نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة اليوم الإثنين وغدا الثلاثاء بعدد من مناطق المملكة    الدريوش: الحكومة تعمل على تقليص عدد الوسطاء في سوق السمك    إقبال كثيف على المواد الاستهلاكية في رمضان رغم ارتفاع الأسعار    متابعة أربعة أشخاص في حالة اعتقال وإحالة فتاة قاصر على قاضي الأحداث يشتبه تورطهم في جرائم يعاقب عليها القانون    بعد إلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد.. دعم وحماية الفلاحين مربي الماشية الصغار على طاولة وزير الفلاحة    للمشاركة في احتفالات الذكرى 96 لتأسيسه .. الاستاذ إدريس لشكر يزور المكسيك بدعوة من الحزب الثوري المؤسساتي    محاكمة أفراد من عائلة جراندو في قضايا تشهير    ثلاثة أعمال مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب    أهدنا الحياة .. ومات!    إبراهيم دياز ينافس على جائزة أفضل لاعب في ريال مدريد    أساتذة "الزنزانة 10" ينتقدون التأخر في تسوية ملفهم ويلوحون بتصعيد احتجاجاتهم    الصحافي الذي مارس الدبلوماسية من بوابة الثقافة    حادثة سير مروعة بالطريق الساحلية تودي بحياة شاب من بني بوعياش (فيديو)    مطالب باحترام إرادة ساكنة فكيك الرافضة لخوصصة مائها واستنكار ل"تغوّل" سلطة الوصاية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    بعد "إلغاء الأضحية".."حماية المستهلك" تدعو لاتخاذ تدابير تحقق الأمن الغذائي وتحد من الغلاء    جائزة الأوسكار لوثائقي عن تهجير الفلسطينيين في حفلة حضرت فيها السياسة بخجل    ضرورة تجديد التراث العربي    كولر يستبعد عطية الله ورضا سليم من لائحة الأهلي لمونديال الأندية    نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال يترأس لقاء تواصليا بالفقيه بن صالح    بورصة البيضاء تفتتح التداول بالأخضر    رمضان في الدار البيضاء.. دينامية اقتصادية وحركة تجارية في الأسواق ومتاجر القرب    استقالة جواد ظريف نائب رئيس إيران    مقتل إسرائيلي بعملية طعن بمدينة حيفا ومقتل المنفذ    هل بدأ ترامب تنفيذ مخططه المتعلق بالشرق الأوسط؟    حارس أمن آسيوي يطرد مواطنا من مصنع صيني ويثير جدلا واسعا    حراس الأمن الخاص المطرودين من العمل بالمستشفى الجهوي لبني ملال يواصلون إعتصامهم    وزير الثقافة الإسرائيلي يهاجم فيلم "لا أرض أخرى" بعد فوزه بالأوسكار    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    من هو "الأخطبوط" الذي "ينخر" هذا القطاع؟.. النقابة الوطنية للصحة تفجر "فضائح" حول الوضع الصحي بمراكش    مجلة إيطالية: المغرب نموذج رائد في تربية الأحياء المائية بإفريقيا والبحر الأبيض المتوسط    توقعات أحول الطقس اليوم الإثنين    نتائج قرعة دور ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2025    قراءة فيدورة جديدة من بطولة القسم الثاني : الكوكب تعزز صدارتها وتوسع الفارق …    حكيمي ينافس على جائزة لاعب الشهر في الدوري الفرنسي    النصيري يسجل هدفا في فوز فريقه أمام أنطاليا (3-0)    إحداث كرسي الدراسات المغربية بجامعة القدس، رافد حيوي للنهوض بالتبادل الثقافي بين المغرب وفلسطين (أكاديميون)    ناقد فني يُفرد ل"رسالة 24 ": أسباب إقحام مؤثري التواصل الاجتماعي في الأعمال الفنية    ترامب يبحث عن الإجراءات الممكن اتخاذها ضد اوكرانيا    ترامب يعلن إدراج خمس عملات مشفرة في الاحتياطي الاستراتيجي    دوبلانتيس يعزز رقمه العالمي في القفز بالزانة    كرة القدم: كوريا تتقدم بطلب تنظيم كأس آسيا 2031    سؤال التنمية ولماذا كل هذا الاستعصاء؟    الصين: إجمالي حجم الاقتصاد البحري يسجل 1,47 تريليون دولار في 2024    مسلسل "معاوية".. هل نحن أمام عمل درامي متقن يعيد قراءة التاريخ بشكل حديث؟    المغرب ماضٍ في طريقه .. والمغاربة يعرفون جيدًا من معهم ومن ضدهم    شابة تقدم على الانتحار نواحي سطات    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    إحباط محاولة تهريب حوالي 26 كيلوغراما من مخدر "الشيرا"    أبرز الترشيحات لجوائز الأوسكار بنسختها السابعة والتسعين    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمانة حداد تنجح في « صحبة لصوص النار»
نشر في المساء يوم 02 - 05 - 2008

جمانة حداد، الشاعرة والصحفية اللبنانية، التي تحظى بتقريظ واسع في العالم العربي، ربما يفوق الكثير من بنات جنسها المتميزات أيضا، والتي تشرف على إدارة جائزة البوكر العالمية، في نسختها العربية، فضلا عن إشرافها على الصفحة الثقافية اليومية الخاصة بجريدة النهار اللبنانية، هذه الشاعرة الموهوبة، التي تملك ناصية لغات عالمية، نشرت، مؤخرا، في «دار النهار» حوارات، بالغة الإمتاع والفائدة، مع كتاب عالميين، ظهرتْ في إصدار جميل بعنوان «صحبة لصوص النار»(2006)، بعد أن نُشِرت تباعا على الصفحة الثقافية للنهار، وكانت سببا، في استدراج بعض الكتاب المُحاورين، لنشر بعض نصوصهم في هذه الصحيفة العربية.
