريثما ينصرف المراقبون، ولم يكن يسمح للظهور أمام اللجنة إلا لبضعة عمال فقط. في رمضان الماضي، تركنا بدون مؤونة لمدة يومين متتاليين، اضطررنا لمواصلة الصيام لأن المعمل يتواجد في منطقة خالية من المحلات التجارية، زد على ذلك كوننا غرباء عن المنطقة ولا نعرف أحدا هناك نطلب منه المساعدة. صمنا يومي الجمعة والسبت متواصلين، وعندما جاء صاحب المعمل صباح الأحد، أرغمنا على مواصلة العمل رغم أن الأحد يصادف يوم «الروبو» الذي نرتاح فيه من تعب الأسبوع. وهكذا اضطررنا لأن نعمل تحت التهديد بالطرد، دون مراعاة تدهور حالاتنا الصحية. عند منتصف ذلك النهار، شعر أحد العمال بالإرهاق من جراء شدة الجوع، ما دفعه للتوقف عن العمل والانصراف للنوم. بعده انصرف ثلاثة عمال آخرون. ومباشرة بعدما أخبره رئيس العمال، حل علينا صاحب المعمل بسيارته الفارهة وقام فورا بطرد الأجير الذي توقف عن العمل، متهما إياه بتحريض العمال على التمرد على أوامر رب العمل. لقد طرده في تلك العشية دون رحمة ولا شفقة ودون أن يعطيه فلسا واحدا. وحدث أيضا أن أرسل سبعة من عماله إلى السجن بعد أن اتهمهم زورا بإضرام النار في المعمل. وأصل الحكاية أن هؤلاء السبعة، وهم الذي وضعوا معه اللبنات الأساسية لذلك المعمل، إذ أمضوا معه سنين طويلة، ويوم طالبوه بإدماجهم والتصريح بهم في صندوق الضمان الاجتماعي، لم يتقبل منهم ذلك، بل ثار غاضبا فقام بإشعال النار في بعض الأخشاب المستعملة ثم استدعى الشرطة واتهم العمال السبعة بنشر الفوضى وسط العمال وإضرام النار في المعمل، كما ضغط على باقي العمال ليشهدوا زورا لصالحه ففعلوا. وهكذا أمضى كل من هؤلاء السبعة عاما كاملا خلف القضبان. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد أحد من عماله قادرا على رفع رأسه في وجه المشغل، أو حتى مجرد الاحتجاج في حضور رئيس العمال الذي يوصل لرئيسه كل صغيرة وكبيرة تحدث بالعمل. وفي بحر هذا الأسبوع، وبعد حدوث حريق ليساسفة، قام بجمعنا ليخطب علينا. وتكلم مع المدخنين منا بلهجة قاسية، مهددا كل من تسول له نفسه إشعال سيجارة داخل المعمل. ولكوني أدخن كثيرا أثناء العمل، ولا أستطيع أن أصبر عن إشعال سيجارة طيلة النهار وإلى ما بعد الحادية عشرة ليلا، فقد واجهته بأن الأمر صعب علينا، وهو ما أجج غضبه فقام بطردي من العمل فورا، ناسيا كل تلك السنوات التي أمضيتها مطيعا لأوامره.