حوارات جمانة حداد في «صحبة لصوص النار» تتميز بذكائها وجاذبيتها التي لا تقاوم، فهي صادرة عن امرأة شاعرة مثقفة، تكشف كل إصداراتها أنها لا تملك شغفا أكبر من شغف القراءة والكتابة. وإذا كانت قد اختارت الكتابة بالعربية، بعد تجربة في الشعر بالفرنسية، فإن شغفها جعلها، بالمقابل، تقرأ بأكثر من لغة، وهو ذات الشغف الذي دفعها، في هذا الكتاب، إلى تعقب كتاب عالميين، في كثير من مدن العالم، لاستفسارهم عن أشياء تخصها وتشغل بالها في كتاباتهم وأعمالهم، وهي الأشياء التي ترغب في إشراك قرائها، في متعة اكتشافها، من خلال وساطتها اللطيفة كمحاورة عربية تجمع، في سلتها الأدبية الخاصة، بين الثقافة والجمال والذكاء وحس التواطؤ والاستدراج.
تملك جمانة حداد «نظرية» خاصة في فن التواصل مع الأدباء ومحاورتهم، نظرية ستحرص على صياغتها، في مقدمة الكتاب التي تحمل عنوان «على سبيل التمهيد». وإذا كان بمستطاع القارئ الشغوف، الذي لا قدرة له على الصبر، الدخول مباشرة في صلب تجربة الحوار واستكشاف أغوار كتاب العالم والطعم الخاص لأجوبتهم وتعابيرهم، فإن القارئ المتريث، الذي يملك حس الإرجاء، يمكن أن يظفر بمتعة خاصة، وهي متعة قراءة جمانة حداد وهي تفكر في شعرية الحوار، في الشروط التي ينبغي أن تتوفر في المُحاِور، وفي المسالك التي يُستحسن المرور منها لدفع الكاتب إلى المغامرة بقول حتى ما لا يرغب، عادة، في قوله أو الإفضاء به. وهذه «الشعرية» هي ما سنحرص في هذه الورقة على تقديمه، على أن نعود إلى مضمون الحوار، في مناسبة قادمة.
تبدأ جمانة حداد من بناء اعتبار لأهمية السؤال في تفجر المعرفة، فتشير إلى سؤال الحية، في»سفر التكوين» الذي ترتب عنه ما يُعرف بالخطيئة الأصلية، وكان سببا أيضا في انطلاق ما سمته ب»لعبة المعرفة». من ذلك تستنتج جمانة حداد أن «السؤال قائم إذن في الأصل»، منطويا على شغف «الفوز بالمجهول»، ومحرضا، في آن، على تجاوز النقص وعدم الاكتفاء بالمعلوم.
كل حوار هو، في رأي جمانة حداد، سفر وزيارة، يقوم بها المحاِور إلى «عقل الآخر وقلمه وروحه وحياته ومزاجه، وربما مكبوتاته ولاوعيه». زيارة يعود منها المغامِر بأعطيات خاصة، وهو ما تعترف به جمانة حداد: «قدَّم لي الكتاب الذين حاورتهم، بطريقة غير مباشرة، هدايا نادرة. فصحيح أني جلتُ العالم برفقتهم من إسبانيا إلى ألمانيا، من البرتغال إلى كلومبيا، وهلمَّ، لكن يظل الأهم والأثمن أنهم سمحوا لي أن أطوف في أشد العوالم تشويقا وإثارة وغنى: عالم فكرهم المتنوع والمهيب». وتعترف جمانة حداد بأن رغبتها الشخصية، المشارفة لحدود الأنانية، في اكتشاف عوالم كتابها الأساسيين، هي التي دفعتها إلى السعي وراء إنجاز هذا الحوار: «العديد من هؤلاء الأدباء العظماء الذين التقيتهم وحاورتهم خلال الأعوام الأخيرة، كانوا أصلا يسكنون فكري وروحي، وكانت مؤلفاتهم أشبه بخبزي اليومي. في الواقع، لم أكن أحلم بنجوم السينما والغناء، على ما كانت عليه أحوال صديقاتي، بل طويلا خبأتُ في أحلامي المُتقدة أشباح ماياكوفسكي، وبو، وإيلوار، وسالينجر، ونابوكوف، ودوستويوفسكي، وساد، وأشباههم من آباء وورثة».
لا تفصل جمانة حداد متعة الحوار عن وعثاء المعرفة، بل إن الحوار لا يمكن أن يكون ممتعا وشفافا وجانحا نحو فيض الأغوار، ونحو التقاط ما يشكل جوهر التأليف عند الكاتب، دون معرفة عميقة بأعمال الكاتب. لذلك فجمانة حداد، بخلاف نظرية العفوية، تشترط في الحوار الناجح ما تسميه بالتحضير: «لا أقصدُ بمعنى التحضير إعداد الأسئلة سلفا، فذلك أسوأ أنواع التحضير وأضعفها، وهو يحول دون تدفق الحوار طبيعيا وتلقائيا، ودون أن يتوالد وينضح ويتكاثر بذاته، بل أعني بالتحضير المعرفة الجيدة بأعمال الكاتب وبأبرز محطات حياته». ثم تضيف في ما يكشف سر النجاح: «إقرأ أيها الطارح الأسئلة مَن تنوي محاورته، ثم نقِّب فيه ووثِّق له وتشرَّبه حتى يسكنك، لا بل حتى تُصبح ممسوسا به»، ثم تضيف جمانة ما يستكمل شروط التحكم في اللعبة: «مفيد أيضا أن تحدد مناطق الحوار: بؤر من الجمر ينبغي لفراشات أسئلتك أن تحوم حولها، من دون أن تقع في حرفيتها وتحترق. ومن المهم أن تطرح أسئلة تكون ذات دور دينامي متنوع، تحتكم إلى البحث المعرفي الذي يتعدى الظرف الموضوعي العابر، لتكون نوعا من المكاشفة التأليفية، تفترض الإمساك بخيوط نقدية متينة، متداخلة، متلاقية، متشعبة، واضحة، وأحيانا غير مرئية على السطح، تبدأ من الجزئي لتصل إلى الكلي، أو العكس».
ليستْ جمانة حداد مع لُعبة مسايرة الكُتاب في أهوائهم وادعاءاتهم، بدون ثمن. فليس الحوار مناسبة فقط لمنح أسطورة الكاتب امتداداتها في فضاءات أخرى ومُخيلات أكثر طراوة، بل هو أيضا مناسبة لإزاحته عما اعتاد قوله أو المسارة به، ولكن وِفق خُطة غاية في الدقة واللطف، تستدعي ذكاء واحتراسا كبيرين.
هذه هي استراتيجية جمانة حداد لولوج قلعة الكتاب، والتي سمحت لها في «صحبة لصوص النار» بالتسلل إلى الشفافية الداخلية لهؤلاء الكُتاب المحاورين: «من بول أوستر تعلمتُ كيف تكون الكتابة هوية، ومن امبرتو إيكو النهم واتساع الأفق، ومن بيتر هاندكه فضائل الانسحاب من الحياة العامة، ومن باولو كويلو الإصرار على الحلم حتى عندما لا نصدقه، ومن ماريو فارغاس يوسا فطرة الثقافة، ومن جوزيه ساراماغو قاعدة الجلوس المقدسة، ومن إيف بونفوا التواضع والبساطة والحنان، ومن انطونيو اتبوكي الإيمان العنيد بالمصادفات، ومن نديم غورسيل دفء الحس الإنساني، ومن الفريده يلينيك شراسة الصدق، ومن مانويل فاسكيث مونتالبان عشق الحياة الأبيقوري، ومن ريتا دوف بناء الذات لبنة لبنة، ومن الطاهر بنجلون الشفافية والتقشف».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.